شوف تشوف

الرئيسية

ابن المصور والعازف يحمل «مازغان» بلوحاته نحو العالمية

حسن البصري
حرص أندري الباز على اقتفاء أثر العائلة بين الجديدة والدار البيضاء، حيث يتوقف عند العديد من الأمكنة ويجس نبض ما تبقى من ذاكرتها، ولأنه فنان تشكيلي فإنه لا يتردد لحظة لتقديم ملاحظاته حول الألوان لمن يهمه أمر مازغان.
في أندري شيء من عالم الآثار حين يتوقف كثيرا أمام بنايات مهملة، وفيه شيء من شاعر المرثيات ومن مؤرخ سقط لهوا في ورشة الرسم.
ولد أندري عام 1934 في الدار البيضاء، كان والده مصورا مشهورا وعازفا مشهودا له بالقدرة على الطرب والفن الفوتوغرافي، إلا أن طموحه دفعه للبحث عن آفاق أخرى في المجال التجاري، إذ كان يملك مصنعا صغيرا للحلويات، فكون بنفسه ما يشبه «الهولدينغ»، حيث كان يضع رهن إشارة زبنائه الراغبين في إقامة أعراس الحلويات اللازمة ويتعهد بالغناء رفقة فرقته الموسيقية كما يقوم بالتصوير رفقة فريق عمله، فيما تتكلف الأم بتزيين العرائس.
كانت أسرة الباز تقطن في وسط الدار البيضاء غير بعيد عن سينما «فيردان» معقل اليهود المغاربة، وحين تعرضت المدينة للغارة الفرنسية في غشت 1907، اضطر الوالد إلى الرحيل صوب مدينة الجديدة، لكن الحنين إلى الدار البيضاء ظل حاضرا يسكن الوالد، حيث عاد إلى العاصمة الاقتصادية، وما أن استقرت الأوضاع حتى تجدد القصف، لكن هذه المرة من طرف قوات الحلفاء وتحديدا يوم 11 نونبر 1942، في ما يعرف بعملية «الشعلة» التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد فرنسا التي كانت حكومتها موالية للألمان، فأسفرت الغارة عن مقتل العديد من الجنود الفرنسيين، والمغاربة المسلمين واليهود. وبعد ثلاثة أيام من المواجهات الدامية، قفزت الجديدة مرة أخرى إلى ذهن الباز، فلجأ إليها هربا من الفوضى التي أعقبت ما عرف بـ«زمن السيبة». وفي مازغان بدأت الأسرة حياة جديدة في درب الكباص وكانت تتكون من سبعة أفراد، هناك استعاد الأب موهبتي الطرب والتصوير، إذ لم تكن أفراح يهود هذه المدينة تستقيم إلا بوجود الباز مطربا ومصورا، والأم مزينة.
تعلم الابن أندري فن الرسم، وحمل منذ صغره الفرشاة وعشق الألوان، قال في حوار له مع جريدة «البيان»، خلال إحدى زياراته لمدينة الجديدة، إنه أول فنان تشكيلي محترف في مازغان، مبرزا خصائص المدينة التي ساعدته على بلورة موهبته في المغرب.
يقول أندري، وهو يستعيد ما تبقى من ذكريات زمن مازغان: «كان والدي هو أول من استخدم آلة التصوير اللحظية، وكان الناس يستغربون عند حصولهم على الصور بعد دقيقة، في مدخل بيتنا كتبت لوحة عليها اسم والدي مع إضافة صفة تمنحه حق الاشتغال في المجال الإبداعي «تصوير الباز.. أعمال فنية» أي أن المنزل كان عبارة عن استوديو لاستخراج الصور، ومع مرور الأيام استأجر محلا في الحي الأوربي خصصه للتصوير غير بعيد عن سينما «ديفور»».
كان الباز الأب يجمع بين فن التصوير وفن الطرب، كان عازفا على الناي، ونادرا ما يعود إلى بيته مبكرا، أما أندري فرحل إلى الرباط لاستكمال دراسته وعاد إلى الجديدة للاشتغال في مجال الطباعة غير بعيد عن مجال تخصص والده.
سافر أندري إلى فرنسا لاستكمال دراسة الفنون الجميلة وهو يفتخر بالمغرب وبملكه محمد الخامس الذي ظل يحمي اليهود المغاربة ويمنع عنهم الأذى، لذا يعتز الباز بلوحة السلطان التي عبر فيها بأنامله عما يكنه لمحرر البلاد من حب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى