الافتتاحية

لن نسلمكم قضاءنا

عرت قضية فتح ملف قتل الطالب اليساري بنعيسى أيت الجيد، بعد ظهور معطيات جديدة من شأنها أن تحقق العدالة، الوجه الحقيقي لرموز حزب العدالة والتنمية وحجم مناصبتهم العداء للقضاء عداوة راسخة لا تتزحزح. وأظهرت تدوينة وزير الدولة في حقوق الإنسان وخرجات رئيسي فريقي البرلمان ورؤساء جماعات وبرلمانيين والأمانة العامة، رغبة جامحة للحزب الحاكم في بسط سيطرته على القضاء وجعله خادما لا سلطة، عبدا مأمورا لا سيدا، مفعولا به لا فاعلا.

وشن قادة “المصباح” هجوما لاذعا ومنظما على الجسم القضائي، ولما لم تفلح ضغوطاتهم السياسية التي أطلقوها من داخل البرلمان في ثني القاضي عن السير في القضية وتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، التجؤوا إلى الحيلة التي يتقنونها ودأبوا على ممارستها في كل الدول العربية، وهي إشهار قاموس المؤامرة واتهام جهات وهمية بتحريك القضاء لطردهم من الحكومة والتضييق على شرعيتهم، والادعاء بأن متابعة عبد العالي حامي الدين ما هي إلا عقاب على مواقفه السياسية الجريئة، رغم أنهم مقتنعون بأن الملف مرتبط بماض جنائي محض تنتظر الضحية إنصافها لكي ترقد روحها بسلام.

والواقع أن المعضلة الرئيسية لحزب العدالة والتنمية هي أنهم لم يستوعبوا طبيعة النظام السياسي ومؤسساته التي انتقلوا للعمل داخلها، بعدما مارسوا المعارضة الانقلابية لعقود خلت، دون أن يتمكنوا من نيل مرادهم في إسقاط النظام وبناء الدولة الدينية كما يتصورونها، وظلّوا، حتى بعد قيادتهم للحكومة وهيمنتهم على البرلمان والجماعات وادعائهم قيادة إصلاح العدالة واستقلال القضاء، ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ضحية مؤامرات تحيكها ما يسمونها مرة «الدولة العميقة» ومرة أخرى «التحكم» بإعلامه وقضائه ومؤسساته الأمنية.

والحقيقة المسكوت عنها في هاته النازلة، أن رموز الحزب الحاكم يشعرون بأن القضاء، بعد خروجه من يد السلطة التنفيذية، يشكل أهم تحد كبير يقف في وجه محاولتهم الهيمنة على مفاصل الدولة، بعد تغلغلهم داخل دواليب الإدارة والحكومة والبرلمان والجماعات، بينما بقيت السلطة القضائية خارج سطوتهم بل ومسلطة على رقابهم.

لقد أظهرت متابعة حامي الدين أننا أمام نزعة سياسية خطيرة، عنوانها العريض القضاء ينبغي أن يكون عادلا ومستقلا تجاه الآخرين، لكنه لا يحق له متابعة قادتنا ورموزنا ولو ارتكبوا جرائم، وإن فعل فسنشهر سلاح المؤامرة ونطلق «هاشتاغ» «لن نسلمكم أخانا» كما قال ذات يوم رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى