شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

التاريخ المنسي للسيارات في المغرب

بدأت مع السلطان الحسن الأول وتطورت مع عائلات ثرية

«السلطان الحسن الأول أول من اقتنى سيارة من نوع «مرسيدس». والقصر الملكي تلقى عربة هدية منذ أيام المولى إسماعيل، كانت وقتها تعتبر ثورة في عالم النقل. لكن المغاربة تعرفوا على السيارات لأول مرة في طنجة الدولية، ثم وصلت إلى قلب فاس في عهد المولى عبد العزيز، وتسببت هذه الحركة في انقسام للشارع المغربي، حيث إن الأغلبية رفضت وجود السيارات الأوروبية في البلاد.
تطورت الأمور، إلى أن صار المغاربة يتسابقون على اقتناء السيارات منذ أزيد من تسعين سنة، ومرت البلاد بكواليس تجمع بين الطرافة والغرابة في هذا الباب، إلى أن صار المغرب مُصنعا للسيارات، بعد أشواط تاريخية طويلة..».

يونس جنوحي

+++++++++++++++++++++

عائلات مغربية كانت وراء إدخال «علامات فاخرة» للبلد
في عهد الملك الراحل محمد الخامس، فُوتت رخص استيراد أنواع من السيارات الفاخرة، خصوصا الأمريكية والبريطانية، لبعض المغاربة الذين تقدموا بطلبات من هذا النوع.
وقتها كان الملك الراحل محمد الخامس يحيل هذه الطلبات على وزارة النقل التي كان يشغلها الاستقلالي محمد الدويري، وهذا الأخير كان عضوا بارزا في لائحة الوزراء الاستقلاليين، وهو ما زكى الأقاويل التي انتشرت بقوة بعد سنة 1956، عن هيمنة الفاسيين على عالم المال والأعمال.
إذ إن انحدار الدويري من عائلة فاسية عريقة، زاد من ترسيخ هذه الفكرة، سيما مع بداية انتشار مراكز بيع السيارات الفاخرة في المغرب، مع نهاية الخمسينيات.
الماركتان الأمريكيتان «فورد» و«فولفو» كانتا على رأس السيارات الفاخرة التي اقتناها المغاربة الأثرياء. في حين أن ماركة «فولسفاغن» الألمانية كانت أكثر انتشارا، بسبب انخفاض سعرها مقارنة مع النوعين السابقين.
أما السيارات الفرنسية فقد كانت منتشرة بقوة في المغرب، إلى درجة أن الفرنسيين أبقوا على محلات بيع قطع الغيار، بحكم ان أسطول السيارات الفرنسية الذي بقي في المغرب بعد الاستقلال كان متهالكا، ويعود إلى فترة الحرب العالمية الأولى.
ومن بين أسطول السيارات الفرنسية التي بقيت في المغرب، سيارات الخدمة التابعة للإدارات التي ورثها المغاربة عن فرنسا. إذ إن هذه السيارات كانت دائما في حاجة إلى قطع الغيار، وبقيت في الخدمة لسنوات أخرى إضافية.
مع بداية انتشار مراكز البيع التي امتلكتها العائلات المغربية مثل عائلة بنجلون، تعرف المغاربة على أنواع فاخرة من السيارات بيعت في المغرب.
ومنذ سنة 1956، فازت عائلة «حكم» المغربية، المعروفة في الرباط، برخصة استيراد ماركة «المرسيدس» الألمانية، حيث كان أول مركز بيع في الرباط مملوكا لهذه العائلة، وبقيت تحتكر استيرادها لسنوات طويلة. وفي بداية ستينيات القرن الماضي، رغم اشتداد المنافسة بين أثرياء المغرب للفوز بالعقود الاحتكارية، إلا أنهم أبقوا على رخصة استيراد «المرسيدس» لسنوات أخرى.
إذ إن عمر بنجلون، أخ عثمان بنجلون، كان يهمين على سوق استيراد علامة «جاغوار» إلى المغرب، بالإضافة إلى الشاحنات الأمريكية.
وسوق الشاحنات جعل عمر بنجلون، يراكم قيد حياته ثروة كبيرة، إذ كان يعتبر الموزع الحصري للشاحنات الأمريكية في المغرب.
أما عائلة كريم العمراني، الذي كان وزيرا أول أيام الملك الراحل الحسن الثاني، فقد استوردت علامة «الرونج» إلى المغرب، وبقيت ابنة الوزير الأول لسنوات، المستورد الأبرز لهذه العلامة إلى المغرب.
الأخبار الأخيرة إذن، عن كواليس صناعة أول ماركة مغربية للسيارات، والتي تقتحم عالم السيارات التي تسير بالطاقة البديلة عن البترول، والتي تشكل ثورة مستقبلية كبيرة، ليست وليدة اليوم فقط، وإنما هي تراكم سنوات طويلة من التجارب المغربية في عالم السيارات. إذ إن المغرب يبقى واحدا من أقدم الدول التي انتشرت فيها السيارات بحكم قربه من أوروبا، وأيضا بحكم الأحداث التاريخية التي عاشتها البلاد أثناء السباق المحموم بين الحكومات الأوروبية حول النفوذ.
عندما حصلت الجزائر على الاستقلال سنة 1962، لم تكن البلاد تتوفر على أي أسطول سيارات، بحكم أن فرنسا الاستعمارية تركت البلاد أشبه ما تكون مخربة، وكانت مبادرة الملك الراحل الحسن الثاني تاريخية في تلك السنة، إذ أقدم على اقتناء أسطول كامل من سيارات «مرسيدس» الألمانية، وأهداها إلى وزراء الحكومة الجزائرية الأولى، لتكون بذلك أول أسطول سيارات امتلكتها الجزائر المستقلة.

شهادة تاجر مغربي توثق لدخول السيارات إلى فاس أول مرة
في الفترة التي كان يمر فيها المغرب بأحلك فترات الانتقال السياسي وأكثرها عنفا، والتي تزامنت مع فترة 1907 و1908، دخلت السيارات لأول مرة إلى مدينة فاس قادمة من طنجة، لزيارة المولى عبد العزيز.
في هذه الشهادة التي نوردها هنا، والتي نقلها الصحافي البريطاني لاورنس هاريس في مذكراته عن المغرب، التي وثق فيها للقائه بالسلطان مولاي عبد الحفيظ، ذكر هذا الصحافي كواليس لقائه بأحد أشهر أثرياء فاس، والذي كان اسمه سي عبد الله بن مقتة. هذا الثري الفاسي رغم أنه كان محميا بريطانيا، إلا أنه عارض دخول السيارات إلى المغرب واعتبرها مظهرا من مظاهر انتشار الأمور المحرمة بين المغاربة. حتى أن هذا الثري لم يُخف للصحافي هاريس ما كان يحس به بخصوص السيارات، حيث اعتبر أنها سبب خراب المغرب وأنها السبب الأول لثورة العلماء ضد المولى عبد العزيز، متعللين أنه يتعامل مع النصارى. جاء في شهادة هذا الثري المغربي ما يلي: «لم نكن نحب أن نرى الأموال تصرف على شراء الألعاب والآلات التي تسير دون أن تجرها الحيوانات، إنها مسكونة بالشر والأرواح الشريرة. رأينا كيف أن السلطان ركب مرة واحدة من تلك الآلات مع أصدقائه النصارى، وقطعوا بها المدينة في رحلتهم إلى إحدى الحدائق.
ونحن نعلم أن تلك العجلات ليست للمؤمنين الذين يخافون الله.
عندما علمت القبائل بهذه الأمور، صاح الجميع عاليا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا نريد المزيد من هذه الأمور».
شهادة هذا المحمي المغربي ما هي إلا توثيق صريح لما كان يؤمن به الأعيان المغاربة في ذلك الوقت، إذ رغم تسابقهم نحو الحصول على الجوازات الأجنبية لكي يحموا أموالهم، إلا أنهم كانوا ضد أوروبا في ما يتعلق بالاختراعات الغامضة، وعلى رأسها السيارات.
وما زاد من تعميق أزمتهم، موقف علماء القرويين الذين أفتوا بتحريم ركوب السيارات، على اعتبار أنها عربات لا تجرها الخيول ويُجهل مصدر سيرها، وهو ما جعل البسطاء المغاربة الذين عاينوا مرورها قربهم لأول مرة، يجزمون أن هذه السيارات تُحركها قوى خارقة لم يكن مستبعدا أن تكون من الجن.
لكن سرعان ما تلاشت هذه الأفكار، مع توقيع معاهدة الحماية وانتشار سيارات الموظفين الفرنسيين، وتبين أنها تسير بالبنزين، وقبلها كانت سيارات تسير بالبخار، وهو ما جعل العلماء يتوقفون عن إصدار الفتاوى وتحريض الناس ضد السيارات.
لكن أكثر ما جعل هذه الأزمة تنتهي، رؤية الناس في الرباط للمولى يوسف، بعد سنة 1912، وهو يستقل سيارة مع وفد فرنسي في وسط شوارع المدينة، وهو ما كان كافيا لكي يجعل الناس يراجعون أفكارهم ومواقفهم بشأن السيارات الأوروبية.
وعندما أصبح كبار الأعيان المغاربة يملكون السيارات، ومنهم من كانوا من أشد معارضيها أيام فتنة فاس، أصبح المغاربة يتداولون في ما بينهم طرائف معتقداتهم الأولى بشأن السيارات. ولم تمض إلا فترة قصيرة حتى صارت السيارات تملأ شوارع المدن، وتسابق المغاربة على امتلاكها.
ومن بين الأمور المثيرة التي تتعلق بعلاقة المغاربة بالسيارات، افتتاح مراكز للصيانة امتلكها فرنسيون، لتوفير خدمات الصيانة للفرنسيين الذين عاشوا في الدار البيضاء والرباط وامتلكوا السيارات الأولى، حيث إن هؤلاء الفرنسيين شغلوا معهم مغاربة، وتعلموا منهم أسرار عمل المحركات، إلى أن صار رؤية عمال مغاربة في تلك «المرائب» أمرا عاديا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى