شوف تشوف

شوف تشوف

جوا منجل

يتعرض المغرب في المحافل الدولية لقصف مكثف هذه الأيام، في الوقت الذي يشهد برلمانه وحكومته أقصى درجات العبث السياسي والمهاترات الحزبية الفارغة.
البرلمان الأوربي قرر اعتماد، ومن جانب واحد وبشكل نهائي، تصرفا تفويضيا يقضي بمراجعةَ نظام أسعار ولوج الفواكه والخضر المغربية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن «ماطيشة» المغربية ستحتاج هي الأخرى إلى «فيزا» لكي تعبر نحو أسواق أوربا.
لحسن الحظ أن المغرب لديه «الحوت» الذي يستطيع أن يبيع حق اصطياده للروس أو الجابون أو أي قوم آخر يستطيع أن يدفع أحسن مما يدفع الاتحاد الأوربي.
وحتى الخضر والفواكه المغربية إذا بدأ الاتحاد الأوربي يفرض عليها الحواجز هناك أسواق أخرى واعدة يمكن للفلاحين المغاربة أن يبيعوا فيها محاصيلهم الزراعية. و«اللي عندو باب واحد الله يسدو عليه». ومحافظة واحدة من محافظات الصين يمكن أن تعوض المغرب في السوق الأوربية بكاملها.
أما في الأمم المتحدة فقد قلب السيد بان كي مون وجهه فجأة وكتب تقريرا جعل من نزاع الصحراء قضية تصفية استعمار عوض قضية نزاع إقليمي كما كان عليه الشأن، علما أن مجلس الأمن ليس مكلفا بملفات تصفية الاستعمار وإنما بتصفية النزاعات الإقليمية التي لها تأثير على الأمن والسلم العالميين.
والجميع ينتظر نهاية أبريل لكي يعرف على ماذا سيستقر رأي مجلس الأمن.
وبانتظار ذلك ماذا تصنع طبقتنا السياسية؟
إنهم مشغولون بصراع الديكة في البرلمان بين لائحة لشكر ولائحة الزايدي، وبسبب ذلك وجدت المؤسسة التشريعية نفسها رهينة بين يدي هؤلاء السياسيين الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم. ومن التصريحات العجيبة التي سمعتها وسط غبار هذه المعركة واحد للنائبة حسناء أبو زيد التي اختارها لشكر لكي تكون رئيسة الفريق البرلماني، قالت فيه لقناة العيون إن ترشيحها فتح الباب أمام المرأة الصحراوية الاتحادية لتولي مناصب المسؤولية.
والحال أن الجميع يعرف أن قرار لشكر اختيار أبو زيد، زوجة عامل الداخلية الاتحادي السابق سالم الشكاف، لرئاسة الفريق لا علاقة له بأصولها الصحراوية.
ومن يتأمل في حال هذه الخريطة السياسية المغربية يلاحظ أنها تشبه دربالة البوهالي المليئة بالثقوب والقذارات.
فحزب الاستقلال دخل في «بيات شتوي» طويل وأصبح يخسر قلاعه الواحدة تلو الأخرى، وآخر معركة أعطى فيها الحزب «حماره» كانت رئاسة مجلس النواب، حين عاد غلاب إلى بيته في الدار البيضاء لأول مرة بعد عشرين سنة على متن سيارته الشخصية ودفع لأول نمرة ثمن الرحلة على الطريق السيار.
فطيلة عشرين سنة وغلاب يتحرك على متن سيارات الدولة، واليوم بعدما لم يعد يتحمل أية مسؤولية فإنه سيعرف أخيرا أين وصل سعر الوقود.
وحتى جريدة الحزب التي كانت ملاذا لأقلام الرأي انتهت بيد أشخاص كل همهم أن يحولوها إلى أداة لتصفية حساباتهم الشخصية والعائلية.
أما حزب العدالة والتنمية الحاكم فمشغول عن توفير الشغل والصحة والعدل للمواطنين بمعركة التمكين لمناضلي الحزب داخل الجامعات والوزارات والمؤسسات العمومية.
الاتحاد الاشتراكي أصبح يثير الشفقة أكثر من أي شيء آخر، فكل ما يقوم به لشكر هو التهديد بفصل الزايدي وأنصاره بعد تجميد عضويتهم، وكل ما يقوم به الزايدي وأنصاره هو التهديد بشق الحزب وتشتيت أضلاعه وردم سقفه فوق رأس لشكر وصحبه.
أما الحركة الشعبية فمشغولة بتدبير الإرث بعد ذهاب العنصر، والسيوف مسلولة من غمدها بين «زرق العينين» أوزين ومبدع الفقيه بنصالح ولحسن حداد الذي عوض أن «تقلع» السياحة يقلع سعادته كل أسبوع نحو عاصمة من العواصم العالمية.
أما «واحد» حمامة التجمع الوطني للأحرار فيبدو أن المسكينة ضيعت مشيتها عندما أرادت أن تقلد الغراب، فلم تعد تعرف هل تمشي مثل الغراب أم مثل الحمامة. وإذا نحن نظرنا إلى البيت الداخلي لحزب التقدم والاشتراكية فسنجد أن جزءا من الرفاق يشحذون المناجل في صف نبيل بنبعد الله وجزء يصنع المطارق في صف خصومه الراغبين في أخذ مكانه على رأس الحزب الشيوعي الذي «تأسلم» على يد بنكيران.
وبمجرد ما هدأت معركة انتخاب رئيس مجلس النواب، التي وزع فيها الفرقاء السياسيون تهم الفساد في ما بينهم كما توزع قطع الحلوى يوم العيد على الأطفال، ها نحن نرى كيف أن المؤسسة التشريعية أصيبت بالشلل بسبب رفض رئيسها الجديد تطبيق القانون واختيار اللائحة التي استجابت للمعايير الدستورية، هذا في وقت يحتاج فيه المغرب لمؤسسة التشريعية لكي تقاتل في البرلمانات العالمية حيث مصدر القرار السياسي دفاعا عن مصالح المغرب العليا.
أما السيد رئيس الحكومة فيبدو أنه غير معني بملف الصحراء أو بملف الاتحاد الأوربي، وكل ما يشغل باله هو «بوسان» رجال التعليم للأطفال.
وقد بدأ رئيس الحكومة لقائه بطبع «بوسة» بريئة على خد عائشة الشنة، وهي امرأة على مشارف السبعين، مثلما أن بنكيران في الثانية والستين من العمر، حسب التقويم القمري، والستين حسب التقويم الشمسي، ولذلك فتقبيله للسيدات العجوزات لا يدخل في إطار المحظورات. وقس على ذلك تقبيله «حنك» زوجة السفير الأمريكي السابق في الرباط، وهي «البوسة» التي حرص رئيس الحكومة على وضعها في إطارها الصحيح حتى لا تغضب مدام نبيلة وتضرب عن إعداد «الهشيوات» التي يقتسمها بنكيران مع باها في مقر رئاسة الحكومة بعدما ينزعان أحذيتهما و«تقاشيرهما» وينشران رجليهما في صالون الإقامة.
ولذلك رأينا كيف انتفض رئيس الحكومة مطالبا الأساتذة والأستاذات بالامتناع عن تقبيل الأطفال، والحال أن الأطفال المغاربة يحتاجون من رئيس الحكومة أن ينشغل أكثر بتوفير كراس لهم في المدارس لأن أكبر نسبة للهدر المدرسي توجد في المغرب، وتوفير حقنة في المستشفيات لأن نسبة وفيات الأطفال في المغرب لازالت مخيفة. 123 ألف طفل مغربي يتم تشغيلهم في مهن صعبة، وهناك يتم الاعتداء عليهم. «وماشي غير بالبوسان» أسي بنكيران.
وفي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى الوحدة الوطنية وتقوية الشعور بالانتماء للوطن الواحد، نرى كيف يجتهد رئيس الحكومة في إطلاق الأحكام الجاهزة التي تقوي شوكة النعرات القبيلة. فعن أهل تطوان قال رئيس الحكومة أنهم كسالى و«ماكرهوش يديرو ليهم برلمان عندهم»، وعن فاس قال إنها أصبحت عاصمة الإجرام بعد أن كانت عاصمة العلم.
وهذا نوع من القفشات إذا كان مسموحا به للصحافيين فإنه يصبح عندما يخرج من فم رئيس الحكومة ذا حمول سياسية خطيرة يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. ويبدو أن إخوان العدالة والتنمية لا يستطيعون أن يمسكوا عليهم ألسنتهم عندما يتعلق الأمر بترديد مثل هذه الخطابات المثيرة للنعرات. فقبل أشهر انتشرت نكتة أبو زيد برلماني الحزب حول سواسة والبخل انتشار النار في الهشيم، فتلقى صاحبها العتاب الذي وصل إلى التهديد بالقتل، وطلب الحماية من الدولة واعتذر في النهاية وطوي الملف.
وها هو رئيس الحكومة هذه المرة يعود من جديد للتهكم على طباع ساكني بعض المدن وكأنه يبحث عن «جوا منجل» عوض أن يقوم بمسؤوليته الرئيسية التي انتخبه من أجلها من صوتوا له، في إيجاد الشغل لملايين المغاربة العاطلين.
فيبدو أنه إلى حدود اليوم نجح فقط في إيجاد شغل لنفسه ولإخوانه العاطلين في الحزب وحركة التوحيد والإصلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى