شوف تشوف

الرئيسية

سعاد ولد غزالة.. أرملة الفقيه البصري التي قضت ثلاثة عقود من اللجوء السياسي

حسن البصري

قدر لسعاد ولد غزالة، أرملة الفقيه محمد البصري، أن تعيش حياتها رحالة بين بلدان الاغتراب والنفي، بين مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر وفرنسا. كانت كلمة السر بينها وزوجها «لا تفتحي الباب في غيابي»، فقد كان الزوجان يعلمان أن مسكنهما تحت «الحراسة النظرية».
وعلى الرغم من التحذيرات التي واجهتها سعاد حين تقدم لخطبتها شخص ممنوع من التداول اسمه محمد البصري، فإنها تحدت كل المخاوف وقررت الارتباط برجل استثنائي، وهي تعلم أن حياتهما الزوجية بلا «شهر عسل».
رافقت سعاد زوجها إلى حيث الاغتراب القسري، ونالت صفة مناضلة بالارتباط الوجداني بأحد الاتحاديين الداعين إلى النضال المسلح. وعلى امتداد ثلاثة عقود، شاركت سعاد البصري في مسلسل «لعبة القط والفأر» مع المخزن الذي اعتبر زوجها «عنصرا يهدد استقرار النظام»، علما أن استقراره العائلي ظل فوق كف عفريت.
بالقدر الذي عاش فيه الفقيه وزوجته مطاردة المخزن، لقيا في غربتهما الاهتمام والعناية اللازمين، فوضعية اللجوء السياسي حتمت على المضيف إحاطة الزوجين بكرم حاتمي، خاصة حين يتعلق الأمر بدول يصنفها المغرب في خانة خصوم النظام وأعداء الملكية.
حين سافرت سعاد ولد غزالة مع زوجها محمد البصري إلى سوريا، شعر الفقيه بحجم الاغتراب الذي يلف زوجته حديثة العهد بالزواج، لذا أقنعها بضرورة متابعة دراستها الجامعية في إحدى جامعات دمشق، بعد أن خصص النظام السوري للزوجين الهاربين راتبا وسيارة ومسكنا وجوازي سفر. قضت سعاد في ضيافة الشاميين سبع عشرة سنة، ظل فيها زوجها يتردد على مصر والعراق، دون أن يقطع الخط مع المغرب مسقط الرأس والقلب، بينما اكتفت سعاد برسائل ومكالمات هاتفية مع أسرتها، وهي تعلم علم اليقين أنها تحت المراقبة.
ونظرا لعلاقته المتجذرة مع البعثيين، فقد سافر البصري، خلال الغزو الأمريكي للعراق، أكثر من مرة، وحاول تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة كي لا ينهار الحزب البعثي، سيما أنه كان صديقا لصدام حسين، وظلت زوجته في باريس تترقب ما ستسفر عنه جولاته المكوكية بين باريس ودمشق وبغداد، ما أثر سلبا على وضعيته الصحية.

ولأنها اختارت أن تكون زوجة مناضل متمرد على الحزب وعلى النظام، فقد تقاسمت معه الانتفاضات والغارات التي كان يقوم بها، بل إنها ساندته في رفضه لتجربة التناوب، وظلت تحاول إقناع عبد الرحمن اليوسفي بعدم جدوى «المقامرة» السياسية التي حطمت ما تبقى من كبرياء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
ناقش البصري مع زوجته ملتمس العودة إلى البلاد، بعد أن دعاه الملك الراحل الحسن الثاني، إلى طي صفحة الماضي، وكان هناك إجماع على إنهاء سنوات الاغتراب. وفي العاشر من يونيو 1995 عاد الرجل إلى بلده، لكنه لم يجد من الاتحاديين الحفاوة التي حظي بها عند الجزائريين والليبيين والسوريين.
قضى الرجل حياته في المغرب في معزل عن الحياة السياسية للحزب، بعد أن تبين له أن اليازغي واليوسفي و«صقور» الحزب ليسوا متحمسين لعودته، لذا ظل يحن إلى هواء باريس، وهو ما زاد من حدة الضغط، إلى أن تعرض لجلطة دموية جعلته يفقد الذاكرة، لتتحول سعاد إلى ممرضة دائمة.
تكفل الملك محمد السادس بجميع مصاريف علاج البصري بأحد مستشفيات باريس، وحين تحسنت أحواله عاد إلى المغرب واستقر في منزل «الحضري»، أحد رفاق دربه بالشاون، بعيدا عن صخب الدار البيضاء.
وحسب رواية مقربين منه، فإن الرجل ظل في آخر أيام حياته يطل من مقهى في تل مرتفع، على قبري محمد أمقران والوافي الكويرة، شريكيه في الانقلاب العسكري الفاشل لسنة 1972.
ومن المفارقات الغريبة أن الفقيه مات يوم 15 أكتوبر 2003، وهي السنة نفسها التي عرفت الموت السياسي لعبد الرحمن اليوسفي، بعد تعيين إدريس جطو وزيرا أول، بخلاف ما ينص عليه الدستور المغربي.
رفضت سعاد دفن زوجها في الشاون إلى جانب أمقران وكويرة، وقررت تشييع جثمانه في الدار البيضاء بمقبرة الشهداء، ورغم ذلك أحيا سكان الشاون الذكرى الأربعينية للفقيد.
خلال حفل نظمته الجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، تكريما للنساء ضحايا التعذيب واللجوء السياسي طويل المدى، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حظيت سعاد، أرملة البصري، بتكريم أهدته إلى زوجها الراحل، وقالت إنها فخورة لأنها رافقت رجلا قضى نصف حياته لاجئا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى