شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الحمير عند الله «زينة» وعند بنكيران «سبة»

محمد بلمو

ليس غريبا عن السياسيين الذين يختارون الشعبوية طريقا والتهريج أسلوبا في صراعهم مع خصومهم السياسيين، أن يختاروا دائما الحائط القصير، جاعلين من أنبل المخلوقات وأذكاها وأشدها صبرا ووفاء في خدمة الإنسان، مجرد سبة يرمونها كل مرة في وجه منافسيهم، لاستمالة ناخبين، هم أيضا لا يتورعون في قذف نفس السبة من أفواههم كلما أغاظهم أحد في مجلس أو على طريق.

فكلنا يتذكر مشاهد مقززة من حملات انتخابية سابقة يُجَرُ فيها حمارٌ مسكين إلى المقدمة جرَّا، وتلصق على رأسه لافتة تحمل اسم المنافس، كما فعل أنصار شباط في انتخابات سابقة، حتى أصبح السب والشتم والحركات البهلوانية في الانتخابات بديلا للبرامج الدقيقة والملزمة.

هذا هو أسلوب المهرجين الميكيافليين الذين تعميهم المقاعد والمناصب، عن اتقاء الله في مخلوقاته، وهم يزجون بها في صراعات فولكلورية لا ناقة لها بها ولا جمل.

لذلك لن ننتظر من السي عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق وزعيم حزب سياسي كبير، أن يتفقه بما قاله كبار الفلاسفة والمفكرين والمبدعين في مدح الحمار وإبراز خصاله الحميدة، إذا كان لا يلتزم بكلام الله الذي يعتبره أساس مرجعية حزبه المؤسسة. فلا يمكن لهذا السياسي المحترم أن يدعي بأنه لم يسبق له أن قرأ في كتاب الله عز وجل الآية الثامنة من سورة النحل، التي يقول فيها: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً».

فإن كان قد قرأها – وهذا هو المرجح- فسيكون قد ناقض قول الله، وقلب ما جعله الرحمان «زينة» إلى «سبة»، رغم أن مدلول اللفظين على طرفي نقيض تماما. فما جعله الله في كتابه الحكيم «زينة»، لا ينبغي لمن يجعل من الإسلام مرجعية لممارسته السياسية أن يقلبه «سبة»، يضرب بها خصومه السياسيين، حتى لا نغرق في الخيال ونتوهم أن بنكيران، عملا بقوله تعالى في الآية الكريمة، سيكون من أول المدافعين عن هذا الكائن المسكين، وفي مقدمة المنددين بكل ممارسات التعذيب والقتل التي يتعرض لها ببلادنا كل يوم. فلعل احترافه للسياسة مع مرور الوقت جعل سلوكه الميكيافيلي يتغول على مرجعيته الإسلامية، وإلا فما علاقة الحمير بالمطبعين مع الاحتلال الصهيوني، هل لأنها تركت يوما برادعها الخشنة وعملها المضني في الجبال والحقول وأحياء الصفيح وخرجت في مظاهرة تساند دولة الاحتلال وترفع راياتها؟ أم لأن الحمير هي من كانت في الحكومة ووقعت على اتفاقيات؟

من الواضح أن الحمير التي جعلها الله زينة وقلبها بنكيران سبة لا علاقة لها إطلاقا لا بالتطبيع ولا بالمطبعين، فكيف سمح للسيد بنكيران ضميرُه أن يقلب ما لا يقلب ويخلط ما لا يخلط، دون التزام بما ورد في الآية الكريمة من كتاب الله؟ أم أن سُعار الانتخابات (وليس القضية الفلسطينية) هو الذي أفقد زعيم العدالة والتنمية القديم/الجديد، توازنه ونباهته، وجعله يقول ما قاله في حملة انتخابية استعجل فيها الركوب على عيد الطبقة العاملة ومطالبها، تماما مثلما فعل زعماء أحزاب أخرى، للرفع من أسهم حزبه، حتى ولو كان ذلك بقول يناقض مرجعيته الدينية.

الأَولى بالأستاذ عبد الإله بنكيران أن يلتزم بكلام الله كله وليس بعضه، إذا كان فعلا وفيا لمرجعيته الإسلامية، ولذلك عليه أن يقطع مع هذه الانتقائية التي تجعله – تحت تأثير الغاية تبرر الوسيلة- ينتقي من الإسلام ما يلائم أهدافه وغاياته السياسية، ويتغاضى عما يتنافى معها، أما إن لم يستطع الالتزام الكلي بالمرجعية الدينية في تعاطيه السياسي، وهو أمر صعب بالتأكيد، فما عليه إلا أن يبحث عن مرجعية أخرى، حتى لا يزج بالإسلام الحنيف في المهاترات و«المعيار» السياسي الوضيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى