شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

الدماغ ما فوق الجوجول 

بقلم: خالص جلبي

 

مقالات ذات صلة

 

 

جاء في كتاب «الدماغ والفكر»: «تقول الرياضيات بأن بين عِداد البليونات والتريليونات وغيرهما من عمالقة أرقام الحساب، لا تشكل المليارات فيها إلا قزما، وعلى العكس فإن الجوجول عدد عظيم الكبر، إنه عشرة مرفوعة إلى الأس مائة؛ فحسب تقديرات الفيزيائيين لا يتعدى عدد الجزيئات الأولية في الكون أكثر من عشرة مرفوعة إلى قوة (أس 88)، أي أنها كمية أقل من الجوجول. ومع ذلك فإن هنالك حوادث يمكن أن تتحدى الجوجول، ومن بينها شبكة العصبونات في الدماغ، فعلى مقربة من العصبون يوجد جيران من عدة عشرات من العصبونات، تتصل بها بواسطة محاور وتشعبات، مما يؤدي إلى نسيج عنكبوتي لا يمكن فصله، وتتبع قدراتنا الذهنية عدد الاتصالات المتبادلة التي يستطيع الدماغ القيام بها، وبالتالي فإن المرء يتصور بصعوبة بالغة كمية الاتصالات الناشئة عن هذه الشبكة المؤلفة من مليارات العصبونات، لتصبح أعظم بكثير من الجوجول، فتقدم لنا فرصة عظمى لنكون عباقرة»، («الدماغ والفكرBRAIN  AND  THINKING ORIGINS  OF  THE  MIND» – تأليف: تشارلز فيرست- ترجمة: الدكتور محمود سيد رصاص – مطبعة الصباح – ص: 6). لذا وقف العالم الإنجليزي «فرانسيس كريك»، الذي اكتشف مع واطسون تركيب الحامض الأميني في نواة الخلية، ليقول بخشوع: «بعد أن توضع كل هذه الأعداد الهائلة من المجرات على خريطة الكون من قبل علماء الفلك بالدقة التي ينشدونها، فإن علينا استكشاف الدماغ الذي اكتشفها وهو الأشد تعقيدا».

إن العلم حتى فترة قريبة اشتغل في ما حول الإنسان أكثر من فهم الإنسان بالذات، ولعل مفتاح الخزانة الحقيقية لفهم الإنسان هو فهم كيف يفهم، وإدراك كيف يدرك، لأن وضع اليد على هذه الحقيقة سيمكننا من تطوير الوضع الإنساني، فالتحدي الأكبر هو في فهم السلوك الإنساني، وهكذا فكل شيء يمضي وكأننا أضعنا مفتاح الخزانة الحقيقية التي فيها أهم كنوزنا. 

فراق العلوم الإنسانية والميكانيكية:

يقر عالم النفس السلوكي «ب. ف. سكينر B.F SKINNER» حقيقةً هامةً في تطور علوم المادة بشكل نوعي، لا يقارنه تطور العلوم الإنسانية وفهم الإنسان لنفسه، وإننا نجد حقيقة لافتة للنظر في القرآن، حينما يؤكد مفهوم السننية، (فهل ينظرون إلا سنة الأولين، فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا). والقرآن حينما أصر على هذه الفكرة الجوهرية، عنى بالدرجة الأولى بالسنة الاجتماعية النفسية، أكثر منها القانون الفيزيائي أو البيولوجي، ومن الغريب أن العالم الإسلامي اعتمد فكرة الخوارقية وترك فكرة السنن، وكأنه لم يقرأ القرآن، فصرعته عجلة التاريخ، فهو اليوم يغوص في مشاكل لا يستطيع الفكاك منها، ومرضه ثقافي قبل أن يكون سياسيا. فالسياسي هو حفيد المثقف، وكما أن الجرثوم أو البكتيريا تمثل الوحدة الإمراضية العضوية، فإن الفكرة تمثل الوحدة الإمراضية الاجتماعية النفسية، والانهيار القائم في العالم الإسلامي هو مشكلة داخلية، قبل أن يكون هجوما خارجيا، ولذا فإن مشكلة العالم العربي هي تفككه وتفتته الداخلي، قبل أن يكون وجود إسرائيل، فإسرائيل مشعر ارتفاع حرارة الجسد العربي المريض، وعندما نرى تبادل السلطة السلمي بين القيادات الإسرائيلية، فيجب أن نفهم أن تفوق إسرائيل لم يأت من فراغ. كما أن مرض الانقلاب الأموي القديم وروح الغدر والتآمر الذي تأصل بين ظهرانينا ما زال يفعل فعله عبر ألف سنة من الزمن، ولم نتعاف من هذه الظاهرة حتى الآن، فهي ظاهرة مرض حضارة. وفي الوقت الذي يتعافى الجسم العربي بصنع سلامه الداخلي قبل سلامه الخارجي؛ فإن قيادات العالم سوف تهتز وسوف تسعى إسرائيل صاغرة إلى خطب ود العرب، ولن يكون أمام إسرائيل إلا مصير تحولها إلى فورموزا الشرق الأوسط، على الرغم من كل الترسانة النووية. ومن هنا كانت أهمية تطوير العلوم الإنسانية في العالم العربي أكثر من العلوم التطبيقية، التي يشتكي منها عالم النفس سكينر.

يقول سكينر: «كان من الممكن أن يقال، قبل ألفين وخمسمائة عام، إن الإنسان كان يفهم نفسه كما كان يفهم كل جزء آخر من عالمه، لكن فهمه لنفسه اليوم هو أقل من فهمه لأي شيء آخر. لقد تقدمت الفيزياء والبيولوجيا تقدما كبيرا، إلا أنه لم يحدث أي تطور مشابه في علم السلوك البشري، فليس للفيزياء والبيولوجيا اليونانية الآن سوى قيمة تاريخية، ولكن محاورات أفلاطون ما زالت مقررة على الطلاب ويستشهد بها كما لو أنها تلقي ضوءا على السلوك البشري، وما نحسب أن بمقدور أرسطو أن يفهم صفحة واحدة من الفيزياء والبيولوجيا الحديثة، ولكن سقراط وأصدقاءه لن يجدوا صعوبة في متابعة أحدث المناقشات الجارية في مجال الشؤون الإنسانية. وفي ما يتعلق بالتكنولوجيا، فقد قطعنا خطوات هائلة في السيطرة على عالمي الفيزياء والبيولوجيا، ولكن ممارساتنا في الحكم والتربية لم تتحسن تحسنا ملحوظا».   

 

نافذة:

مفتاح الخزانة الحقيقية لفهم الإنسان هو فهم كيف يفهم وإدراك كيف يدرك لأن وضع اليد على هذه الحقيقة سيمكننا من تطوير الوضع الإنساني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى