شوف تشوف

الرأي

مواطنون تحت الصفر

يونس جنوحي
ككل سنة، تخرج جمعيات المجتمع المدني لإحصاء المشردين في بعض المدن والمناطق، وتكون النتائج صادمة.
هذه الأيام تنخفض درجات الحرارة ليلا إلى أدنى مستوياتها ويصبح النوم في الشارع شبيها بالاستلقاء في مُجمد. وتصبح حياة آلاف المواطنين المغاربة، الذين يتوجب على الدولة إيواؤهم، مهددة بالخطر.
إذا كان الذين يقطنون في الخيرية ودور الرعاية يطالبون بتوفير أغطية تقيهم برد الشتاء في مناطق قريبة من بؤر تساقط الثلوج على قمم الجبال، فكيف ستكون حالة المشردين الذين لا يتوفرون على أي شيء تقريبا؟
في الدار البيضاء، عاصمة المغرب الاقتصادية يا حسرة، يتجول عدد هائل من المشردين الذين يكون أغلبهم تحت تأثير أمراض نفسية مزمنة. يحملون معهم أسمالهم ويقطعون الدار البيضاء طولا وعرضا، بل ويقتسمون عتبات العمارات السكنية ليلا حيث ينامون في علب الكارطون، حتى في الليالي الممطرة.
ورغم أن بعض الجمعيات تنسق مع الإدارات العمومية لتنظيم حملات توزيع الأغطية وإيواء المشردين ولو بشكل مؤقت، إلا أن هذه الإجراءات تبقى غير كافية.
في المحطات الطرقية، في كل مناطق المغرب، يتوزع المشردون بشكل يشوه جمالية المدن والقرى، ويؤثر على رونق المباني العمومية. شارع مثل شارع محمد الخامس في الدار البيضاء، بكل رصيده التاريخي وجمالية بناياته التي تعود إلى أزمنة الحماية الكولونيالية، يصبح ليلا وكأنه مسرح لتشخيص مشاهد من مستشفيات الأمراض العقلية. يقتسم المشردون عتبات عماراته السكنية، وكأنها «بلوك» مستشفيات خاصة، وتصبح ممرات الشارع أسرّة لمشردين يلجؤون إلى التلحف بأكياس البلاستيك العازلة نسبيا للحرارة، حتى تنقص من حدة برودة الجو.
انتشر مقطع، الحمد لله أنه لم يُصور في المغرب، لبعض المتنطعين الذين حاولوا كسر روتين ليلهم البئيس بتوقيف سيارة فاخرة وسط الشارع العام وقصدوا مشردا بدون مأوى كان مستغرقا في نومه، وأضرم أحدهم النار فيه، بينما كان الآخرون يوثقون المشهد بالكاميرا ويستمتعون برؤية الرجل المسكين وهو يكابد لإطفاء النيران التي بدأت تلتهم أسماله ولحيته الكثة.
حاولت بعض المواقع الصفراء نسب الفيديو إلى المغرب لكي ترفع من نسبة المتصفحين بشكل بئيس، إلا أن جمالية الشارع وقوة الإنارة العمومية واللافتات، كشفت بسرعة أن الأمر لا يتعلق بالشوارع المغربية وأن الفيديو صُور في دولة أوربية على الأرجح.
يتأسف الكثيرون على أيام الاستعمار، ويقولون إن المستشفيات في فترة الحماية الفرنسية كانت نظيفة ومفتوحة في وجه الجميع، على عكس زمن الحكومة الوطنية التي يضع المواطنون شكايات ضد كل إداراتها العمومية تقريبا دون أن يستمع إليهم أحد.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، لا أحد يعلم أين وصلت مساعي المسؤولين في توفير مادة الحطب، وإبعاد المضاربين والسماسرة عن المتاجرة في هذه المادة الحيوية ورفع أسعارها في المناطق التي يتجمد سكانها ليلا وهم يفكرون في استعمال الحد الأدنى من خشب التدفئة، حتى لا ينتهي المخزون قبل أن تمر موجة البرد القارس الذي ينخفض في المناطق الجبلية إلى ما تحت الصفر بكثير، ويضطر السكان البسطاء إلى الاشتغال مباشرة بعد توقف التساقطات الثلجية لإزالة الجليد من أعلى أسطح المنازل قبل أن تتهدم فوق رؤوسهم بسبب ثقل الثلوج المتراكمة فوق الدور التقليدية.
لم نر يوما رئيس الحكومة أو أحد وزرائه في زيارة إلى تلك القرى التي يتطلب الوصول إليها قطع ساعات وسط الجبال. كان ممكنا أن تكون تلك الزيارة أكثر دفئا من إرسال الخطابات الباردة إلى أناس لا يتوفرون أساسا على التلفاز والجرائد. لكن ربما لم يسمع مسؤولونا بعدُ عن اختراع بشري اسمه «المروحية» لكي يتشجعوا، ولو مرة في السنة، لكي يعاينوا بأعينهم كيف أن هناك مواطنين مغاربة يعيشون تحت الصفر تماما، بما أن المشردين المنتشرين في المدن لم يُحركوا عاطفة أحد من ركاب سيارات الرباط الفارهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى