شوف تشوف

الرئيسية

محمد السادس يكشف تنظيم المحكمة التي وضعت لفض النزاع بين المغرب وليبيا حول تطبيق معاهدة وجدة

بالموازاة مع أجهزة الاتحاد العربي الإفريقي التنفيذية، والتي توقفنا عندها مع كتاب الملك محمد السادس في الحلقة الماضية، أفضى الاتفاق بين الحسن الثاني والقذافي المحدث للاتحاد إلى إخراج أجهزة ذات طابع استشاري وقضائي حصرها الملك محمد السادس في بحثه في المجالس الاتحادية والهيأة الاتحادية والمحكمة الاتحادية. وهنا يتبين أن البحث سار مسارا أكاديميا صرفا، عبر لغة تقريرية قانونية رصينة.

يقول الملك عن المجالس الاتحادية: «أحدثت معاهدة وجدة أربعة مجالس اتحادية، هي المجلس السياسي والمجلس الدفاعي والمجلس الاقتصادي ومجلس العمل الثقافي والتقني. وتتألف هذه المجالس تبعا لما تقرره الرئاسة من منتدبين لكل من الدولتين على أن يكون عدد ممثلي كل دولة مساويا لعدد ممثلي الدولة الأخرى. هذه المجالس تقوم بدور استشاري، وتكون مهمتها في نطاق اختصاصاتها دراسة القضايا التي تعرضها عليها الرئاسة، واقتراح الحلول، وإعداد المشاريع التي تطلب إليها الرئاسة إعدادها كلما رأت فائدة في ذلك».

تبعا لذلك، يتبين أن المجالس الاتحادية هي المساحة المخصصة للتكنوقراط داخل الدولتين لإعداد خطط عمل وحلول وتحضير مشاريع بطلب من قيادة الاتحاد العربي الإفريقي.

بعد التفصيل في تركيبة المجالس الاتحادية وتحديد علاقتها بالأمانة الدائمة للاتحاد ينتقل الملك في بحثه إلى الجهاز الاستشاري الثاني داخل الاتحاد وهو الهيأة الاتحادية، وعنه يقول الملك: «نصت المادة الخامسة من معاهدة الاتحاد العربي الإفريقي على أنه يكون للاتحاد هيأة اتحادية تتألف من أعضاء من مجلس النواب بالمملكة المغربية وأعضاء من مؤتمر الشعب العام بالجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، ومهمة هذه الهيأة تقديم توصيات للرئاسة قصد تعزيز الاتحاد وتحقيق أهدافه».

الهيأة الاتحادية، إذن، هي بمثابة برلمان الاتحاد بين المغرب وليبيا ويضم نواب شعبي الدولتين، وقد فصل الملك في بحثه طريقة اشتغال هاته الهيأة والتي يتحدد هامش اشتغالها بشكل واضح بموافقة رئاسة الاتحاد على ما تقوم به، علما أن لها اختصاصات استشارية داخل الاتحاد. وقد شبهها الملك محمد السادس في كتابه بالبرلمان الأوروبي ذاكرا: «يتضح من مراجعة النصوص المتعلقة بهذه الهيأة أنها تتشابه مع البرلمان الأوروبي من حيث إنها تتمتع بسلطة معنوية، فصلاحياتها ذات طابع استشاري، ولكنها تتميز عنه في عدة نواحي».

ويتابع الملك، موضحا خصوصية الهيأة الاتحادية داخل اتحاد المغرب وليبيا قائلا: «ومن الملاحظ أن معاهدة وجدة وكذلك ملحقها المتعلق بالهيأة الاتحادية لم يتضمنا لائحة حصرية للمسائل التي تصدر فيها الهيأة الاتحادية توصياتها بناء على طلب من رئاسة الاتحاد. إلى جانب ذلك فالهيأة الاتحادية هي بمثابة هيأة برلمانية اتحادية (وهنا يفتح الملك محمد السادس قوسا على الهامش أوضح فيه أن الهيأة الاتحادية داخل الاتحاد العربي الإفريقي تختلف عن الاتحاد البرلماني الدولي واتحاد البرلمانات الإفريقية واتحاد البرلمانات الأسيوية والاتحاد البرلماني العربي من حيث أن الاتحادات المذكورة هي منظمات دولية أو إقليمية تتكون من أعضاء في برلمانات وطنية) ولا يمكن اعتبارها بالتالي برلمانا واحدا. فهي تتألف من ممثلين عن السلطة التشريعية في المغرب وليبيا جرى الاتفاق على عددهم ونسبهم. ويلاحظ أن هذه الهيأة من حيث أسلوب تكوينها تتشابه مع برلمان الاتحاد في اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة بين ليبيا وسوريا ومصر المشار إليه سابقا، والذي كان يضم ممثلين بأعداد متساوية عن البرلمان المصري والبرلمان السوري وعن التنظيمات الشعبية في ليبيا».

يضيف الملك أيضا، في سياق تحديده معالم برلمان الاتحاد المغربي الليبي، موضحا أنه لا يحل محل البرلمان المغربي ولا مؤتمر الشعب العام الليبي، إذ يقول: «الهيأة الاتحادية من ناحية أخرى تفترض بقاء البرلمانات الخاصة لكل دولة عضو أو شكل سلطتها التشريعية الخاص بها. فهي ليست برلمانا مركزيا أو موحدا تناط به مهمة التشريع الأساسية مثل الكونغريس الأمريكي أو مجلس السوفيات الأعلى أو البرلمان اليوغوسلافي. فهذه الهيأة لا تحل محل مجلس النواب في المغرب ولا محل مؤتمر الشعب العام في ليبيا، ولا تنتقص من سلطاتهما التشريعية».

بعد ذلك ينتقل الملك في بحثه إلى تسليط الضوء على الجهاز الذي يتولى المهام القضائية داخل الاتحاد العربي الإفريقي وهو المحكمة الاتحادية، مبرزا: «للاتحاد العربي الإفريقي محكمة اتحادية يصدر بتشكيلها قرار من رئاسة الاتحاد، وتختص بالنظر في جميع المنازعات المتعلقة بتنفيذ أو تفسير المعاهدة المنشئة للاتحاد، ويكون لأي من الطرفين الحق في عرض الأمر على المحكمة للفصل فيه، وتكون أحكام وآراء المحكمة نهائية وملزمة». لكن، كيف يمكن لهذه المحكمة أن تتدخل في حال دخول المغرب وليبيا في نزاع حول تأويل مادة من مواد معاهدة وجدة لفض خلاف بينهما مرتبط بتطبيق مقتضيات الاتحاد؟

يرد الملك على هذا السؤال في البحث ببيان طريقة تنظيم المحكمة الاتحادية واختصاصاتها والإجراءات التي تتم على مستواها. هذه الإجراءات تشمل مراحل الدعوى في حال ظهور خلاف بين طرفي معاهدة وجدة، وهما مرحلتان؛ مرحلة كتابة يتم خلالها الإدلاء بمذكرات ادعاء ومذكرات مضادة، ومرحلة شفوية يتم خلالها الترافع أمام المحكمة من لدن الوكلاء والمستشارين والمحامين والخبراء والشهود، وتكون جلسات المرافعة الشفهية علنية إلا إذا قررت المحكمة خلاف ذلك، كما أنه يمكن الترافع عن طريق محامين عن الأطراف.

يقول الملك: «تتلا الأحكام في جلسة علنية، ويخطر الأمين العام الطرفين بالموعد المحدد للنطق بالحكم، ويجوز للمحكمة إصدار أحكام غيابية. بيد أن الأحكام يجب أن تبين الأسباب التي بنيت عليها، وتوقع من قبل الرئيس والأمين العام، وإذا لم يكن الحكم صادرا كله أو بعضه بإجماع القضاة، فمن حق كل قاض أن يسجل رأيه الخاص وهو ما يلاحظ بالنسبة للأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية. وتعتبر أحكام المحكمة نهائية وملزمة وذات حجية على طرفي النزاع، وإذا حصل خلاف حول معنى أو مدلول حكم صادر عن المحكمة، فإنه يحق لكل طرف أن يتقدم بطلب لتفسيره، وقد وضعت المادة 26 أحكاما تتعلق بمسطرة إعادة النظر في الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية، فقد نصت هذه المادة على أنه لا يقبل التماس إعادة النظر إلا بسبب تكشف واقعة جديدة كان يجهلها عند صدور الحكم كل من المحكمة والطرف الذي يلتمس إعادة النظر على أن لا يكون الطرف المذكور بهذه الواقعة ناشئا عن إهماله، ويجب تقديم طلب الالتماس في ظرف ستة أشهر الموالية لتكشف الواقعة الجديدة، ولا يمكن تقديم أي طلب من هذا النوع بعد انصرام أجل عشر سنين من تاريخ القرار».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى