شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

الحب بين الزوجين

 

 

بقلم: خالص جلبي

 

الحب كيمياء كما يقولون، واكتشف علم النفس أن لكل منا هالة خاصة به من الكهرطيسية. وأحيانا يحب الرجل امرأة ولو من رائحة عرقها بدون عطر، وهو أمر أتذكره من معلمة مسيحية لي وأنا طفل صغير. والحب من النظرة الأولى صحيح، فقد يحصل انجذاب من أول لقاء، ولو كان صوت المرأة نعيب غراب وأسنانها كارثة. ولكن التحدي هو في استمرار الحب ونموه، وأعرف شابين عشقا بعض سبع سنوات في كلية الطب حتى ذابا عشقا، ثم تزوجا فرأيتهما يتقاتلان فحزنت. وأعرف من أهلي من عشق، وبقي ينسج أبيات الشعر مثل قصص التروبادور الإسباني عند شبابيك الحسان، وبعد زواج عارم وحب يقترب من الإعصار، انتهى بهما الأمر إلى حافة الطلاق إلا قليلا. وأنا تزوجت بطريقة تقليدية جدا بدون شعر وغرام، وفي عشرين يوما بين اللقاء والزواج عشقت زوجتي أكثر من روميو وجولييت وقيس وليلى، وكان اسمها ليلى فصدقت القصة، وعشنا 36 سنة كل عام فيها غرام وحب بما يعجز عنه كتاب «الحب زمن الكوليرا»، حتى آثرت الرحيل واشتاق إليها الرب؛ فأخذها إلى جنبه، فكان رحيلها زلزالا هدم عمود الخيمة على رؤوسنا أنا وبناتها الخمس، وضاعت علينا الاتجاهات فهي كانت نور بصرنا فعمينا، وبوصلة اتجاهاتنا فأصبحنا في صحراء بدون خريطة وبوصلة وزاد في ظلام دامس بدون نجوم بها يهتدون؛ فهي تنظر لنا بأمل من بعيد ألا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. وفي قناعتي أن هناك ثلاثة أمور في الزواج تقوم بدور حاسم كي ينمو الحب مثل شجرة هائلة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فأما الأول فهو بيد الرحمن لا نملكه وهو المنان، فقد يكون كلا الزوجين لا غبار عليهما، ولكن ليس من تجانس؛ فهنا قال لنا الرب وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا. ومن هذه الآية وقفت امرأة بوجه عمر رضي الله تردعه عن تحديد المهر.

والأمر الثاني بيد كل طرف فوجب على المرأة أن لا تراهن على الولد، بعد بناء العائلة، فتسمن مثل بقرة حلوب ويذهب شكلها أدراج الرياح، بما يذكر بقصة «ذهب مع الريح» لمارغريت ميتشل، فالرجل يحب أن تبقى امرأته فاتنة رشيقة جميلة فواحة مطيعة مخلصة أنيقة.

وما يريده الرجل من الزوجة وجب أن يطبقه على نفسه، فلا يصبح شكله قبيحا بكرش مدلاة ورائحة قبيحة، ويروى عن ابن عباس أنه كان يتزين لزوجته كما كانت له تتزين.

والثالث وهو الأهم أن الحب بناء وليس عطية من الغيب، فوجب تعهد شجرة الحب مثل أي نبات بماء ونور وسماد، وهو في الزواج الاحترام والثقة والجدة دوما.. فتبقى الحياة الزوجية شجرة خضراء بهجة للناظرين. وأرسلت إلي زوجة محبة مقبلة على الزواج من رجل عشقته حتى النخاع، فلما قرأت كلماتي خافت على نفسها، فأرشدتها أن تتأمل كلماتي في آخر المقالة أن الحب أمر ينشأ إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين على سرر متقابلين. وأرسلت إلي أخت فاضلة متزوجة من الإمارات تقول: «لقد كان لنا أستاذ جامعي يقول للبنات لماذا تدرسن؟ صدقنني الرجال يحبون الأمية على ابنة الجامعة، حين يكون الأمر متعلقا بالزواج! زوجتي أمية وهكذا أهدأ لبالي. وكان يقهقه في الممرات مع الدكتورات بسخف أمقته ويقضي الساعات الطوال في مكتبه يحادث هذه ويناقش تلك، وأنا أقول لو كنت حكيما لاتخذت لك زوجة تكون صديقة لك بكل حالاتك، لا وسادة! ولملأت عليك نهارك وليلك لا ليلك فقط! قد سمعت يوما من اختصاصي في علم النفس أن من النساء من تملأ قلب الرجل ولا تملأ عقله وهن 80 في المائة من النساء، ومنهن من تملأ عقله ولا تملأ قلبه لقسوة في عريكتها وهن 15 في المائة من النساء، ومنهن من لا تملأ لا قلبا ولا عقلا وهن 4 في المائة من النساء، ومنهن من تملأ قلبا وعقلا وهن 1 في المائة من النساء، وأنا بعدها قول أمن الرجال من يملأ قلبا وعقلا؟ فلا أجد.

أعلم أنه من العيب في مجتمعاتنا أن يناقش هكذا موضوع، ولكن أليس حقا ما أقول وهو ليس فقط أمر شخصي؟ أنظر في شبابنا فأراه في غالبه هزيلا مهزوزا، وإن كان ذا فكر وجدته يملك شخصية مضحكة، وإن كان ذا شخصية لافتة وجدته خاويا، ولكن التجارب المنتنة علمته كيف يظهر لباقة وأناقة ولياقة، ولكن ذاك المتزن العاقل العميق مفقود! وإن وجدت في الإناث في المائة واحدة أيوجد في الألف واحد؟».

والواقع أن هذه الفاضلة قلمها سيال، ودماغها أشد، وبحرها لا قاع له، وروحها تحلق مع الملائكة الأطهار، ولكن قد يكون هذا الكلام قسم منه صحيح، وقسم منه متطرف، وفي قسم تفوح منه رائحة تمرد الأنثى وسخط الشابات، وربع منه تحامل على الذكور الفحول، ولكن الأكيد ما قاله سقراط الذي ابتلي بامرأة مزعجة ثرثارة حادة منتقدة لأتفه الأسباب، عقلها في السوق، وعقله في الفكر والثقافة!

قال سقراط من حَظِيَ بامرأة صالحة كانت له تاجا على رأسه، ومن كانت زوجته سيئة الأخلاق والمعشر أصبح فيلسوفا. وسقراط كان فلتة عقلية، فيجب أن نشكر كزانتبي على سوء أخلاقها.

قالت له هذه الزوجة وهو يستقبل حكم الإعدام: سقراط ولكنك بريء؟

أجاب سقراط: كم مرة لا تفهمين، وهل كان يرضيك أن أحكم بالإعدام وأنا مدان؟

 

نافذة:

الحب بناء وليس عطية من الغيب فوجب تعهد شجرة الحب مثل أي نبات بماء ونور وسماد وهو في الزواج الاحترام والثقة والجدة دوما

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى