شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

قول حول الفجوة الرقمية ورهانات النموذج التنموي الجديد

نبيل محمد بوحميدي : دكتور في الحقوق مؤسس أول موقع قانوني متخصص «Maroc Droit»

بعد اطلاعنا على تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الخدمات على الإنترنيت الموجهة إلى المتعاملين مع الإدارة، والذي تضمن موقفا واضحا حول حكامة الخدمات عبر الأنترنيت والتواصل بشأنها، وكذا تتبع الإدارة لتطورها.
وكتفاعل مع مضامين التقرير، نود استحضار مدى انطباق الملاحظات المذكورة به على منصة «أطروحتي» التي أنجزتها وزارة التعليم العالي، والتي مر على العمل بها ما يتجاوز 3 سنوات. فخلال إطلاق هذه المنصة، تم التأكيد على أنه تم العمل على إخراجها بمجهودات ذاتية لأطر الوزارة، والمعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، وبتعاون مع الجامعات والمؤسسات التابعة لها؛
الأمر يتعلق بتجربة مفيدة وتشكل قيمة مضافة، وكان بالإمكان أن يكون لها أثر واضح على مجالات البحث العلمي لو احترمت ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات من معايير، إلا أنه وبعد مرور مدة زمنية غير يسيرة سيبقى التساؤل مطروحا: ما هي حدود هذا الأثر؟ أليست لنا كفاءات وإمكانيات لتكون لنا منصة أقوى من التي تم إنجازها؟ هل الأمر يتعلق بمحدودية المجالات التي تمنحها الشبكة العنكبوتية، أم يتعلق بمحدودية استراتيجية الوزارة المعنية بخصوص المنصة؟
إن ما يمكن إنتاجه في زمن الثورة التقنية يمكن أن يكون أجدى وأقوى، إذا كان بالفعل هدف القائمين عليه منح الباحثين فرص أكبر لتجويد أبحاثهم، لا مجرد خلق فرص للإشهار والدعاية للقائمين على بلورة المنصة.
بمجرد الولوج والبحث في محاور المنصة، تُسَجَّل ملاحظات تجعل التجربة تحمل في طياتها بذور الفشل في تحقيق أثر إيجابي بشكل قوي على مسار البحث العلمي للدكتورانيين (les Doctorants)؛
هناك ملاحظات من حيث الموضوع توحي بأن المنصة لا ترقى إلى مستوى الهدف المعلن عنه من ناحية المجال العلمي؛ وملاحظات من حيث الشكل أوردتها فقط للاستدلال على عدم الاهتمام الجدي بالمنصة.
من ناحية الموضوع:
جاء في أسباب النزول أن المنصة أتت في إطار تثمين البحث العلمي بمختلف جامعات المملكة، والرفع من مردوديته ودعم الحكامة بهذا المجال من خلال توجيهه نحو الأولويات الوطنية.. لكن الرفع من مردودية البحث العلمي يكون بنشر الأطروحات التي تمت مناقشاتها، قصد تمكين الباحثين من جميع الإشكالات التي تم تحليلها ومقاربتها وتقديم التوصيات والنظريات الخاصة بتجاوز هذه الإشكالات، وأن الاكتفاء بإيراد العناوين فقط هو أمر غير مجد، مادام أنه يمكن البحث في ذات المجال العلمي بتطوير ومناقشة الطرح الذي تم تقديمه من خلال الأطروحات السابقة.
إن إعادة البحث في الموضوع ذاته لا تعتبر علميا من باب الاستهلاك المجاني، بل هي من باب تطوير النظريات وتنويع وجهات النظر في تحليل الإشكالات المطروحة وإيجاد حلول لها.
ورد أثناء حفل الإطلاق أن المنصة ستمكن من توفير قاعدة بيانات يلزمها التحيين والمراجعة من طرف الجامعات المغربية، إذ سيكون على المسؤولين بالمؤسسات الجامعية تصحيح المواد وتعديلها كل حين، حفاظا على صحة المعلومات الواردة. وإذ الأمر كذلك؛ ألم يكن من الأجدر تكليف كل جامعة على حدة بوضع محور في مواقعها خاص بنشر عناوين الأطروحات؟ فعندما تتكلف كل جامعة بما لديها؛ ستتمكن من نشر عناوين الأطروحات التي ما زالت في طور الإنجاز، وعناوين الأطروحات التي تمت مناقشتها على عكس المنصة التي تتضمن فقط عناوين الأطروحات التي لم تتم بعد مناقشتها؛ بل كان من الأجدر تكليفها بنشر الأطروحات التي تمت مناقشتها، وفي الحد الأدنى تلك الأطروحات التي تمت التوصية بنشرها من طرف لجان المناقشة لتتحقق بالفعل فائدة الباحثين، من خلال منحهم مراجع إضافية تغنيهم عن مصاريف التنقل والحصول على الأطروحات من الجامعات.
إن مجرد نشر عناوين الأطروحات كي يتم البحث في مواضيع جديدة غير مستهلكة من باب تطوير البحث العلمي وحكامته، هو فهم مغلوط لأنه يلغي مفهوم التراكمية العلمية التي تأتي بالبديل فتلغي القـديم؛ البحث العلمي بحث حركي وتجديدي لأنه ينطوي دائما على تجديد وإضافات في المعرفـة، عـن طريـق استبدال متواصل ومستمر للمعارف القديمة بمعارف أحدث وأجدد.
لقد ثبت أن البحث العلمي الأكاديمي هو الاسـتخدام المـنظم لعـدد مـن الأسـاليب والإجراءات للحصول على حل أكثر كفاية لمشكلة ما، عمـا يمكننـا الحصول عليه بطرق أخرى.
إن الكثير من النظريات والمعارف العلمية فـي مجـالات مختلفـة استغنى عنها الإنسان واستبدلها بنظريات ومفاهيم ومعارف أخرى ولم تُسْتَثْنَ من ذلك مجالات العلوم الاجتماعية والقانونية والاقتصادية التي تتسم بالتغير والنسبية.
من حيث الشكل:
على عكس ما جاء في بلاغ الإطلاق، بأنه تم التعاون مع المعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني؛ فإن القالب العام للمنصة يتسم بتوزيع محاورها بشكل يوحي بأنه لا وجود في فريق الإنجاز لمختص في تنسيق الصفحة الرئيسية للموقع بشكل يسهل على المتعامل استيعاب ما يحتويه الموقع، وأكثر من ذلك تغيب عن الموقع خريطة محتوياته (le plan du site).
ومن ناحية المبدأ فإن المواقع الإلكترونية والمنصات العلمية تهدف إلى تنسيق صفحاتها الرئيسية، بشكل يتم إدراج معه ما يسمى قائمة المحتويات (La Barre d’outils)، وذلك ما تتميز به الصفحة الرئيسية لموقع الوزارة، إلا أنه لم يتم تمييز بها منصة أطروحتي، والأمر لا يمكن تَفَهُّمُهُ وَلاَ فَهْمُهُ لا من الزاوية التقنية ولا من الزاوية العلمية…
أهمس في آذان التقنيين الذين أشرفوا على هذا العمل وأقول إن الموقع يبدو على صفحات الهواتف الذكية وكأنه مجرد (blogspot)؛ وأزيد على هذا بالقول إن بعض الصفحات؛ سنة حفظ حقوقها (copyright) هي 2015، في حين أن الصفحة الرسمية سنتها هي 2016، ولي اليقين أنكم تعلمون أن سنة (copyright) تنطلق من سنة إطلاق العمل بالموقع للعموم، لا من سنة الانطلاق في تأسيسه.
السادة المكلفون، ألم يكن من الأجدر وضع نسخة باللغة العربية، أم أنكم غير معنيين بقول الدستور إن اللغة الرسمية للمملكة المغربية هي اللغة العربية وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها؛ لكن يبدو أن العمل قد سوي على عجل، وذلك ما جعلكم لم تنتبهوا إلى أن يافطة المنصة (Bannière)، التي كتبت باللغة العربية واللغة الفرنسية، ولا أثر للغة الأمازيغية التي يلزمكم بها الفصل 5 من الدستور كلغة رسمية، يجب أن تعلو جميع المنشورات الرسمية الورقية والإلكترونية.
كل هذا؛ إضافة إلى تفاصيل المجلس الأعلى للحسابات، يجعلني غير واثق من أن هناك فعلا اقتناع بأن تطوير التعليم العالي رهين أساسا باعتماد الرقمنة وإنشاء جامعة افتراضية على الصعيد الوطني بكل مقوماتها، سواء على المستوى القانوني أو اللوجيستيكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى