شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

«لا أحد يُنسى ولا شيء يُنسى»

فلاديمير بايباكوف

السفير الروسي بالمغرب

 

 

لقد مرت ثمانون عاما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وخلال هذه السنوات، نشأت عدة أجيال من البشر وتغيرت الخريطة السياسية للعالم بشكل كبير. إننا نشهد ظهور نظام عالمي جديد، تزداد فيه الحاجة إلى المساواة والمراعاة المتبادلة للمصالح الوطنية. وفي هذا السياق، من المهم أن نتذكر الدروس الرئيسية المستفادة من الحرب الماضية.

لقد وفرت الحرب العالمية الثانية للبشرية تجربة فريدة من نوعها – فقد استطاعت دول ذات نظم اجتماعية وسياسية واقتصادية مختلفة أن تتحد لمحاربة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والنزعة العسكرية اليابانية. لن ننسى أبدا انتصارنا المشترك والتحالف الملهم في تلك الفترة من التاريخ. كما سنكون ممتنين دائما للمساعدات التي قدمها الحلفاء للاتحاد السوفياتي من خلال الإعارة والإقراض، وإمداد الذخيرة والمواد الخام الاستراتيجية والمواد الغذائية والمعدات.

نتذكر أن النصر العظيم قد تحقق بتكلفة باهظة، فقد قدمت كل دولة من دول الحلفاء مساهمتها التي قرّبت النصر، ودفعت أرواح الملايين من مواطنيها ثمنا للسلام. بلغ إجمالي الخسائر البشرية للاتحاد السوفياتي 27 مليون شخص، 12 مليونا منهم ماتوا في ساحات القتال، والباقي من الضحايا المدنيين في منطقة الاحتلال الألماني.

كما تكبدت الدول الأخرى الأعضاء في التحالف المناهض لهتلر عدة ملايين من الضحايا، ليس فقط في أوروبا، ولكن أيضا في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا. فقدت الصين 15.5 مليون شخص في تلك الحرب، والولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 400 ألف شخص. يمكن أن تستمر هذه القائمة الحزينة. لقد قُتل الناس في ساحة المعركة، وجُوِّعوا حتى الموت، وأُبيدوا في غرف الغاز في معسكرات الاعتقال النازية، وأُعدموا بالرصاص أثناء عمليات الإعدام الجماعي لأسرى الحرب والمدنيين. تم الزج بحوالي 18 مليون شخص في معسكرات الموت والسجون النازية، أُبيد منهم 11 مليون شخص. سقط ملايين الأشخاص تحت حجارة الهولوكوست. وبالمناسبة، من بين الناجين من الهولوكوست، الذين بلغ عددهم 123,700 شخص فقط، كان 60 في المائة منهم من مواطني الاتحاد السوفياتي، و17 في المائة من المغاربة، و11 في المائة من العراقيين.

واليوم في الغرب هناك محاولات متزايدة لإعادة كتابة التاريخ ومراجعة جذرية للنتائج السياسية والقانونية والأخلاقية الدولية للحرب العالمية الثانية. ويتم التقليل عمدا من دور الاتحاد السوفياتي في هزيمة العدو. ويتم تبرير الجرائم الدموية للنازيين وأتباعهم المتعاونين معهم. وبهذه الطريقة، يتم تقويض مبدأ تجريم إيديولوجية النازية الكارهة للبشر، والذي أذكّر بأنه من بين الأسس الأساسية للنظام العالمي لما بعد الحرب، إلى جانب مبدأ سيادة القانون الدولي والدور المركزي للأمم المتحدة، وقبل كل شيء مجلس الأمن التابع لها.

ومرة أخرى نرى مسيرات النازيين الجدد في أوكرانيا ودول البلطيق وبلدان أخرى، ونرى سياسيين غربيين لا يخجلون على الإطلاق من الماضي النازي لأسلافهم. كما لو أن تلك المأساة العالمية الرهيبة والمحكمة العسكرية الدولية ضد النازيين في نورمبرغ لم تحدث على الإطلاق. لكن الحقائق شيء ثابت، لا يمكن المجادلة فيها، واليوم، عشية الذكرى الثمانين للنصر العظيم، أرى من واجبي أن أذكركم بأن الجيش الأحمر السوفياتي لعب دورا حاسما في النصر العظيم. وتحت لوائه احتشدت شعوب جميع جمهوريات الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك أكثر من مليون كازاخي وأكثر من نصف مليون أذربيجاني. لقد كان الجنود السوفيات هم من رفعوا علم النصر الأحمر فوق الرايخستاغ في ماي 1945، وحرروا معظم أوروبا من الاحتلال الألماني. نحن ندرك أن جميع القوى الكبرى في ذلك الوقت تتحمل نصيبا من اللوم في اندلاع الحرب العالمية الثانية بدرجة أكبر أو أقل. فقد ارتكبت كل منها أخطاء، معتقدة بغطرسة أنه من الممكن أن تتفوق على الآخرين في المناورة، أو أن تضمن لنفسها مزايا أحادية الجانب، أو أن تبقى بمنأى عن الكارثة العالمية الوشيكة. وكان على العالم أن يدفع ثمن قصر النظر هذا، ورفضه إقامة نظام أمن جماعي، ملايين الأرواح البشرية والخسائر الفادحة. لقد كان للحرب العالمية الثانية طابع عالمي، وأثرت على حوالي 80 في المائة من سكان الكوكب في ذلك الوقت. وقد تحقق النصر من خلال جهود جميع الدول والشعوب التي حاربت عدوا مشتركا. دافع الجيش البريطاني عن وطنه من الغزو، وحارب النازيين وأتباعهم في البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا. وسحقت الولايات المتحدة العدو في المحيط الهادئ. حررت القوات الأمريكية والبريطانية إيطاليا وفتحت جبهة ثانية. دعونا لا ننسى مقاتلي «فرنسا المقاتلة» الذين لم يعترفوا باستسلام باريس المخزي، وانضموا إلى القتال ضد النازيين. نتذكر التضحيات الهائلة للشعب الصيني الذي حارب ضد العسكريين اليابانيين.

لم يتجاوز القتال القارة الإفريقية أيضا، حيث أثر على المغرب بشكل مباشر. فقد كان إنزال قوات الحلفاء (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى و«فرنسا المقاتلة») على أراضي المغرب في نونبر 1942، والمعروفة باسم عملية «الشعلة»، بداية لطرد المحتلين الألمان والإيطاليين من شمال إفريقيا، وانتهى مؤتمر الدار البيضاء لدول الحلفاء في يناير 1943 باتخاذ قرار مشترك بالسعي إلى استسلام غير مشروط لألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان العسكرية. حارب أكثر من 20 ألف مقاتل من الفيلق المغربي كجزء من الجيش الفرنسي ضد العدو في أوروبا. وعند عودتهم إلى الوطن، حارب العديد منهم من أجل استقلال بلدهم ولعبوا دورا هاما في إنهاء استعمار المغرب، الذي يتطور الآن بنجاح تحت قيادة الملك محمد السادس، ويلعب دورا متزايد الأهمية في القارة الإفريقية وعلى الساحة الدولية. في وقت مبكر من شهر يوليوز 1941، أعلنت القيادة السوفياتية أن «الغرض من الحرب ضد الطغاة الفاشيين ليس فقط القضاء على الخطر المحدق ببلادنا، بل أيضا مساعدة جميع شعوب أوروبا التي تئن تحت نير ألمانيا». بحلول منتصف عام 1944، كان العدو قد تم طرده من جميع الأراضي السوفياتية تقريبا. ولكن كان لا بد من القضاء عليه حتى النهاية في عرينه. لذلك، بدأ الجيش الأحمر مهمة التحرير في أوروبا – أنقذ العديد من البلدان والشعوب من الدمار والاستعباد. تم إنقاذها على حساب مئات الآلاف من أرواح الجنود السوفيات. من المهم أيضا ألا ننسى المساعدة المادية الهائلة التي قدمها الاتحاد السوفياتي للبلدان المحررة بعد الحرب – في مكافحة الجوع وفي استعادة الاقتصاد والبنية التحتية. وقد فعلت بلادنا ذلك، على الرغم من حقيقة أن الجزء الأوروبي بأكمله كان مدمرا بعد الغزو الألماني. أنشأت الدول المنتصرة بالاشتراك معا المحكمة العسكرية الدولية، لمعاقبة مجرمي الحرب السياسيين والنازيين. وقد أعطت أحكامها تقييما قانونيا واضحا لجرائم ضد الإنسانية، مثل الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي والديني، ومعاداة السامية، وكراهية الأجانب. وقد أدانت محكمة نورمبرغ بشكل مباشر لا لبس فيه المتعاونين مع النازيين من مختلف المشارب. جلب القرن العشرون للبشرية حربين عالميتين. في عام 1945، رأى العالم بأم عينيه عواقب استخدام الأسلحة النووية القادرة على تدمير الحياة على الأرض بالكامل. وأصبحت تسوية النزاعات بالقوة أمرا بالغ الخطورة. أدركت القوى المنتصرة ذلك، وأدركت مسؤوليتها تجاه البشرية. لذلك، كان من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية إنشاء الأمم المتحدة. وقد مكنت قواعد السلوك التي تم الاتفاق عليها عند إنشائها من تقليل مخاطر الحرب العالمية، وإبقاء المواجهة بين القوى العظمى تحت السيطرة. أما اليوم، فالعالم لا يمر بأوقات هادئة في الوقت الراهن، حيث يتشكل نظام عالمي جديد على أساس تعدد الأقطاب. كل شيء يتغير – من توازن القوى العالمية ومناطق نفوذ كل دولة على حدة، إلى الأسس الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية لحياة الناس والمجتمع والدول والقارات بأكملها. وبالطبع، يمكننا أن نرى أن نظام الأمم المتحدة لا يخلو من العيوب، ويعمل الآن بإجهاد وليس بالفعالية التي كان من المفترض أن يكون عليها. ولكنها، أي الأمم المتحدة، ما زالت تؤدي وظيفتها الأساسية. ومن واجب القوى العظمى التي تتحمل المسؤولية السياسية عن مستقبل البشرية أن تضمن الحفاظ على هذا النظام الذي يحكم العلاقات الدولية وتحسينه، وأن يكون لكل دولة صوت في الشؤون العالمية. من أجل تعزيز الاستقرار والأمن على كوكب الأرض، ومن أجل رخاء ورفاهية جميع الدول والشعوب. في هذا، وبدون مبالغة، يكمن واجبنا ومسؤوليتنا المشتركة تجاه العالم والأجيال الحاضرة والمستقبلية. عسى أن تكون ذكرى أخوة السلاح لآبائنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا، والانفتاح والتفاهم المتبادل والصداقة بين الشعوب من مختلف الجنسيات والثقافات والتقاليد، أساسا موثوقا للعمل معا باسم المستقبل، من أجل انتصار قضية السلام والتقدم!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى