شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ابن تومرت يُبعث من جديد..

 

 

يونس جنوحي

 

لا ضجيج إلا ضجيج الصمت في المنطقة التي يوجد فيها مسجد «تينمل» التاريخي، أو ما تبقى من أطلاله. وللذين لا يعرفون المكان، فهو ضاحية جبلية تقع بين تارودانت ومراكش عبر الطريق الجبلية الشهيرة «تيزي نتاست».

هذا المسجد التاريخي يعود إلى القرن الثاني عشر، أيام كان الموحدون يحكمون المغرب، وهو يُحيل على سيرة ابن تومرت، الذي لا يعرف أغلب المغاربة عنه أي شيء سوى أن اسمه يُطلق حاليا على بعض الثانويات والملحقات الإدارية المطلية بالأبيض. وهو الذي حكم المغرب وأرسى دعائم الدولة الموحدية وارتبط هذا المسجد باسمه، مما يجعل عملية الترميم أشبه ما تكون ببعث سيرته من جديد.

الخبراء يعتبرون أطلال مسجد «تينمل» علامة على النبوغ المغربي في الهندسة المعمارية وامتدادا للحضارة المغربية التي بصمت مساجد الأندلس وامتدت لتشمل بقاع أخرى من العالم. ورغم أن المسجد بقي مغلقا لسنوات طويلة، إلا أن السياح -محليين وأجانب- كانوا يكتفون بتأمل المسجد والتجول بين أعمدته الهائلة ويتأملون السماء المكشوفة فوق رؤوسهم.

الزلزال المدمر الذي أصاب المنطقة، في الثامن من شتنبر خلال العام الماضي، أتى على أجزاء مهمة من صروح المسجد وأسواره وأعمدته، وكاد أن يمحو هذه المعلمة التاريخية من الخارطة.

وفي مقابل الصمت الأليم الذي يحيط بالمنطقة، حيث توجد قرية تينمل، هناك سريان خفيف لأخبار أخرجت السكان من رتابة أيامهم، وأصبحوا يتحدثون حاليا عن خبراء إيطاليين حلوا في القرية لتفقد أطلال المسجد والمشاركة في أشغال الترميم، الذي انطلق بعد الزلزال في إطار مبادرة ترميم المواقع التاريخية المتضررة عموما من الكارثة.

سكان قرية «تينمل»، حيث لا توجد إلا بعض المنازل المتناثرة هناك وهناك في الجبل، ودكان يُفتح عندما يشاء صاحبه أن يمارس التجارة وأطفال يتقاذفون كرة «مفشوشة» ويسترقون النظر بين الفينة والأخرى إلى الحافة لكي يلمحوا السيارات المارة من بعيد عبر المنعرجات، كانوا معتادين على رؤية حافلات السياح وسيارات المسافرين المغاربة وهم يتوقفون لتأمل مكان المسجد والتقاط الصور التذكارية بجانبه قبل مواصلة طريقهم إلى الأمام.

وهكذا فإن أشغال ترميم المسجد هي الشغل الشاغل حاليا لكل الأهالي وأقاربهم. الجميع ينتظرون أن تنتهي هذه الأشغال لكي يروا النتيجة النهائية، وما إن كان المسجد في حلته الجديدة سوف يشبه الشكل القديم الذي تركه أجداد أجدادهم قبل ألف سنة وأكثر، أم أن «ندبة» الزلزال لن تزول.

يتداول السكان هناك أخبار مفادها أن المسؤولين المغاربة راسلوا السفارة الإيطالية للاستعانة بخبرات المهندسين الإيطاليين في مجال ترميم المآثر التاريخية، على اعتبار أن إيطاليا تضم آلاف القصور والمآثر والمعالم، استفادت كلها من دورات ترميم منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، ويتوفر الإيطاليون على خبراء راكموا خبرات تفوق الأربعين سنة قضوها في ترميم المآثر الإيطالية، خصوصا في المدن التاريخية حيث تنتشر الكنائس ودهاليز دور الرهبان.

حلول هؤلاء الخبراء الإيطاليين جعل السكان المحليين يصدقون فعلا أن هؤلاء المهندسين سوف يضعون خبرتهم لجعل تجربة ترميم مسجد «تينمل» التاريخي، ناجحة.

من مفارقات الزمن أن أجدادنا كانوا يأتون بالعاملين الأوروبيين للمشاركة في بناء القصور التاريخية، قبل أربعة قرون، على اعتبار أنهم أسرى حرب تستعين بهم الدولة. وها نحن اليوم نرى كيف أن العالم طوى صفحات من التوتر، وأصبح الخبراء الأوروبيون لا يمانعون أن يُشاركوا خبرتهم مع المغاربة لجعل النتيجة النهائية للترميم أقرب ما تكون إلى بعث الحياة من جديد في أعمدة مسجد كان ولا يزال، شاهدا على مغرب قديم، كانت فيه قرية «تينمل» الهادئة، مقرا للأركان العامة للدولة المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى