شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

البلاد تحولت إلى حمام دم صُنع في بن أكنون

يونس جنوحي

تذكرون، بدون شك، الحاج بطو، الرجل النافذ الذي افتضح أمره في ملف تجارة وتهريب السلاح على عهد الرئيس بوضياف؟

هناك عسكري برتبة «كوماندان» هو الذي ترأس عملية إلقاء القبض على «الحاج»، وشارك في العملية ضابطان آخران كانا يعملان مساعدين له.

هل كان إلقاء القبض على شخص تابع للجنرال نزار أمرا سهلا؟ بطبيعة الحال لم يكن كذلك، بل إن العسكريين الثلاثة، «الكوماندان» ومساعداه، كانوا جميعا ضحايا محاولة تصفية للتخلص منهم. وهذا الأمر تطرق إليه المحامي الجزائري يوسف فتح الله، الذي كان ينشط في مجال حقوق الإنسان وبرز اسمه أكثر من خلال مواكبته لملف التحقيق في ملابسات اغتيال الرئيس بوضياف.

الأمر لا يحتاج إلى كثير تفكير. كان هناك إجماع على أن الجزائر دخلت مرحلة حرب العصابات.

الرئيس اليمين زروال أو «اليامين» كما يتداولها الجزائريون، نائم حرفيا في القصر الرئاسي. بينما كانت صدور الضحايا المستقبليين تعلو وتهبط في انتظار أن يأتي دورهم في لائحة الأشخاص «المرغوب في اغتيالهم».

 

اللائحة

كان مشكل لائحة الضحايا أنها تزداد اتساعا بشكل غير مدروس. نجا البعض من محاولات اغتيالهم، ولم يكن هذا الأمر بالذات في صالح الجنرال نزار ومن معه، إذ كان هؤلاء الجنرالات المستفيد الوحيد من إزاحة الأسماء المُستهدفة. لهذا السبب، تحديدا، تم إطلاق عمليات واسعة لتصفية المدنيين الأبرياء في مناطق متفرقة، ليبدو الأمر كما لو أنه حرب كبيرة ضد الإرهاب، وأن المسؤولين الذين تم التخلص منهم أو أطلقت محاولات اغتيالهم، كانوا ضحايا عمليات إرهابية قادها متطرفون.

تزايد حقد الرأي العام الجزائري على الإسلاميين والجماعات المتطرفة وصدق الرواية الرسمية التي تتهمهم بالوقوف وراء كل الاغتيالات لأن الجنرالات أذكوا هذا الإحساس لدى الناس.

سوف نحاول تلخيص ما حكاه هشام عبود بالتفصيل في هذه النقطة بالذات، بحكم أن المجال لا يتسع لسردها جميعا.

 

صُنع في «بن أكنون»

يقول هشام عبود إن عناصر GIA  الذين كانوا وراء عمليات اغتيال، أصبحوا أيضا أهدافا لعمليات اغتيال أخرى، بشكل فضح «بربرية» مافيا الجنرالات.

كما أن الخطورة التي صنعت في منطقة «بن أكنون» كانت تتمثل في خلق مافيا الجنرالات لحرب بين المدنيين. كانت عملية إذكاء الفتنة في المجتمع الجزائري أساسية بالنسبة لمافيا الجنرالات حتى تصرف عنها الانتباه، بحكم أن العمليات أصبحت مفضوحة جدا.

وهذا الأمر أدخل البلاد في دوامة من حملات الكراهية ضد الإسلاميين. خصوصا في أوساط العائلات الجزائرية البسيطة التي فقدت أحباءها. ففي الوقت الذي فتحت فيه أبواب مستودعات الأموات على مصراعيها أمام المواطنين الجزائريين المكلومين لكي يلقوا النظرة الأخيرة على أحبائهم، كانت الكراهية في صدورهم ضد الإسلاميين تزداد، لأن الرواية الرسمية كانت توجه الاتهام مباشرة وبشكل صريح إلى الجماعات المتطرفة.

كما أن عائلات الضحايا من السياسيين، خصوصا المعارضين، والمسؤولين الأمنيين الذين تم اغتيالهم بطرق بشعة، كانت هي الأخرى تحمل ضغائن ضد الإسلاميين، وباتوا جميعا يصدقون أن الحرب التي يقودها الجنرالات ضد الإرهاب، بمثابة حرب مقدسة يجب أن تحظى بالدعم الشعبي. بينما في الحقيقة كانت جل عمليات الاغتيال التي بوشرت، وأعنفها على الإطلاق، من صنيعة مافيا الجنرالات. وهكذا استحقت هذه «الوحشية» فعلا أن تلقب بأنها «صُنع» محلي في بن أكنون.

يقول هشام عبود إنه لا أحد كان يعرف «من قتل من»، بحكم أن الأوراق اختلطت أمام الرأي العام، وكان سقوط مزيد من الضحايا لا يزيد الأمور إلا تعقيدا وضبابية.

كانت «المعلومة» هي العنصر المفقود في المشهد، وبالتالي فإن الضبابية والظلام كانا سيدي الموقف.

جاء الدور على أحد أهم العناصر الأمنية التي استعان بها الجنرالات لتنظيف الساحة. يتعلق الأمر، كما يحكي هشام عبود، بالكوماندان عمار الكطوشي. هذا العسكري الذي كان يفيض حيوية، جاء به الجنرالات لكي ينظف الفوضى التي أحدثت وراءهم. ونسي هذا الرجل أو غاب عنه، كما يقول هشام عبود: «أن الجنرالات لا يتركون أبدا شهودا خلفهم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى