شوف تشوف

سري للغاية

الشاذلي بن جديد يغير الجناح الرئاسي خوفا من أجهزة تنصت

إعداد : حسن البصري
بعد عام ونصف على انتخابه رئيسا للجزائر، أعلن عبد العزيز بوتفليقة عن حكومة جديدة، صنعها بـ«مزاجه» كما كتبت الصحف في تلك الفترة من صيف 2000. كانت استقالة رئيس الوزراء أحمد بن بيتور وراء التعديل الذي جاء بعلي بن فليس، أحد مساعدي بوتفليقة المقربين، وأبقى الوزراء الذين اختارهم الرئيس في السابق في مناصبهم.
غير أن أهمية هذا التعديل الوزاري لا تعود بشكل منفرد إلى تغيير الوجوه داخل الحكومة، كما قالت الشرق الأوسط، بل بترسيخ الوجود «الثوري» من خلال قيادات جبهة التحرير الوطنية، بتعيين عبد العزيز بلخادم وزيرا للخارجية، والدكتور محيي الدين عميمور وزيرا للثقافة والمعلومات، فبصفته أيضا عضوا قديما في جبهة التحرير الوطنية، فهو القادر حسب بوتفليقة على ترسيخ سياسة حكومية في التعامل مع الإعلام سيما الصحافة «المستقلة» التي «لم تبد حماسا يذكر إزاء أداء بوتفليقة».
يقول محيي الدين إن المهمة لم تكن سهلة، رغم اشتغاله في الحكومة لسنوات. «عندما بدأت أسترجع في الذاكرة أحداث الشهر الأول لتحملي المسؤولية الوزارية، انتابني شعور بأن القضية كلها لم تكن أكثر مما يراه النائم، بل كدت أحيانا أحس بأنها كانت مزحة تختلف الأذواق في تقبلها. لقد كان ذلك الشهر من الشهور التي لا يمكن أن أنساها، فقد كانت الأحداث والوقائع التي عشتها، على مستويات سياسية وشخصية تتجاوز ما يحتضنه عادة شهر واحد من الشهور».
ظل عميمور يقلب أوراق التعيين ويقضي لياليه في البحث عن وصفات قادرة على انتشاله من القلق الذي سيطر عليه، ومنعه من قضاء عطلة الصيف في استرخاء.
«أمضيت الأيام الأخيرة من شهر غشت، والتي سأدمجها هنا في شهر سبتمبر، في وضعية قلق وتوتر شديدين، وكنت أحس أحيانا كأنني أسير نائما وأنام سائرا، وكانت الأحداث قد تتالت بتسارع بدا غريبا، فقد أعلن في مساء السبت 26 غشت عن الاستقالة المسببة لرئيس الحكومة السيد أحمد بن بيتور، وهو رجل عرف عنه أنه ذو خبرة مالية ملحوظة ويتميز بدماثة خلقه وبساطة تعامله، اختاره الرئيس في العام الماضي ليتولى رئاسة الحكومة بعد إعفاء إسماعيل حمداني، وقدم بن بيتور سببين لاستقالته نشرا في إطار الرسالة التي رفعها إلى الرئيس، والتي أمر الرئيس بنشرها، وهو تقليد جديد يستحق التنويه».
شغلت استقالة رئيس الحكومة الناس، وتبين أن الرجل رفض بجرأة نادرة تغييبه عن مصدر القرار، بل ورفض الأوامر الرئاسية، وقال بن بيتور في رسالته بأن غياب البرلمان عن التشريع لمدة لا تزيد عن شهر ليس كافيا لتبرير اللجوء إلى الأوامر الرئاسية (التي تتم بمبادرة رئاسية وتعرض على البرلمان للمصادقة، قبولا أو رفضا، بدون مناقشة).
«كان هذا المبرر، للأمانة، أكثر منطقية من السبب الثاني في الاستقالة التي كتبت بالفرنسية، وهو استبعاده من عملية اختيار الوزراء التي كان يتولاها الرئيس شخصيا، وأتصور أن بن بيتور لم يدرك هنا، أو لعله أدرك وأراد أن يسجل موقفا، بأنه ليس رئيس حكومة يمثل حزب أغلبية جاءت بها الانتخابات، ولكنه كان أقرب من مهمته إلى وضعية وزير أول يعينه الرئيس، وليس من حقه بالتالي أن يطالب بدور خاص في تعيين الوزراء».
وهكذا سقطت الحكومة الثانية للرئيس بوتفليقة، والتي كان يريد منها أن تركز على الجوانب المالية والاقتصادية ليتفرغ هو للجوانب السياسية الإستراتيجية، وعلى رأسها قضية المصالحة الوطنية، بعد أن أحس بأن وزارة حمداني لا تحقق له ما يريده، خصوصا في المجال الاقتصادي، وزعم البعض في ما بعد أن هالة المغادر كانت أكبر من إمكانياته الحقيقية وأدائه الفعلي.
«كانت تشريفات رئاسة الجمهورية قد أبلغتني بأن مجلس الوزراء الجديد سيعقد أولى جلساته في اليوم التالي مباشرة لصدور بلاغ تكوين الحكومة الجديدة برئاسة السيد علي بن فليس، وذلك بمقر الرئاسة. وعندما توجهت صباح الأحد 27 غشت إلى مقر رئاسة الجمهورية كنت أنتظر أن يكون هناك استقبال منفرد يخصصه الرئيس أو رئيس الحكومة للوزراء الجدد، حيث إن العلاقة الوحيدة بيني وبين المنصب الجديد كانت المكالمة الهاتفية التي تلقيتها من الرئيس، والتي سبقتها بأيام مكالمة من مدير ديوان الرئيس آنذاك، علي بن فليس، يطلب مني فيها ألا أغادر العاصمة، وهو ما التزمت به، رغم أن الحالة الصحية لوالدتي في عنابة كانت حرجة، وكنت أتعرض لضغوط من بعض أفراد الأسرة هناك تطلب مني أن أقوم بنقلها إلى المستشفى العسكري بالعاصمة، وهو ما لم أقتنع، كطبيب، بجدواه. وعندما كنت أجتاز البوابة الرسمية لمقر رئاسة الجمهورية بساحة محمد بن يحيى كانت عشرات المشاعر تتجاذبني، لكن أهمها كان السرور بالعودة إلى الساحة من الباب الكبير، مطلوبا لا طالبا».
ويحكي عميمور بنبرة النوسطالجيا عن تردده على المكان أكثر من مرة: «كانت المرة الأولى التي عدت فيها رسميا إلى هذا المكان في سبتمبر 1989، عندما استدعاني الرئيس الشاذلي بن جديد ليكلفني بمهمة السفارة في باكستان، وكنت لم أدخل ديوان الرئاسة إطلاقا منذ عزلي في يناير 1984. وكانت تلك العودة رسالة واضحة من الرئيس تقول بوضوح أن عزله لي لم يكن لتقصير أو لخيانة، لكيلا أقول تعبيرا عن عقدة ذنب واجهها الرئيس الراحل بكل رجولة. أما العودة الثانية فكانت بعد نحو خمس سنوات أخرى، بعد أن دفعت نحو التقاعد إثر عودتي من إسلام أباد، وذلك عندما استدعاني الرئيس اليمين زروال في ديسمبر 1997 ليبلغني باختياره لي كعضو في مجلس الأمة، ضمن الثلث الرئاسي الذي يضم كفاءات وطنية يعينها رئيس الجمهورية طبقا لأحكام الدستور، وكان الرئيس قد قال يوما في قصر الشعب إنه «يتابعني»، وفهمت أنه يقرأ لي وعني. هذه المرة الثالثة، التي سبقها استدعاء قبل بضعة شهور، سبق أن أشرت له. وفي المرات الثلاث التي دخلت فيها إلى مقر رئاسة الجمهورية كان استقبال الضباط والجنود أكثر من رائع، ورأيت دموعا في عيون بعضهم، ولعل أكثرهم سرروا كان أوفى المساعدين وأنقاهم، وهو الأخ علي وناس، جندي الحرس الجمهوري الذي عاقبه قائده لأنه زارني في بيتي بعد تنحيتي في 1984».
تذكر محيي الدين رفيق مساره بومدين وهو يجلس في غرفة انتظار الوزراء قبل الدخول إلى قاعة المجلس، فقد عادت به الذاكرة نحو ثلاثين سنة إلى الوراء، حيث كان المكان الذي جلس فيه هو على وجه التحديد ذلك الجزء من مكتب الرئيس هواري بومدين، الذي اصطلح على تسميته بالركن الثلاثي، لأن ثلاثة مقاعد فقط كانت تحتل المكان الضيق الذي يستقبل فيه الرئيس الراحل أقرب معاونيه. وبعد وفاة بومدين أجريت تغييرات على الجناح الرئاسي بأكمله، وقيل يومها إن الرئيس الشاذلي بن جديد كان يشك في وجود تجهيزات تنصت في مكتبه، وهكذا بني جناح جديد على الطراز العربي الإسلامي، يضم مكتبا فاخرا للرئيس ومكاتب لأقرب معاونيه.
«انتقل الرئيس، الذي كان يقطن مؤقتا في فيلا عزيزة، إلى الدار المجاورة للجناح الجديد، والتي كانت هي دار الرئيس بومدين القديمة والدار المجاورة لها، والتي كان يشغلها في مرحلة معينة العقيد شابو، أمين عام وزارة الدفاع الوطني، الذي قضى نحبه وعددا من مساعديه في حادث هليوكوبتر في ربيع 1971».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى