شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

التعليم العالي.. الميراوي يتخبط في إصلاحات ارتجالية

نصف الطلبة المغاربة يغادرون الجامعات بدون شهادات

تكشف التصنيفات الدولية للجامعات المغربية عن أزمة حقيقية بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حيث تحتل الجامعات في مختلف التصنيفات مراتب متأخرة، رغم توالي الإصلاحات التي كلفت ملايير الدراهم من خزينة الدولة. فكل الدول تشجع على البحث العلمي وتخصص لذلك ميزانيات باهظة، لكون البحوث العلمية تعتبر مقياسا لتقدم هذه الدول ونموها الاجتماعي والاقتصادي. فالدول التي تعرف كيف تطبق نتائج الأبحاث العلمية التي تقوم بها جامعاتها، نجدها دائما تحتل مكان الصدارة في مجالات علمية عديدة، لكن في المغرب نجد أن الحكومة ترصد دعما هزيلا لتشجيع البحث العلمي، وهناك مؤشرات تدل على استمرار ضعف منظومة الجامعات والبحث العلمي، ووجود مشاكل حقيقية تعيق تطورها وإنتاجها المعرفي ومساهمتها الضرورية في التنمية والإبداع. ولذلك لا يمكن المساهمة في خلق تنمية حقيقية تجيب عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية دون بلورة سياسة للنهوض بوضعية البحث العلمي وتطويره.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

لغات التدريس عائق يواجه الطلبة بالتعليم العالي

 

 

اعتبارا للأهمية الخاصة للغات في تحسين جودة التعليم، وفي النجاح الدراسي، وفي المردودية الداخلية والخارجية للمدرسة، وفي النهوض بالبحث وفي تحقيق الإندماج، فإن الرؤية الاستراتجية لإصلاح التعليم التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، جعلت منها رافعة قائمة بذاتها، مع استحضار ارتباطها العضوي بالنموذج البيداغوجي.

ويعتبر المجلس أن تحديد وضع كل لغة على حدة داخل المدرسة بوضوح، يعد عاملا حاسما في تطوير تدريس اللغات والتدريس بها، ومن ثم تحقيق التكامل فيما بينها، وكذا الانسجام بين المكونات القطاعية للمنظومة. ومن هذا المنظور، حث المجلس على مراعاة عدة اعتبارات، أهمها اعتبار اللغة العربية كلغة رسمية للدولة ولغة معتمدة في تدبير الشأن العام، ومقوم أساسي من مقومات الهوية المغربية واللغة الأساس والأولى للتمدرس، كما تحضر اللغة الأمازيغية وهي أيضا لغة رسمية للدولة، وكرصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء، ولغة مدرجة في المدرسة منذ 2003، يتعين تطوير وضعها في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع مقتضيات الدستور.

أما بشأن اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، فقد حثت رؤية مجلس الأعلى للتربية والتكوين على ضرورة الانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر، ما يتعين تنمية تدريسها وتعلمها في أسلاك التعليم والتكوين، وكذا توظيف المقاربات البيداغوجية الكفيلة بتعلمها المبكر، وانطلاقا من ذلك وضع المجلس هندسة لغوية تتوخى تحقيق الإنضاف وتكافؤ الفرص في التمكن من اللغات، فهما وشفهيا وقراءة وكتابة وتعبيرا، ومن ثم جودة التعلمات.

ومن بين أهداف الرؤية الاستراتجية، جعل المتعلم عند نهاية التعليم الثاني التأهيلي (الباكالوريا) متمكنا من اللغة العربية، وقادرا على التواصل باللغة الأمازيغية، متقنا للغتين أجنبيتين على الأقل، وذلك ضمن مقاربة متدرجة تنتقل من الازدواجية اللغوية (العربية+لغة أجنبية) إلى التعدد اللغوي (العربية+لغتين أجنبيتين أو أكثر)، مع إعطاء الأولوية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في المدرسة، وأوصت الرؤية باعتماد اللغة العربية لغة التدريس بالأساس. ويتم تفعيل مبدأ التناوب اللغوي بالتدرج على أساس تدريس بعض المضامين أو المجزوءات باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى القريب، وفي التعليم الإعدادي على المدى المتوسط، وباللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى المتوسط.

وتنتظم الهندسة اللغوية المقترحة، حسب الأسلاك التعليمية والتكوينية، والتي ينبغي الشروع في تطبيقها ابتداء من المدى القريب، وخلال المديين المتوسط والبعيد، من خلال استثمار المكتسبات اللغوية والثقافية الأولية للطفل في التعليم الأولي، وإدراج اللغة العربية واللغة الفرنسية، والتركيز على التواصل الشفهي انسجاما مع طبيعة هذا المستوى من التعليم. أما في التعليم الابتدائي، فتنص الرؤية على إلزامية اللغة العربية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مُدَرَّسة ولغة تدريس جميع المواد، وإلزامية اللغة الأمازيغية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مًدَرّسة؛ مع التركيز على الكفايات التواصلية في السنتين الأولى والثانية، وإدراج الاستعمال الكتابي فيما تبقى من هذا السلك؛ على أن يتم بالتدرج، تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في التعليم الإعدادي في أفق تعميمها في باقي المستويات التعليمية، وإلزامية اللغة الفرنسية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مًدَرّسة، وإدراج اللغة الإنجليزية في السنة الرابعة في أفق نهاية العشر سنوات الجارية؛ هذا المدى يسمح باستكمال توفير المدرسين والعدة البيداغوجية اللازمة لذلك في مستوى الابتدائي.

وفي التعليم الإعدادي، تحث الرؤية على إلزامية اللغة العربية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مُدَرَّسة؛ ولغة التدريس الأساسية، وتعميم تدريس اللغة الأمازيغية بالتدرج، وإلزامية اللغة الفرنسية في مستويات هذا السلك كافة؛ بوصفها لغة مُدَرَّسة، كما يتم، على المدى المتوسط، إدراجها لغة لتدريس بعض المضامين أو المجزوءات، وإلزامية اللغة الإنجليزية في مستويات هذا السلك كافة بوصفها لغة مُدَرَّسة، والشروع في تطبيق هذا الاختيار في المدى القريب، وتعميمه في المدى المتوسط.

وفي التعليم الثانوي التأهيلي، دعت الرؤية إلى إلزامية اللغة العربية؛ بوصفها لغة مُدرسة؛ ولغة التدريس الأساس، وتعميم تدريس اللغة الأمازيغية بالتدرج، وإلزامية اللغة الفرنسية، بوصفها لغة مُدرسة. كما يتم إدراجها لغة لتدريس بعض المضامين أو المجزوءات في المدى القريب، وإلزامية اللغة الإنجليزية بوصفها لغة مُدرسة. كما يتم إدراجها لغة لتدريس بعض المضامين أو المجزوءات على المدى المتوسط، وإحداث شُعب متخصصة في اللغات وآدابها وثقافاتها وحضارتها، وإدراج لغة أجنبية إلزامية ثالثة على سبيل الاختيار، سيما اللغة الإسبانية، مع مراعاة الخصوصيات والحاجيات الجهوية من اللغات.

أما على مستوى التعليم العالي، فتؤكد الرؤية على ضمان تنويع الخيارات اللغوية في المسالك والتخصصات والتكوينات والبحث، وفتح مسارات لمتابعة الدراسة باللغات: العربية؛ الفرنسية؛ الإنجليزية؛ الإسبانية في إطار استقلالية الجامعات، وحاجات التكوين والبحث لديها، ومراعاة متطلبات الجهوية، وتشجيع البحث العلمي والتقني بمختلف تخصصاته باللغة الإنجليزية، وإحداث مسالك تكوينية ووحدات للبحث المتخصص في اللغتين العربية والأمازيغية، وفي اللغات الأجنبية، مع إدراج التكوين في كفايات التواصل بالعربية وبالأمازيغية في مؤسسات تكوين الأطر، وإدراج وحدة مدرسة باللغة العربية في المسالك المدرسة باللغات الأجنبية في التعليم العالي، بالنسبة للمغاربة.

ميراوي أقبر نظام البكالوريوس الذي وضعه أمزازي

 

أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عن إقبار نظام البكالوريوس الذي أطلقه سلفه الوزير السابق، سعيد أمزازي، تزامنا مع نهاية الولاية الحكومية السابقة، وشرعت بعض المؤسسات الجامعية في تنزيله منذ الموسم الجامعي الجاري.

وأوضح ميراوي في رده على سؤال شفوي بمجلس النواب، حول «نظام البكالوريوس»، أن تنزيل نظام الباشلور في بعض المسالك كان تجريبيا، على أن يتم النظر في إمكانية تعميمه مستقبلا، إلا أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أبدى عدة ملاحظات بخصوص هذا النظام، معتبرا أنه يطرح مجموعة من الصعوبات التنظيمية والتدبيرية.

وأبرز ميراوي أن أهم النقاط التي تناولها تقرير المجلس تتعلق بتمديـد مـدة التكويـن بالسـلك الأول مـن التعليـم العالـي بسنة إضافية، إذ اقتصـر علـى إرسـاء وحـدات الكفايـات الحياتـية والذاتـية ووحـدات الانفتاح، وأفضـى إلـى تقليـص فـي الغـلاف الزمنـي المخصـص للوحـدات المعرفيـة من  80 إلى 54 في المائة؛ عدم إبراز البعد المهني لسلك البكالوريوس، كما يوضح ذلك غياب وحدات ممهننة في هيكلته البيداغوجية، بالإضافة إلى عدم وضوح التصور الذي سيعتمد لتنويع العرض التكويني لمؤسسات الاستقطاب المفتوح وملاءمته مع الحاجيات التنموية. كما لم تتم الإشارة إلى كلفة تعميم الباشلور، أو حتى انعكاساته على جودة منظومة التعليم العالي، فضلا عن أن إشكالية التأطير البيداغوجي في المؤسسات ذات الولوج المفتوح تظل مطروحة، خصوصا في ما يتعلق بالتكوين في اللغات والمهارات الأفقية، بالنظر إلى العدد المرتفع للطلبة بهذه المؤسسات.

وأخذا بعين الاعتبار النقاط المذكورة آنفا، يضيف الوزير، ونظرا إلى غياب النصوص التشريعية المؤطرة له، فقد تقرر التراجع عن تعميم نظام الباشلور والاستمرار في العمل بنظام الإجازة كما هو معمول به حاليا، مع العمل على بلورة إصلاح شامل للمنظومة، وفق مقاربة تشاركية ابتدأ العمل بها بالتنسيق مع جميع الفاعلين، حيث قامت الوزارة بإطلاق سلسلة من المشاورات من أجل بلورة المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.

وأكد ميراوي أنه من بين طموحات هذا المخطط الوطني إرساء إصلاح بيداغوجي شامل ومندمج، واعتماد مقاربات متجددة ومبتكرة، بما في ذلك إدراج الكفايات الذاتية والحياتية كجزء لا يتجزأ من مسار التكوين، بغية تعزيز قابلية التشغيل لدى الخريجين، ودعم قدراتهم على التكيف مع التطورات المتسارعة لسوق الشغل، بالإضافة إلى تملكهم للحس المدني وقيم المواطنة المسؤولة، والتطوع الجمعوي، والإلمام بالتاريخ العريق للمملكة وروافدها الثقافية ورموزها.

وبخصوص مصير الطلبة الذين تم تسجيلهم في نظام البكالوريوس، أفاد الوزير بأن كافة الطلبة المسجلين في مسالك الباشلور المفتوحة، برسم السنة الجامعية الحالية، قد تم إدماجهم في مسالك الإجازة المعتمدة في الدراسات الأساسية، أو مسالك إجازة جديدة في نفس التخصص، مع الحفاظ على المكتسبات التي تم إنجازها.

50 في المائة من الطلبة يغادرون الجامعات بدون شهادات

 

كشف عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عن معطيات صادمة بخصوص الهدر الجامعي، موضحا أن نسبة الهدر لدى الطلبة في الجامعات تصل إلى 50 في المائة، حيث أكد في عرض قدمه، أمام المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن هناك من الطلبة من يقضي أربع أو خمس سنوات في الإجازة، مقابل 25 في المائة فقط ممن يحصلون على الإجازة في ثلاث سنوات. مبرزا أن معدل البطالة عال بين صفوف حاملي الشهادات الجامعية، وذلك يعود إلى ثغرات عديدة، أولها ضعف الكفاءات اللغوية، والمهارات الذاتية.

في السياق ذاته، أوضح ميراوي أن النظام الجامعي المغربي من حيث التأطير، «هو من أسوأ ما يوجد في حوض البحر الأبيض المتوسط، بحوالي 120 طالبا لكل أستاذ جامعي، وهذا أمر غير مقبول»، ولفت إلى أن البحث العلمي يعاني من ضعف الوسائل والتنسيق، إلى جانب عدم تجذر الجامعة في المجتمع. والتحدي الذي يواجه التعليم العالي هو صعوبة مواكبة تحدي الرقمنة، وهو أمر يعود إلى أسباب تاريخية، بالنظر إلى نظامنا الفرنكوفوني الذي يبسط الأمور، مبرزا أن الوزارة تتجه إلى اعتماد «نظام بيداغوجي شامل ومندمج يرتكز على التمكين، ويتضمن رؤية واضحة حول مواصفات الخريجين، ومدى قابليتهم للتشغيل».

وكان المجلس الأَعلى للتربية والتكوين وجه انتقادا قويا لاعتماد الوزارة سابقا لسلك البكالوريوس في الهيكلة البيداغوجية الخاصة بالتعليم العالـي، ونبه المجلس إلى غياب تصور وعدم وضوح الرؤية والغاية من التغيير في النظام التعليمي الجامعي. وأَشار المجلس في رأي له حول الموضوع، إلى أن إضافة سلك البكالوريوس تطرح مجموعـة من الصعوبات التنظيمية والتدبيرية، منها أن إضافة سلك جديـد ومـواز لا تضمن تحقيق أهداف جودة التكوين بمؤسسات الولوج المفتوح، وهو ما تؤكده تجارب سابقة مثل «الإجازة التطبيقية»، و«الإجازة المهنية»، غير الناجعة، حسب تقرير المجلس، الذي نبه إلى أن تمديد مدة السلك بسنة لا يوازيه تعزيز علـى مسـتوى اكتساب المعارف والكفايات الأكاديمية، وهو التقرير الذي دفع الوزارة الوصية إلى إلغاء اعتماد هذا النظام بشكل مطلق، ابتداء من الموسم الجامعي الحالي.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب اعتمد منذ سنة 2003 إصلاحا بيداغوجيا ارتكز على نظام إجازة -ماستر – دكتوراه، في إطار تدويل التعليم العالي، إلا أنه وبعد مرور أكثر من 20 سنة بالعمل بهذا النظام، كشفت خلاصات دراسات وتقارير المؤسسات الرسمية، خاصة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والمجلس الأعلى للحسابات، وكذا التقارير المنجزة من طرف الجامعات، ضرورة تطوير هذا النظام نظرا إلى الإكراهات المتعددة التي تم الوقوف عليها.

ومن بين هذه الإكراهات، وجود طلب اجتماعي في تزايد مستمر، حيث إن عدد الحاصلين على شهادة البكالوريا في ارتفاع مستمر، إذ بلغ نسبة في 22+ المائة ما بين سنتي 2015 و2019، مما شكل ضغطا كبيرا على المؤسسات، سيما ذات الاستقطاب المفتوح التي عرفت تسجيل 87 في المائة من مجموع الطلبة الجدد بها.

بالإضافة إلى إشكالية التوجيه وعدم ملاءمة المدخلات مع العرض البيداغوجي لسلك الإجازة، فعلى مستوى التعليم الثانوي تستحوذ شعب العلوم والتقنيات على أكبر عدد من التلاميذ بنسبة تفوق 60 في المائة، في حين لا يوجد أي انعكاس لبنية حاملي شهادة البكالوريا على بنية المسجلين الجدد بسلك الإجازة. حيث المسجلون بمسالك العلوم لا تتعدى نسبتهم 15 في المائة، بالمقابل 35 في المائة من مجموع الحاصلين على بكالوريا علمية أو تقنية يفضلون التسجيل في ميادين العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والآداب والعلوم الإنسانية.

كما رصدت التقارير مردودية داخلية ضعيفة لسلك الإجازة، حيث 16,5 في المائة من عدد الطلبة الجدد في سلك الإجازة ينقطعون عن الدراسة في السنة الأولى، كما تقدر النسبة الإجمالية للانقطاع عن الدراسة بدون الحصول على أي شهادة وبدون احتساب عدد السنوات المستهلكة بـ47,2 في المائة، في حين أن 13,3 في المائة فقط من مجموع الطلبة الجدد المسجلين بمؤسسات الولوج المفتوح يحصلون على دبلوم الإجازة في مدة ثلاث سنوات، كما يبلغ متوسط عدد السنوات للحصول على دبلوم الإجازة ما بين 5 – 4,5 سنوات، دون احتساب الهدر.

ويشير التقرير إلى أن هذه المعطيات المترتبة عن الانقطاع أو التكرار لها تكلفة تسيير إضافية تقدر بـ746.3 مليون درهم. من جهة أخرى، أبانت مختلف تقارير المؤسسات الوطنية والدراسات الميدانية واللقاءات التشاركية التي قامت بها الوزارة عن ضعف مستوى التحصيل البيداغوجي، بسبب اختلاف لغة التدريس بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي العالي، خاصة في الشعب العلمية والتقنية، بالإضافة إلى تسجيل ضعف المستوى المعرفي في مواد أساسية، سيما بالنسبة إلى بعض شعب البكالوريا، وعدم تملك الطلبة مجموعة من الكفايات الأفقية المتعلقة بالمهارات الحياتية والذاتية؛ كالريادة، العمل بالفريق، الحس النقدي، وعدم استثمار الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا الرقمية لتطوير التعليم العالي، خاصة التعليم عن بعد، وضعف انخراط الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين في تحديد الحاجيات والمساهمة في بلورة وتأطير التكوينات.

كما سجلت التقارير وجود ضعف على مستوى المردودية الخارجية للمنظومة، مما ينعكس على صعوبة الولوج والاندماج في سوق الشغل، حيث تشير إحصائيات سنة 2018 المتوفرة لدى المندوبية السامية للتخطيط إلى نسبة بطالة مستقرة في 20 في المائة، في ما يخص خريجي الكليات ذات الولوج المفتوح.

محمد بنجبور*: «الوزارة تعتمد الغموض والإقصاء في إقرار إصلاح قطاع التعليم العالي»

*رئيس النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي

 

قال محمد بنجبور، رئيس النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، إن إصلاح التعليم العالي «هو من الملفات الكبرى التي تشتغل في سياقها النقابة على مستوى الرؤى والتصور»، مضيفا أن «قضايا وإشكالات الإصلاح هي دائما ما تكون حاضرة في جدول أعمال وبرامج ومذكرات النقابة، التي تصدرها هذه الأخيرة، حيث إن مؤسسات التعليم العالي تشتغل في سياق يتسم دوليا بتنافسية كبيرة  في المجال، وهو الأمر الذي يفرض على المؤسسات الوطنية وأيضا أساتذة التعليم العالي أن يكونوا في مستوى هذه التحديات، للإجابة عن الإشكالات المرتبطة بالقطاع»، مبرزا أن «الإصلاح الذي يتم الحديث عنه اليوم، يفهم في سياقين أساسيين، أولهما المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وأيضا اتفاق أكتوبر 2022».

وفي السياق ذاته، أبرز بنجبور أنه «منذ تعيين السيد وزير التعليم العالي الحالي على رأس القطاع، أعلن عن رؤية لإصلاح التعليم العالي، وهي التي أطرها في المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وقد كان لنا لقاء حينها مع السيد الوزير، وأكد على أنه يشتغل على مشروع إعادة النظر في إصلاح الجامعة المغربية ووعد بتسليم المسودة للنقابة في 2022، وهي المنهجية التي كنا نأمل أن تتبعها الوزارة»، يشير المتحدث، موضحا أن «الوزير لم يفتح باب الحوار مع النقابة منذ ذلك الحين، كما لم يسلمنا مسودة  المشروع كما وعد، بل قام بإطلاق لقاءات جهوية في أفق تنظيم مناظرة وطنية تكون منطلقا للإصلاح، بل تجاوز النقابة وقام بالاشتغال بشكل فردي»، مضيفا أن «تجاوز النقابة وفتح لقاءات جهوية وعدم الاكتراث لنا وتجاوز الهياكل التمثيلية للأساتذة على مستوى تدبير هذا الملف الذي يعتبر أساسيا وحاسما، يجسد سلوكا ومنظورا لدى الوزارة لهذا الإصلاح، وستكون له انعاكسات على مستويات عدة، وهذا يجسد بحث الوزارة عن (إصلاح بلبوس التشاركية)» على حد تعبير بنجبور.

وأشار المتحدث إلى أن «الحديث عن الإصلاح يدفعنا للحديث عن ثلاثة محاور كبرى، منها إصلاح النظام الأساسي للأساتذة الباحثين، تم إصلاح النظام البداغوجي، وإصلاح القانون المنظم للتعليم العالي»، معتبرا أن «التوجه الحالي للوزارة، هو توجه إقصائي وارتجالي، وهو ما يتجلى في اتفاق أكتوبر 2022، والذي كان بإشراف السيد رئيس الحكومة، وكانت فيه جميع محاور الإصلاح الثلاثة، وقد كانت لنا لقاءات مع السيد رئيس الحكومة بحضور وزير التعليم العالي، وأكد لنا رئيس الحكومة على ضرورة تسريع الوزارة للحوار معنا، كما أوصى بضرورة تزويدنا بجميع الوثائق، وهو الأمر الذي لم يتم، قبل أن نفاجأ بطلب الوزارة لنا بتوقيع الإتفاق، وهو الأمر الذي رفضناه وقررنا المقاطعة ورفض التوقيع على اتفاقية مجهولة المحتوى بالنسبة إلينا».

واعتبر بنجبور، أن الاتفاقية التي تم توقيعها في قطاع التعليم العالي في أكتوبر الماضي «أعطت الضوء الأخضر للسيد الوزير من أجل تنزيل ما يراه إصلاحا للقطاع»، مبرزا أن «السيد الوزير يشتغل على تنزيل إصلاح التعليم العالي بسرعات مختلفة، فالسرعة الأولى تهم الإصلاح البيداغوجي، وهي سرعة تسابق الزمن من خلال تعبئة شاملة وشمولية للموارد البشرية والمادية للوزارة من أجل تنزيل توجهه في هذا الباب، في مقابل سرعة بطيئة وغامضة على مستوى النظام الأساسي للأساتذة الباحتين، والذي نعتبر أنه رهان أساسي من أجل تأهيل وتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي»، مضيفا أن النقابة «سجلت مجموعة من الملاحظات، منها الغموض حيث يشتغل الوزير الحالي كما لو أنه نظام جديد للتعليم العالي، وهذا غير صحيح، بل هي تعديلات على النظام الحالي، في ظل الغموض الذي يلف الكشف عن الوثائق المتعلقة بإصلاح النظام البيداغوجي».

ثلاثة أسئلة

 

المهدي منير*:

 

«أزمة قطاع التعليم العالي في تسييره وعدم استيعاب التطور الذي عرفته بلادنا»

 

  • ما خلفيات الأزمة التي يعيشها قطاع التعليم العالي؟

بداية نود أن نشير إلى ما ينبغي أن تعنيه عبارة أزمة التعليم العالي، وذلك انطلاقا من السياق الذي ينظر به إليها في النقاش العمومي، فهل نقصد بها عجز الجامعات المغربية عن مسايرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر برامجها ومخططاتها في مجالات البحث العلمي والتكوين المعرفي؟ أم أن المسألة تتعلق بعبء يثقل كاهل السياسات العمومية الحكومية المتعاقبة على تدبيره بالنظر إلى الكلفة المالية الإجمالية التي تتطلبها عمليات إدارته وتسييره؟ فوفق هذا التصور يمكننا أن نحدد نوع العطب الذي يعرفه القطاع، ونبحث في الحلول الكفيلة بمعالجته، لأن المنطق يفترض أن نتصور قدرة الحكومة الاستباقية على مواجهة الصعاب والمخاطر التي من شأنها أن تحيط بالتدابير التي من الواجب عليها اتخاذها من أجل توفير كافة الظروف لتعليم جيد وبحث علمي في مستوى التنافسية، ما بين مختلف أقطاب مجموعات البحث بنظيراتها في الجامعات الدولية. غير أنه من الملاحظ، ومع كامل الأسف، تأخر غير مبرر في تفعيل المخططات التي أعلنت عنها الوزارة الوصية منذ تنصيبها دون معرفة الأسباب، مع العلم أن جميع الظروف مواتية لأخذ نفس جديد في تدبير القطاع بالشكل الذي يحفز جميع الفاعلين والمستفيدين، ولكن تبقى دار لقمان على حالها وتستمر المماطلة والتسويف مع غياب شبه كلي لرد الفعل النقابي المسؤول في مثل هذه المحطات. ومن ثمة يمكن تلخيص مشهد التعليم العالي في كونه تلك الشخصية التي لا يمكن التقرب منها لقسوة انتقاداتها، ويستحيل، في الوقت نفسه، إهمالها والابتعاد عنها لشدة الحاجة إليها أو لبضعة عناصر منها، وبالتالي فالقول، من وجهة نظري المتواضعة، إن التعليم العالي في أزمة هو قول مردود على أصحابه، وإنما العقول والكفاءات التي تعمل على تسييره وتدبيره هي التي تعيش أزمة نفسية بسبب الإقبال الكبير من المواطنين على تلقي العلم والمعرفة من الجامعات العمومية التي تصارع من أجل الصمود لحفظ حقوق الأجيال القادمة في تطوير معارفهم العلمية بأسلاك التعليم العالي.

 

  • لماذا تعثر إخراج النظام الأساسي لأساتذة التعليم العالي؟

ربما يصعب علي تحديد الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء تعثر إخراج النظام الأساسي لأساتذة التعليم العالي، وذلك بالنظر إلى غياب المعطيات الدقيقة الخاصة بالموضوع، سواء من طرف الوزارة الوصية على القطاع أو من قبل التمثيلية النقابية للأساتذة، مع العلم أنه في قطاعات وزارية أخرى تمت مناقشة العديد من مطالب فئات معينة من الموظفين أو من المهنيين العاملين في قطاعات مختلفة وتم التوصل بشأنها إلى اتفاقات تم الشروع في تنفيذها، أو أنه يفترض مباشرة ذلك في غضون النصف الأخير من هذه السنة، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ضعف الوتيرة التي تسير بها وزارة التعليم العالي أو أنها تعمل على تقديم أولويات لها أهميتها وراهنيتها بشكل أفضل بكثير من الاهتمام بأمور الأساتذة ووضعياتهم الإدارية والمالية، سيما وأنه في غضون الأيام التي خلت قدم السيد الوزير بشكل واضح أمام المؤسسة التشريعية تصريحا أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه كلام غير مسؤول ولا يمكن أن يصدر عن شخص عاقل له كفاءة متميزة لإدارة مؤسسة وزارية. فمثل ما ورد في كلامه، وفق ما ظهر في خبر تداولته الصحف والجرائد الوطنية، حين قال إنه “لا يمكن أن يستمر الأستاذ بمنطق ندير لي بغيت، والأستاذ الجامعي يحصل على أجره من أجل البحث والعمل ماشي باش يستراح.. وهذا الكلام لن يعجب البعض؛ لكن حنا ما كنديروش الخواطر والوزيعة”.

لا يسعنا إلا أن نقول إن الأزمة هي في من يدبر القطاع وليس في القطاع نفسه، وربما أن هذا الكلام يلخص أسباب تعثر إخراج النظام الأساسي لأساتذة التعليم العالي. وكما لا يخفى عليكم من الممكن أيضا أن يكون مرد تأجيل إخراجه عائدا إلى عدم التوافق ما بين الجهات المعنية، سيما تلك المكلفة بتدبير الميزانية العمومية.

 

  • ما الخلفيات وراء تجميع مشاريع إنشاء العديد من الأنوية الجامعية؟

أعتقد بأن التصور الذي يحمله كل مشرف على القطاع في الحكومة التي تدبر الشأن العام، يختلف من مسؤول إلى آخر، غير أنه، بالنسبة لهذه الوزارة في حكومة أخنوش، يلاحظ نوع من التخبط الذي لا مبرر له، أولا، لأن المسألة تتعلق باستمرار المرفق العمومي، واستمرار الالتزامات التي تقيدت بها الحكومة السابقة، سيما أن الموضوع يرتبط بالمصلحة العامة، ومرفق عمومي ربما ارتأى ممثلو الأمة ومدبرو الشأن المحلي الحاجة إلى إنشائه وقيامه، سيما ونحن نعلم أن العديد من الأسر المغربية لا تستطيع تمويل المسار الجامعي بالنسبة لأبنائها، نظرا لعوامل اقتصادية واجتماعية يعلمها الجميع. لذلك فإن فكرة تقريب المؤسسات الجامعية من الطلبة والأسر التي تعيلهم تنبثق من تخفيف هذه الإكراهات التي تثقل كاهل الأسر المغربية، وعديدة هي الفرص التي ضاعت من الكفاءات والنوابغ المغربية في العديد من المؤسسات التعليمية التي يتخرج منها العديد من الطلبة والتلاميذ على مستوى متميز يطلب المواكبة، وما يلاحظ أن عدم انخراط السيد الوزير في هذه المشاريع لإحداث المؤسسات الجامعية، يدل على عدم قدرته على استيعاب التطور الذي عرفته بلادنا على المستوى التخطيطي والاستراتيجي، علما أنه كان على رأس مؤسسة جامعية رائدة هي جامعة القاضي عياض، وتدبيره لمؤسسات جامعية فرنسية، وهو يعلم جيدا أن تطوير وتأهيل أي مجتمع رهين بتطوير وتأهيل التعليم العالي، وكان ينبغي، من وجهة نظرنا، أن يبحث في سبل إقامة مؤسسات جامعية جديدة وتطويرها في أفق توسيع قاعدة الطلاب المغاربة، لأن هذا الأمر هو الذي يعتمد في مؤشرات تصنيف الجامعات على المستوى الدولي والعالمي، في الوقت الذي تتذيل جامعتنا التصنيف العالمي بالمقارنة مع جامعات دول لا تصل مستويات التطور التي وصلها المغرب.

*أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. 50 في المائة من الطلبة يغادرون الجامعات بدون شهادات لأن 70 في المائة من الذين يلتحقون بالجامعة ليس لهم المستوى الحقيقي للإعدادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى