ملف الأسبوع

نساء في حياة حكام الجزائر عشن بين المغرب والجزائر

حسن البصري

بين المغرب والجزائر عدة روابط عرقية وثقافية ودينية، ولأن الجوار فرصة لتوطيد العلاقات بين بلدين حاول التاريخ والجغرافيا لم شملهما مرارا، فإن القرب والتقارب مناسبة لمد جسور التنمية في زمن نعيش فيه عصر التكتلات الاقتصادية الكبرى. مع مر الأزمنة عاش المغاربة بالجزائر واستوطن الجزائريون المغرب، وامتد الأمر إلى حد المصاهرة بين عدة عائلات.
حين كانت الجزائر تعيش تحت نير الاستعمار الفرنسي، فتح المغرب ذراعيه لاحتضان ما عرف حينها بـ«مجموعة وجدة»، التي كانت مرابطة شرق المملكة، وشكلت قاعدة خلفية لدعم حركة التحرير الجزائرية انطلاقا من الأراضي المغربية.
إن المتمعن في تركيبة الطبقة الحاكمة بالجزائر سيكتشف أن عددا منها تلقى تعليمه في المغرب، وأن هناك عناصر من أصل مغربي شغلت مناصب عليا داخل دواليب السلطة الجزائرية، وهو ما يؤكد وجود روابط إنسانية بين الطرفين.
لم يسجل التاريخ عقوقا من قبل المغاربة المنحدرين من أصول جزائرية ضد بلادهم الأصلية، وحتى من بعض الزعماء الجزائريين الذين آمنوا بالتعايش بين بلدين تفصلهما أسلاك شائكة وتجمعهما العديد من القواسم المشتركة. لكن هذا لا يلغي وجود زعامات جزائرية من أصول مغربية، أبت إلا أن تبادل مسقط الرأس والقلب بالتنكر والعدوان أحيانا. طبعا ليسوا كلهم جاحدين، لكن الاستثناء لا يبرر القاعدة.
في هذا الملف، الذي يتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، نسلط الضوء على الجانب الحميمي من حياة بعض الزعماء الجزائريين، ودور المرأة في معيشهم، من خلال علاقاتهم بأمهاتهم بزوجاتهم وبناتهم، مع ربط التاريخ بالجغرافية حين يتحول المغرب إلى جسر عبور تارة و«باحة» استراحة تارة أخرى.
منصورية غزلاوي.. والدة بوتفليقة عاشت بين وجدة وتلمسان والجزائر
هي والدة الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وتسمى «منصورية المدللين»، ويفضل ابنها تسميتها حين كانت على قيد حياتها بـ«الحاجة». أصلها من مدينة تلمسان لكنها قضت مدة طويلة في مدينة وجدة، ومن غرائب الصدف أن مسكنها في تلمسان يوجد في شارع يحمل الآن اسم «أكادير».
قضت فترة من حياتها في وجدة وسافرت إلى مدن مجاورة في المنطقة الشرقية، وحين تأزمت العلاقات بين الرباط والجزائر، عادت إلى تلمسان ومنها تلقت إشارة من ابنها المدلل عبد العزيز لتقطن في العاصمة الجزائرية، بعد وصوله إلى سدة الحكم حيث حافظت على تقاليد عائلتها.
حسب الدكتور محمد قنطاري كاتب «المسيرة التاريخية لبوتفليقة»، فإن منصورية تنحدر من عائلة عريقة «عاشت مع والد بوتفليقة في منطقة بن سيلسن الفلاحية، قبل الرحيل إلى وجدة المغربية، وهناك كافحت لتربية أبنائها واعتنائها الخاص بابنها عبد العزيز في تكوينه التعليمي بالمدرسة والثانوية، وكانت حريصة على التحضير بنفسها لـ«المجة» التي كان يأخذها معه يوميا، وحرضت على إرسال ابنها إلى حفظ القرآن الكريم وتدريسه في الكتاتيب، كما دعمت توجيهه إلى العمل الجهادي في صفوف جيش التحرير الوطني، ليساهم في تحرير البلاد، خصوصا أن العائلة تعرضت لاضطهاد الاستعمار، بعد سلبه كل ممتلكاتها وأراضيها الفلاحية».
منصورية هي الزوجة الثانية لوالد بوتفليقة، علما أن الزوجة الأولى كانت تلد البنات فقط، لكن الزوجة والضرة تعايشتا تحت سقف واحد بوجدة، رغم تأخر الحاجة منصورية في العودة إلى الجزائر إلى سنة 1963، حيث عادت للاستقرار بضواحي تلمسان، ومن أهم الأعمال التي كانت تقوم بها، هو اهتمامها الشديد بالطلبة حفظة القرآن الكريم. وفي هذه الفترة التي تقلد فيها ابنها منصب وزير، كانت تستلم رسائل بعض المواطنين المظلومين لتوصيلها إلى عبد العزيز.
حين عين ابنها رئيسا للجزائر انتقلت منصورية إلى العاصمة، بطلب منه كون حنينها لا يفارقه، هذا لا يعني أنها كانت تتنقل بين أسر أولادها، وعرف عنها تكفلها بأداء مصاريف الحج والعمرة لبعض الصوفيين.
ويضيف الكاتب قنطاري أن الرئيس استاء كثيرا حين مرضت والدته، ولازمت الفراش وأصبحت أسيرة المصحات، «رئيس الجمهورية كان في الآونة الأخيرة متأثر جدا بمرضها، وهو ما كان ظاهرا للعيان في كثير من خرجاته، وقد لازمها في مرضها كما كان كثير الاتصال لما كان في سيرت الليبية أثناء القمة الإفريقية للاطمئنان عليها»، حيث أعطى تعليماته لنقلها إلى مصحة سويسرية. في نهاية حياتها ظلت تتلقى زيارات أبنائها، عبد العزيز الرئيس وشقيقه سعيد بوتفليقة، الذي أصبح مستشارا لأخيه، علما أنه درس في مجال الإعلام وكان مدرسا في جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين، فضلا عن ابنها الثالث ناصر والمعروف باسم عبد الرحيم، الذي صار أمينا عاما لوزارة التكوين المهني والتمهين، ثم عبد الغني الذي درس الحقوق والقانون وفضل مهنة المحاماة حيث برز اسمه في العديد من القضايا، وأخيرا مصطفى الطبيب الذي تابع وضعها الصحي إلى جانب الهيئة الطبية للقصر الرئاسي.
فارقت منصورية الحياة سنة 2009، عن سن تقارب الـ90 عاما، وكان العاهل المغربي محمد السادس أول المعزين على وفاتها، حيث اتصل هاتفيا بابنها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وقيل إنها كانت تمني النفس بالدفن في وجدة أو تلمسان، لكنها دفنت في بلدية بن عكنون غير بعيد عن العاصمة الجزائرية، إلا أن هذه الرواية لا تجد سندا قويا في آخر تصريحات الراحلة.

راضية بلقايد.. زوجة عبد القادر بوتفليقة أم البنات
مع ولادته في مدينة وجدة في شهر مارس سنة 1937، أصبح عبد العزيز بوتفليقة أول طفل من أمه منصورية غزلاوي. لعبد العزيز ثلاث أخوات غير شقيقات وهن: فاطمة، يامينة، وعائشة، ووالدتهن هي راضية بلقايد. أما الزوجة الثانية فأنجبت لوالد الرئيس الجزائري أربعة الذكور وهم: عبد الغني، مصطفى، عبد الرحيم، وسعيد، وعبد العزيز.
شاءت الأقدار الإلهية أن تتخصص كل زوجة في جنس معين، فمنصورية أنجبت الذكور في ما تكلفت راضية بالجنس اللطيف، لكن هذا لم يمنع الزوجة الأولى راضية وضرتها منصورية من التعايش تحت سقف واحد. حيث كانت الإناث والذكور يدرسون في مؤسسات تعليمية بوجدة، بل إن راضية ومنصورية كانتا تتناوبان على إيصال الأبناء ذكورا وإناثا إلى المدارس.
في طفولة الرئيس، كان يحرص على حضور جميع الأنشطة التي تقام في المدرسة، ويمارس كرة القدم التي برع فيها كظهير أيسر، وحين يعود إلى البيت يحتمي بأمه الثانية راضية من غضب والده عبد القادر وأمه منصورية التي كانت ترفض ممارسته كرة القدم أو المسرح وتوصيه بالانتظام في قراءة القرآن خلال وقته الثالث، ويقال إن راضية كانت تفضل تسميته بلقبه الأصلي بن لزعر عبد العزيز.
في مجتمع محافظ، كانت للزوجة التي أنجبت الذكور مكانة اعتبارية داخل الأسرة، مقارنة مع الزوجة التي أنجبت الإناث، إلا أن الزوجة الأولى غالبا ما تملك تصنيفا أكبر من «ضرتها» أي الزوجة الثانية، لكن راضية كانت مقربة من عبد العزيز، حيث ساندته حين انضم إلى فرقة المسرح بالمدرسة وشارك في قطعة مسرحية «تحرير حر من طرف عبد»، في الوقت الذي كانت أمه منصورية تفضل تلقين ابنها علوم الدين منذ نعومة أظافره، وحفظ المصحف الشريف، الذي رافقه منذ الصغر، كما تعلم ركوب الخيل والرماية والسباحة، وترعرع في الزاوية القادرية بوجدة، أما دراسته الثانوية فتابعها بثانوية عبد المومن دائما بوجدة، حيث كان نابغة زمانه بمعدلات ممتازة في مختلف الأطوار، قبل أن ينضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني.

امرأتان في حياة عبد العزيز بوتفليقة
ظل الغموض سيد الموقف كلما أثير موضوع يتعلق بالحياة الخاصة لعبد العزيز بوتفليقة، حيث تضاربت الأنباء بين من يتحدث عن زواج الرئيس الجزائري من آمال مكي والذي انتهى بالطلاق، وبين أنباء أخرى تقول «إن الرئيس لم يتزوج أبدا». لكن رواية تتحدث عن رغبة الأم منصورية في إنهاء عزوبية ابنها عبد العزيز، حين عين مراقبا عاما للولاية الخامسة في الجيش الجزائري، وخاصة عندما ارتقى من مراقب إلى رتبة ضابط بنفس الولاية الخامسة وبالضبط بالمنطقتين الرابعة والسابعة وبعدها التحق بمركز قيادة الولاية سابقة الذكر، وزادت رغبتها حين عين على رأس قيادة الأركان العامة للجيش.
في الجزء الثاني من مذكراتها «السلطة والحياة» الصادرة سنة 1991، خصصت إيمون فاليري جيسكار ديستان، «بورتريها» لعبد العزيز بوتفليقة، وكشفت فيه أن خرجاته الباريسية كانت تتضمن ألغازا مستعصية حتى على جهاز الاستخبارات الفرنسية، قالت: «إنه نشيط، ومستقيم وجريء، إنه كان يختفي لأسابيع عديدة، دون العثور على أي أثر له. ويحدث أن يأتي إلى باريس متخفيا في زيارات لا يتم إعلام الفرنسيين بها. كان يختبئ في شقة بفندق كبير، حيث يستقبل زيارات جميلة».
لكن المقربين منه يعرفون بأن الرجل كان يفضل العزوبية، إلى درجة أن عشقه لوالدته منصورية جعله يختزل الحب في حب الوالدين فقط، يقول علبة أسراره عبد القادر الذهبي: «امرأتان فقط، كانت لهما أهميتهما في حياة بوتفليقة. الأولى والدته، وهي امرأة قوية الشخصية، ويناديها رئيس الدولة «يايا» أو «الحاجة»، وكان يكن لها مودة غير محدودة، وتأثيرها عليه، كان يشمل حتى قراراته الكبرى، كما حدث في 1994، حين اقترح عليه الجنرالات تولي السلطة فرفض. وبعد الوالدة، تأتي أخته «زهور» من أمه الثانية راضية، وهي مولدة للنساء، لكنه رقاها إلى مستشارة للرئاسة، فصارت تسهر على راحة رئيس الدولة، وتعد له الأطباق التي يشتهيها».

والدة بن بلة تصل إلى الرباط لرؤية ابنها بناء على تعليمات ملكية
رغم أن مقامه بالمغرب كان قصيرا، إلا أن الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة فجر قبل وفاته مفاجأة من العيار الثقيل، حين قال إنه مغربي الانتماء، وهو ما جعل المغاربة يتلقون العزاء في فقدانه على غرار الجزائريين، رغم ما عرفته واقعة دفن جثمانه من توتر سياسي بين الجزائريين والوفد الرسمي.
يقول أهل منطقة زمران بإقليم قلعة السراغنة نواحي مراكش إن أصول الرئيس أحمد بن بلة، من هذه التربة، التي يرقد في أحشائها أجداده، وهو ما جعله من أبناء المغرب الأوفياء، رغم أنه من مواليد مدينة مغنية التي لا تبعد عن وجدة إلا ببضعة كيلومترات، بينما تلقى تعليمه الثانوي في مدينة تلمسان المتاخمة للشريط الحدودي للمغرب مع الجزائر.
لم يخف بن بلة انتماءه للمغرب، حيث أكد لجريدة «الحرية الجزائرية» بكونه مغربي الجذور: «نعم أنا مغربي ولدت حقا في الجزائر، وترعرعت بها، لكن والدي ووالدتي مغربيان»، مؤكدا أن ذلك لم يؤثر على حبه للجزائر وخدمته لشعبها طيلة فترة حكمه.
بعد 132 سنة من الاحتلال الفرنسي للجزائر، وبعد كفاح مرير ضد المستعمر ونضال دام منذ التحاقه بصفوف الحركة الوطنية، جلس بن بلة على كرسي الرئاسة وأمسك بزمام الحكم في الجزائر من سنة 1962 إلى 1965، وظلت والدته تقطن بمدينة وجدة وتتنقل إلى العاصمة الرباط للقاء ابنها كلما حل بالمغرب، بل إن الزعيم الجزائري استقبل من طرف جنود التحرير الوطني الجزائري الذين كانوا يرابطون في مدينة وجدة، كما حظي مرارا باستقبال شعبي في شوارع الرباط.
تناقلت الصحف الصورة المعبرة، التي التقطت في الثاني من شهر مارس من سنة 1962 لمرحلة الدفء في العلاقات المغربية- الجزائرية في بداية الستينات، إذ تؤرخ لليوم الذي حلت فيه والدة بن بلة بالرباط لرؤية ولدها، وتظهر الصورة ضباطا ومسؤولين مغاربة وهم يعمدون إلى إنزال والدة بن بلة من الطائرة التي قدمت من مدينة وجدة، مقر إقامتها، وأوصلتها إلى مدينة الرابط للقاء ابنها عقب إطلاق سراحه من السجون الفرنسية، بعد سجنه رفقة أربعة من معاونيه.
وكان الملك الراحل، الحسن الثاني، قد خص العديد من القياديين الجزائريين باستقبال رسمي بعد توقيع اتفاق استقلال الجزائر بضواحي «إيفيان» في فرنسا، وحضر حفل الاستقبال كل من محمد بوضياف، ومحمد الخيدر، وأحمد بن بلة، وكريم بنقاسم، ويوسف بنخدة، وحسين أيت أحمد. وفي ارتباط بتحرير الجزائر، استُقبل بن بلة من طرف جنود التحرير الوطني الجزائري الذين كانوا يرابطون في مدينة وجدة، كما حظي المسؤولون الجزائريون باستقبال شعبي في شوارع الرباط، بحضور أمهات بعض القياديين.
ورغم أنه تلقى تعليمه في مغنية وتلمسان، إلا أن لبن بلة ذكريات بمدينة وجدة، مهد الثوار الجزائريين، حيث كان بعض أفراد عائلته يقيمون فيها مع والدته من قبيل أختيه وعمه، وهناك بعض الكتابات التي تحدثت عن تنقلات الزعيم الجزائري بدراجة هوائية بين مغنية ووجدة من أجل زيارة العائلة ولعب مباريات في كرة القدم، بعد أن ارتبط بعلاقات صداقة متينة مع لاعبي المولودية الوجدية، من قبيل المدني وبلخير والشلال والداي وكعواشي والعزاوي وغيرهم من لاعبي الجيل الذهبي، ويقول قدماء الفريق الوجدي إن بن بلة بمجرد الإفراج عنه مع بداية عهد الشاذلي بن جديد، بلغ إلى علمه الوضع المادي المتردي لصديقه اللاعب الدولي الوجدي السابق بنبراهيم الشيباني، فأرسل إليه شيكا من فرنسا بقيمة 6000 فرنك فرنسي. لذا كان الرجل محقا حين قال قبل سنة عن وفاته: «أنا ذو أصول مغربية»، مع ما ترتب عن هذا التصريح من «بوليميك» سياسي.

بن بلة يتزوج صحافية كانت تساند الموقف المغربي
على غرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ظلت الحياة الخاصة للزعيم بن أحمد بن بلة في العتمة، قبل أن يكشف حوار أجراه محمد هنين الحارس الشخصي للرئيس الأسبق بن بلة، مع صحيفة «النهار» الجزائرية كشف من خلاله عن المستور في العلاقات الحميمية للرجل الذي حرسه.
في مذكراته تحدث هنين عن ظروف الإقامة الجبرية للراحل بن بلة. وتنقله بين سبع إقامات سواء البليدة، الدويرة، زرالدة، المدية، بوزريعة. وقال: إن «بن بلة كان يتمتع بكامل الامتيازات وكان له ثلاث غرف واحدة مخصصة للأكل والثانية للنوم والثالثة للجلوس والاستراحة مجهزة بتلفاز كما كان له طباخ خاص به يجهز له جميع الأكل الذي يريده وكذا حلاق خاص وخزانة تحمل كل الأدوية التي يحتاجها، وتحضر له يوميا كل الجرائد».
ومن بين الأسرار التي باح بها بن بلة لحارسه ودونها في مذكراته أن بن بلة كان يعيش قصة حب مع فتاة فرنسية الجنسية إلا أن خوفه من أن يتهم بأنه «حركي» دفع به إلى العدول عن قراره، حيث قال: «إنني كنت أريد الزواج من محامية فرنسية الجنسية، وكلتها للدفاع عني حينما كنت في السجن ولكنني عدلت عن قراري، والسبب أنني رئيس حكومة الجزائر فكيف لي الزواج بفرنسية، وقررت الزواج من حفيدة الأمير عبد القادر التي كانت مديرة معهد التعليم في سوريا. وكل هذا لم يتحقق كوني في الإقامة الجبرية».
لكن الرئيس ارتبط وهو يعيش محنة الإقامة الجبرية بالصحافية زهرة سلامي ابنة مدينة المسيلة، وعاشت معه محنة الحجز ومحنة معركة مع شقيقته التي ظلت تصفها بأقبح الصفات، فضلا عن اتهامها بتبديد أموال بن بلة وإرسالها إلى المغرب، وهو ما كذبته زهرة في حينه.
بدأت زهرة حياتها المهنية كصحفية بالمجلة الدورية «الثورة الإفريقية» الصادرة بالجزائر التي كانت تعد آنذاك لسان حال جبهة التحرير الوطني. في هذه الظرفية ظلت أم بن بلة تنتظر لمدة ثمانية أشهر قبل أن يسمح لها برؤية ابنها. وفي ظروف صعبة، تعرض عليه والدته المسنة الزواج في السجن. وطبعا اعتبر بن بلة الأمر مستحيلا فمن تقبل به زوجا في ظروف سجنه. غير أن والدته أقنعته، فالمرشحة هي ناشطة سياسية قبلت بوضعه. وهكذا تم في 25 ماي عام 1971، تم زواج بن بلة بزهرة سلامي، علما أن زهرة كانت معارضة لنظامه، وكانت مؤيدة لخصمه محمد بوضياف، كما أنها كانت ضد حرب الرمال، غير أنها قبلت بالزواج بأحمد بن بلة الرئيس المخلوع والمسجون ورافقته في السجن والإقامة الجبرية. التحقت زهرة بزوجها في السجن، وظلت معه لفترة سبع سنوات ونصف، في البداية ترك الزوجان لحالهما، ولكن الهدوء لم يدم طويلا ووقعت مشاكل. كانت زهرة تخرج من حين لآخر لزيارة عائلتها. وكانت كلما خرجت أو دخلت تتعرض لتفتيش. ومن جهة أخرى، كان السجن مزروعا بأجهزة تنصت وكاميرات. توفيت في 23 مارس 2010 بباريس ونقلت إلى الجزائر في نفس اليوم. حيث أقيمت لها جنازة حظيت بحضور رسمي لافت على رأسه الرئيس بوتفليقة تكريما وتنويها بمسارها الثوري والعائلي. ودفنت في مقبرة العالية بالجزائر العاصمة.

فتيحة بوضياف تلتمس من الحسن الثاني منع زوجها قبول عرض الرئاسة
هي أرملة الرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف الذي اغتيل في العام 1992 في ظروف غامضة، من مواليد 1944 بوهران، عاشت رعبا حقيقيا بعد تصفية زوجها، وظلت تتهم المؤسسة العسكرية الجزائرية باقتراف هذا العمل الشنيع. بعد اغتيال بوضياف قامت الأرملة بتأسيس مؤسسة بوضياف لإرسال رسالة زوجها بشأن السلام ومساعدة الأرامل في الجزائر. وهي أم لولدين. ظلت فتيحة ترفض نتائج التحقيق الرسمي في اغتيال زوجها قائلة بأنه لم يكن عملا فرديا لمتطرف بل كان ضمن مؤامرة أكبر.
حصلت على جائزة أمير «أستورياس» في مجال التعاون الدولي العام 1988. وكانت فتيحة بوضياف أصيبت بجلطة دماغية في 2012، وتعافت منها بصعوبة، لكن مخلفات الجلطة أثرت عليها، مع تقدمها في السن، كما أجرت عملية جراحية في القلب في العاصمة الفرنسية باريس. وتقيم فتيحة بوضياف حاليا بين القنيطرة والرباط وجنيف، حيث يقيم أبناؤها، ولا تذهب إلى الجزائر إلا لما تكون حالتها الصحية جيدة، علما أن أبناء بوضياف من زوجته فتيحة يقيمون في المغرب وسويسرا.
تسببت عودة محمد بوضياف إلى الجزائر من المغرب وبعد استشارة مع القصر في احتقان داخلي لمعارضي عودته، واعتبروا الأمر رسالة مشفرة للجزائريين، تقول إن الجزائر ستصبح ملحقة شرقية للمغرب.
بعد اعتقاله في الجنوب الجزائري لمدة ثلاثة أشهر، اختار محمد بوضياف المنفى في المغرب، حيث واصل نشاطا معارضا ضد نظامي الرئيسين بن بلة وبومدين. وبعد أن استحوذ الإسلاميون على الحكم قررت القيادات السياسية في الجزائر اللجوء إلى بوضياف ودعوته للمساهمة في إنقاذ البلاد من الفراغ السياسي. إثر إيقاف المسار الانتخابي تقرر استدعاؤه ومنحه شرف رئاسة البلاد. كان الرجل يقيم في مدينة القنيطرة شمال العاصمة الرباط، حيث يشرف على إدارة مصنعه المختص في إنتاج الآجور، وكان مترددا في تلبية مقترح رفاق دربه، ولكن ضغوطات عائلية شجعته على قبول ما كان قد رفضه في 1962. توجه إلى المغرب قائدان جزائريان لإقناعه بجدوى العودة ومسك خيوط الحكم، وهما علي هارون وأبو بكر بلقايد وكانا من أعز أصدقائه، قالوا له أنت «الرجل الذي تحتاجه وتنتظره الجزائر، كل الجزائر». كان من الصعب إقناع بوضياف الذي قضى 28 سنة، معارضا لحكم بن بلة ثم بومدين، وبعد وفاة هذا الأخير خفت صوته تماما، وحل حزب الشعب الذي كان يرأسه، وقرر التفرغ والاعتناء بأسرته وإدارة مصنعه.
استشار بوضياف الحسن الثاني في الأمر، وقال له إنه ذاهب سرا للجزائر لمعرفة تفاصيل أكثر، طلب منه الملك التريث قليلا، ونصحه بتكثيف الاجتماعات مع كبار الجنرالات، «هذه نصيحة من أخ، اعلم أنهم استنجدوا بك لكسر شوكة الإسلاميين»، قال الحسن الثاني.
استقدم بوضياف إلى الجزائر العاصمة، سرا وعلى عجل، للقاء كبار الجنرالات. قبل أن يستقبل رسميا في 16 يناير، استقبال الرؤساء، لكنه فاجأ الجميع في أول تصريح له بالمطار، حين قال إنه جاء لمحاربة المفسدين كيفما كانت انتماءاتهم.
اغتيل بوضياف في 29 يونيو 1992، بقصر الثقافة وهو في تجمع خطابي، صنفت القضية في خانة جرائم التصفية السياسية، وسجلت ضد ملازم عسكري، لكن النخب الجزائرية أجمعت أن القتل كان مدبرا، وأن القياديين الذين جاؤوا ببوضياف هم الذين قتلوه.
حسب تصريحات أحمد عصمان فإن زوجة الرئيس الراحل محمد بوضياف، كانت تتصل به بشكل مستمر قبل عودة زوجها إلى الجزائر، وكانت تترجاه أن يطلب من الملك الحسن الثاني ثنيه عن العودة إلى بلاده، لأنها كانت متأكدة أنهم سيقتلونه بمجرد عودته، وذلك ما حدث بالفعل. لكن كثيرا من القيادات الجزائرية عبأت مناوئيه حين اعتبرت وصوله إلى الجزائر على متن طائرة تابعة للخطوط الملكية الجوية المغربية رسالة تؤكد أن الحسن الثاني هو المحتضن الرسمي للرئيس الجديد، وأن الرباط عثرت على الرئيس المناسب للمنصب المناسب للظرف السياسي المناسب..

حليمة بوركبة.. أرملة الرئيس بن جديد وعاشقة القفطان المغربي
كانت حليمة بوركبة بن جديد زوجة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد كانت في منتهى الأناقة لما كانت السيدة الأولى، وكانت عاشقة للقفطان المغربي، لذا كانت تجد متعة في مرافقته إلى زياراته القليلة إلى المغرب، حيث تتكلف السفارة الجزائرية بالغرض.
يقول الوزير الأول المغربي السابق، أحمد عصمان، «لقد عرفت الشاذلي بن جديد عن قرب، وحتى خلال أيامه الأخيرة حين كان مريضا التقيت به في فرنسا، أما حين كان لا يزال رئيسا للجزائر فقد جمعتني به عدة لقاءات، كنا نجد فيها أنفسنا متفقين مع بعضنا البعض في العديد من الأمور المهمة، ولن أنسى أبدا يوم قام الشاذلي بإلغاء جواز السفر والتأشيرة بين الجزائر والمغرب، وعقب هذا القرار كان أزيد من 10 آلاف جزائري يتوافدون على وجدة كل يوم في زيارة حبية، وقد حدث مرة أنه لم يتذكرني إلا حينما قام أحد مرافقيه بتذكيره بي، ثم بعد ذلك جلسنا نتناقش في العديد من الأمور. وللأمانة، فالرجل أحب المغرب، وكان يرغب في أن تكون هناك هدنة واتفاق بين الجزائر والمغرب، حتى إنه أعرب لي عن رغبته في الاستقرار نهائيا بطنجة، لكن الجزائريين ضغطوا عليه فاستقر في وهران».
كانت حليمة وراء طرح إقامته في طنجة خاصة حين طوقتها الإشاعات، حيث زعم البعض بأن حليمة بوركبة، حرم الرئيس الشاذلي بن جديد، كانت من الأسماء الموقعة على لائحة تقترح تقديم العقيد صالح بوبنيدر، مرشحا لرئاسة الجمهورية بدلا من زوجها. بل إن اسمها تردد سنة 2014 في الصحف مقترنا بتوقيف في مطار هواري بومدين، من طرف الجمارك وقيل إنها كانت بصدد تهريب سجائر إلكترونية كانت موزعة على أربع علب كارتونية من الحجم الكبير، وذلك خلال عودتها على متن رحلة جوية قادمة من فرنسا، وهو الخبر الذي نقلته صحيفة النهار الجزائرية. والغريب في القضية التي التزم بشأنها أعوان الأمن والجمارك الصمت، فإنه لم يتم تحرير أي محضر مخالفة ضد حليمة على مستوى المطار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى