شوف تشوف

الرأي

مائة يوم على «عاصفة الحزم» العربية في اليمن

قارب شهر رمضان المبارك على الانتهاء، مثلما تقترب «عاصفة الحزم» في اليمن من إكمال المائة يوم الأولى منذ بدايتها (26 مارس)، ولم يتم التوصل إلى أي هدنة، أو وقف للقتال، رغم تأكيد السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الدولي أن اليمن يقف على حافة المجاعة، وأن هناك 20 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حيث لا ماء، ولا كهرباء، ولا طعام، ولا دواء، ولا مستشفيات، وحصار خانق وغير مسبوق.
حتى في العصور الجاهلية كانت هناك «الأشهر الحرم» التي تتوقف فيها الحروب بين القبائل، وفق ميثاق غير مكتوب لحقن الدماء تلتزم به جميع الأطراف، ولكن يبدو أن العصر الجاهلي وقبائله أكثر رحمة من قبائل القرن الواحد والعشرين التي تملك الطائرات الحديثة والصواريخ من مختلف الأحجام والأبعاد، وتمارس القتل دون أي رحمة أو شفقة.
ولأن الحرب في اليمن، الذي لا يملك نفطا، ولا ذهبا، ولا طاغية يحكم بقبضة حديدية يجب التذرع بإسقاط حكمه، من قبل الديمقراطيين «المتزمتين» فلا أحد يهتم، والجميع يديرون وجههم إلى الناحية الأخرى، ولا يريدون أن يروا حجم المأساة والضحايا الذين يسقطون يوميا في الجانبين، والمسألة نسبية.
في بداية هذه الحرب كانت الصورة مختلفة كليا، «تحالف عربي» يتباهى بقوته، وحداثة طائراته الأمريكية الصنع، ومتحدث باسمه يطل كل ليلة عبر شاشات التلفزة مسلحا بالخرائط، ويصف التقدم الكبير في ميادين القتال، والأهداف التي قصفتها طائراته بدقة متناهية الليلة السابقة، بما يذكرنا بمتحدث «عاصفة الصحراء» الأمريكية على العراق، أو حرب الفولكلاند البريطانية في الأرجنتين، وتحالف مناهض على الأرض يتقدم، ويحتل مدنا، يتلقى القصف، ويكظم الغيظ، ولا يستمع إليه أحد، بعد شيطنته، لأنه يقف عاجزا، قليل الحيلة، في مواجهة خصمه وآلته العسكرية الجبارة.
المشهد نفسه تكرر قبل عام تقريبا، عندما شاهدنا حكومات عربية تندفع لإرسال طائراتها الحربية الحديثة نفسها، للانضمام إلى تحالف ستيني بقيادة الولايات المتحدة، يريد اقتلاع جذور «دولة اسلامية»، يفضل البعض، في حالة إنكار غير مسبوقة، تسميتها «داعش»، وشاهدنا «أمراء» في مقعد القيادة، وحسناء عربية أمام مقود طائرة أخرى، في حالة من الزهو والثقة، تؤكد أن النصر وشيك، وسرادق الاحتفال في طور الإنشاء.
لا طائرات «عاصفة الحزم» فرضت الاستسلام على الطرف الآخر بعد مئة يوم من القصف المتواصل، حتى أنها لم تعد تجد أهدافا تضربها في الدولة الأفقر في العالم، ولا طائرات التحالف الستيني الآخر قضت على «الدولة الاسلامية» بعد أكثر من 4000 غارة جوية، بل ما حدث هو العكس تماما، فقد نجحت قوات هذه “الدولة” في الاستيلاء على مدن جديدة (الرمادي وتدمر) ونجحت في اقتحام عين العرب (كوباني)، ويعلم الله أين ستكون ضربتها المقبلة.
جميع هذه الخيارات، أو الحلول العسكرية، منيت بالفشل، حتى الآن على الأقل، ومن أرادت فرض الاستسلام عليهم، ورفعهم الريات البيضاء دون شروط، ما زالوا “أقوياء” ويتمددون كل في ميادينه، وجبهات قتاله، بغض النظر عن هويته الطائفية، أو قناعاته الإيديولوجية، ومن يقول غير ذلك، وأيا كان موقعه، يغالط نفسه، ويدس رأسه في الرمال.
أين يكمن الخلل؟ ولماذا وصلنا، والمنطقة معنا، إلى هذه النهاية المأساوية؟
نجيب بكل بساطة بالقول إنه غرور القوة والمال، وسوء التقدير في أبشع صوره، والاستهتار بقوة الخصم، وعدم الاستفادة من كل التجارب السابقة، بما فيها تجارب احتلال الكويت والعراق، والتدخل العسكري في ليبيا وأفغانستان وسورية، والقائمة تطول.
من الطبيعي أن ينبري أحدهم، وما أكثرهم هذه الأيام، ويسألنا: ما هو الحل الذي ترتئيه أيها العبقري؟ وكيف تكون المخارج؟
بداية نقول، إننا لا نرصع أكتافنا بالنجوم، ولا صدورنا بالنياشين، وأن من أطلقوا الصاروخ الأول في هذه الحروب لم يستشيرونا، ولم يستمعوا مطلقا لآرائنا، وآراء غيرنا، حتى يطلبوا منا الحلول، هذا إذا تواضعوا ونزلوا من عليائهم وطلبوها، وهو ما نشك فيه، فقد أعماهم الغرور من رؤية ما هو أبعد من أرنبة أنوفهم.
ومثلما لم يوجد عداد لإحصاء عدد الضحايا العراقيين في الحربين الأمريكية الأولى والثانية، وتوقف العداد السوري بعد دخول الحرب العام الخامس دون إسقاط النظام، وحسم الحرب لصالح هذا الطرف أو ذاك، عند رقم 300 ألف قتيل (الدمار وحجمه لم يكن، ولن يكون موضع حساب، وكذلك أعداد الجرحى)، لا أحد يفكر بإحصاء الضحايا اليمنيين الذين تحصد أرواحهم بالمئات، وربما بالآلاف، الصواريخ الأرضية أو الجوية، فهؤلاء فقراء، معدومون، ربما قتلهم يأتي من قبيل الرحمة، والرأفة بحالهم، ووضع حد لمعاناتهم، من وجهة نظر قاتليهم.
نكتب بلغة عاطفية، لأن العقل غائب، والحكمة منعدمة، وأهلها مغيبون، وأنين الجرحى غير مسموع، بل ممنوع الاستماع إليه، والقتلى بلا جنازات، ولا شواهد لقبورهم، هذا إذا وجدت هذه القبور أصلا. لا نعرف كيف يصوم هؤلاء الذين يمارسون القتل، أيا كان خندقهم في الأرض أو السماء، وكيف يتناولون وجبات إفطارهم العامرة، وهم يعرفون أن هناك على الطرف الآخر من لا يجدون الأمان، ناهيك عن لقمة الخبز، ولا يعرفون كم دقيقة، أو ساعة، أو يوما سيعيشون.
نحن مع الشعب اليمني، كل الشعب اليمني، الطيب الشهم المضياف، أصل العرب جميعا، وبعض النظر عن عقيدته ومذهبه وانتمائه، ولذلك نقولها، وبأعلى صوت: أوقفوا هذه الحرب في اليمن، وبأسرع وقت ممكن، إذا كنتم تملكون ذرة من الرحمة والإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى