شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

أسرار العالم الذري

بقلم: خالص جلبي

 

الذرة هي أصغر جزء في الكون وقد سميت باللغة الأجنبية Atom، أي الجزء الذي لا يتجزأ، وقد كان يظن في القدم إنها أصغر شيء وهي جزء واحد لكل العناصر، ولكن العلم الحديث وجهود العلماء التي بذلت استطاعا أن يصلإ الى تحديد أساسي جوهري لبنية الذرة؛ فلقد وجدوا أن الذرة بتركيبها هي أقرب ما تكون للنظام الشمسي، فهي تتكون من الناحية المبدئية من ثلاثة أجزاء: في المركز يتوضع البروتون وهو ذو شحنة إيجابية ومعه النترون وهو ذو شحنة حيادية، وهناك في المدارات الخارجية تتوضع الإلكترونات وهي ذات شحنة سلبية، وعدد البروتونات الموجودة في النواة تساوي عدد الإلكترونات المتوضعة في المدارات الخارجية، وهكذا تتوازن الذرة من الناحية الكهربائية، وأما وزن الذرة فهو يتوقف بشكل أساسي على البروتون والنترون، حيث يوازي النترون من ناحية الوزن البروتون ويشكل معه الوزن الأساسي للذرة. ولقد وجد أن وزن البروتون هو 1.6 × 10-24 غرام، أي أن الغرام الواحد من الناحية الوزنية يساوي مليون مليار مليار مرة، أو بكلمة أخرى إن وزن البروتون هو جزء من مليون مليار مليار من الغرام على وجه التقريب، والنترون ذو الشحنة الحيادية يقترب بالوزن من وزن البروتون، ولذا يشكل مع البروتون كما ذكرنا وزن الذرة. أما الإلكترون فهو أخف من البروتون بكثير وإن كان يعادله من ناحية الشحنة الكهربائية، فوزن البروتون يساوي 1837 مرة مضاعفا عن وزن الإلكترون؛ ولذا فإن الأخير ذو وزن صغير جدا إذا قيس بالبروتون، وأما الشحنة الكهربائية للإلكترون أو البروتون المتعادلين فهي تساوي 1.6 × 10-19 كولون (وحدة من وحدات الشحنات الكهربية)، وأما من ناحية الأبعاد فالذرة تشبه شكلا كرويا، وقطرها ضئيل يعادل الأنغستروم (10-8سم)، أي جزء من مائة مليون من السنتمتر، ولكن العجيب يكمن في أن قطر النواة هو من رتبة 10-12 سم، أي أصغر من قطر الذرة بـ10 آلاف مرة بحيث لو أننا كبرنا على سبيل المثال ذرة الهيدروجين مليار مرة فإن الذرة تصبح كرة يصل قطرها إلى قدمين، ولكن الكتلة الذرية، أي النواة، ستجتمع (بروتونات ونترونات) بشكل حبة الرمل في مركز الكرة، والسبب في هذا يعود إلى الفراغ الهائل في تكوين الذرة ما بين البروتونات والإلكترونات، وهو كما ذكرنا ينوف على 10 آلاف مرة، وهو في الحقيقة أمر يدعو إلى الدهشة والحيرة في أسرار الذرة وألغازها التي كشف العلم عنها.

ونضرب مثلا على ذلك فنقول: لو أن عشرة ملايين ذرة اجتمع بعضها بجانب بعض، فإنها تبلغ طولا قدره مليمتر واحد فقط، والغريب هو في ما يسمى بعدد (أفوغادور) أو الذرة الغرامية، فما هي يا ترى أعداد الذرات في غرام واحد من الهيدروجين مثلا؟

يقول العلماء إنهم توصلوا إلى حساب عدد الذرات الموجودة في غرام واحد من الهيدروجين بطرق متعددة ومعقدة، وكلهم اتفقوا على رقم واحد هو 6.2 × 10 23، أي إذا أردنا أن نسميه فنقول إن غراما واحدا من الهيدروجين فيه 600 ألف مليار مليار ذرة، وهو عدد يجعل الرأي يدور ويعجز عن التخيل.

نقول ولتوضيح الفكرة إنه إذا وضعنا هذه الذرات جانب بعضها بعضا في خط مستقيم، فكم سيكون طول الخط الذي ستشكله هذه الذرات من غرام واحد فقط من الهيدروجين؟ إن هذا الخط سيكون بطول 400 ضعف عن الطول الممتد ما بين الشمس والأرض والذي هو 93 مليون ميل، فما رأيك أيها القارئ؟

وأما الإلكترونات ذات الشحنة السلبية والتي تتوزع في المدارات الخارجية، فهي تدور حول النواة، ولكن بأي شكل يا ترى؟ لقد اختلف العلماء في هذا الصدد ابتداء من الذين اكتشفوا المعطيات الأولى للذرة، ومن جملتهم (إرنست رذرفورد) البريطاني و(نيلز بور) الدانماركي، وأخيرا (فيرنر هايزنبرغ) الألماني، حيث استطاعوا أن يصلوا إلى تفسير يعتبر عجيبا في حد ذاته عن دوران الإلكترون حول البروتون، فقالوا إنه لا يمكننا بالضبط أن نعرف في لحظة معينة أين يوجد الإلكترون في دورانه حول البروتون، قد نقول إنه يحتمل في لحظة ما أن يكون احتمال وجوده أكثر في نقطة دون أخرى، أما تعيين ذلك بالضبط فهو غير ممكن، ولنسمع إلى طرف من أقوالهم في هذا الصدد وهو مبدأ عدم التأكد.

يقول هايزنبرغ: إن معلوماتنا في لحظة معينة عن مكان أي جسم مادي صغير وحركته ليست دقيقة تماما، أي أن هنالك شكا في صحتها يزداد كلما كان الجسم أصغر، وهذا الشك جزء من طبيعة الأشياء، ولا علاقة له بتاتا بخواص الجهاز المستعمل للفحص أو القياس، وبالتالي فإنه لا توجد أي واسطة للتخلص منه، وهو موجود في جميع القياسات إنما يصبح واضحا، ويجب أخذه بعين الاعتبار فقط في حالة الأجسام الصغيرة جدا).

وهكذا يمكن القول إن الإلكترون لا يتبع مسارا معينا محددا في حركته حول النواة، بل هو حر في أن يتحرك في كل الفراغ المحيط بالنواة، وكل ما نستطيع معرفته هو احتمال([1]) وجود الإلكترون في مكان معين في لحظة معينة، ولذلك فإن سلوك الإلكترون يعين كـ(تابع احتمال) باللغة الرياضية.

والعجيب يكمن في سرعة دوران الإلكترون حول النواة التي لا يعادلها شيء سوى سرعة الضوء، وهي سرعة محيرة لا يمكن تصورها، بل يمكن تعقلها فقط. حيث إن سرعته أن  قطر الذرة كما قلنا هو 10-8سم، أي جزء من مائة مليون من السنتيمتر، لقد وجد أن سرعة دورانه هي  من سرعة الضوء،

والمعلوم أن سرعة الضوء هي 300 ألف كلم في الثانية الواحدة، فتكون سرعة دوران الإلكترون في الثانية الواحدة حول النواة هي ثلاثة آلاف كيلومتر/ ثا، وهو فعلا رقم محير ومدهش لمن يقف ويتأمل أسرار الكون والحياة، حيث يضج كله بالحياة والحركة في صورة دوران الإلكترون حول النواة، ولذا يمكن تصور الإلكترون كغمامة مشحونة سلبا، تختلف كثافتها من نقطة لأخرى، ولكنها تزداد في المناطق التي يكون وجود الإلكترون فيها أكثر احتمالا كما ذكرنا.

نافذة:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى