شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

العمل النقابي اليوم على المحك وأزمة النقابات بنيوية

ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين*:

 

  • ما التأطير القانوني والدستوري لعمل النقابات؟

منح المشرع المغربي مكانة متميزة للعمل النقابي، وهو الذي حدده في الإطار القانوني الذي يؤطر الأجراء وعملهم، وكذا طبقا لمقتضيات المادة الثامنة من دستور 2011، حيث نجد أن الدستور أعطى أهمية كبيرة للنقابات من خلال أن المادة السابعة كانت مخصصة للأحزاب، والمادة الثامنة للنقابات، هذا بالإضافة إلى القانون المنظم للعمل النقابي الذي يمنح هامشا كبيرا للنقابات في التحرك، وإن كان الواقع اليوم أن هذا القانون أصبح متجاوزا، وذلك راجع إلى الظروف التي تفرضها اليوم تطورات سوق الشغل على المستوى الدولي ومنطق العرض والطلب الذي تغير. فلم يعد الحديث اليوم عن الممارسة النقابية بشكلها ونمطها التقليدي كما كان عليه الأمر سابقا، بل أصبح الحديث اليوم عن مصطلح النقابة المواطنة، بمعنى النقابة التي عليها استحضار مصالح أعضائها الذين هم الأجراء، وهذه وظيفتها الأساسية، لكنها مطالبة، أيضا، بالانتباه إلى المتغيرات التي حصلت في الفعل النقابي على الصعيد العالمي، وتجاوز الآليات الكلاسيكية القديمة، وتبني آليات جديدة ترتكز على الحوار والتفاوض الاجتماعي وأشكال جديدة للتأطير والاحتجاج حتى تتماشى وتطورات سوق الشغل بشكل أساسي، بالإضافة إلى عنصر مرتبط بدخول فاعلين جدد يزاحمون النقابات باعتبارها هيئات تقليدية. والحديث هنا عن مكون التنسيقيات، التي بدأت تتقوى في الساحة النقابية على حساب النقابات التقليدية، بحكم عدد من الأعطاب التي تعتري النقابات ودفعت إلى ما يمكن أن نسميه هجرة نحو هذه الإطارات الجديدة.

ولعل أبرز هذه الأعطاب البنيوية الداخلية التي تعتري النقابات تلك المتعلقة بالزعامة التاريخية وأيضا ضعف العرض النقابي الذي من شأنه أن يغري فئات جديدة بالانضمام لهذه الهياكل، زيادة على تشرذم العمل النقابي وضعف التأطير النقابي، وأزمة الثقة بين الأجراء والإطارات النقابية. كل هذه العوامل ساهمت في تراجع القدرة التأطيرية والفاعلة للنقابات، هذا دون الحديث عن الأعطاب المرتبطة بالتبعية المالية للدولة وارتهان النقابات بالدعم المالي الذي تمنحه لها الدولة، والذي يبلغ المليارات.

انطلاقا من كل هذه العناصر السابقة، يمكن القول إن العمل النقابي اليوم يوجد على المحك، وهذا يسائل تجربة من الفعل النقابي الذي كان يشكل واجهة من النضال الاجتماعي ومركزا لتكوين القيادات الكبرى للعمل السياسي. ولذلك وجب الحديث عن العرض النقابي الذي يجب أن يتجدد، على اعتبار أن هناك منظورا جديدا على الصعيد العالمي هو المحدد، وفي هذه المعادلة الجديدة على النقابات عدم تجاوز دورها الأساسي المتمثل في الدفاع عن الأجراء.

 

  • هل تنسحب الأزمة التي تعيشها الأحزاب على النقابات أيضا؟

بالفعل، على اعتبار أن العديد من الأعطاب التي تعاني منها النقابات هي نفسها تقريبا الأعطاب التي تعانيها الأحزاب السياسية، حيث إن عددا من النقابات هي امتداد لأحزاب سياسية، وبالتالي فإن العدوى انتقلت من الأحزاب إلى النقابات، خصوصا في الجانب التأطيري، إذ لا وجود للأرقام الدقيقة حول قدرة ونسبة تأطير النقابات للأجراء، هذا دون تجاوز أعطاب أخرى مرتبطة بغياب الثقة بين النقابات والمشغلين من جهة، وأيضا بين هذه النقابات والأجراء من جهة ثانية.

وعلى اعتبار أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإن هناك ما يمكن أن نعتبره إعادة تشكيل الفعل النقابي بإدخال فاعلين جدد يتمثلون في التنسيقيات الفئوية، وهذا ما يجب التنبه له، إذ لا يمكن تجاوز النقابات باعتبارها الإطار المؤسساتي الممثل للأجراء والموظفين، وهي الإطارات المخاطبة عبر قنوات من خلال الحوار الاجتماعي واللجان الثنائية وغيرها من أبواب التفاوض الاجتماعي الرسمي. في المقابل هذه النقابات مطالبة اليوم، كما أشرت، بتجديد أساليبها والتكيف مع التغيرات المرتبطة بالفعل النقابي على المستوى العالمي، وأن لا تبقى رهينة استراتيجيات عمل عتيقة وتعود لعقود مضت، كما أنها مطالبة، أيضا، بتقوية قدراتها التواصلية والتأطيرية مع فئات الأجراء والعمال، وأيضا مع باقي الفرقاء الاجتماعيين، وتجاوز الأعطاب التي سبق وذكرناها، وهي الأعطاب التي تعاني منها أيضا الأحزاب السياسية، حتى تستطيع الصمود في ساحة الفعل النضالي في مقابل تشكلات جديدة بدأت تسحب بساط تأطير الأجراء من تحت أقدامها.

 

  • كيف يمكن لإخراج القانون التأطيري للإضراب وقانون النقابات الحد من الاختلالات التي تعيشها هذه الإطارات؟

المشكل الذي تعانيه النقابات ليس مشكل قوانين، بل إن الأمر مرتبط بمشاكل واختلالات بنيوية، هي التي ترتبط بالأساس بعقلية داخلية وسط هذه الإطارات، ولا يمكن أن ننتظر من القانون أن يجد الحلول لهذه الاختلالات، وإلا سنعيد تجربة الأحزاب نفسها، حيث إنه كانت ثمة خطوات لإصلاح قانون الأحزاب من خلال القانون 36.04، الذي تلاه القانون 29.11، ولم يغير أي شيء في تخطي الإشكالات التي تعتري الأحزاب السياسية. صحيح أن الإصلاحات والنصوص القانونية كفيلة بوقف بعض الممارسات وتنظيم بعض الإجراءات، غير أنه لا يمكن القول إنه وجب الاعتماد والاكتفاء بهذا الجانب، على اعتبار أن المشكل أعمق بكثير، وهو مشكل الممارسة وما سبق وأشرت إليه بخصوص التغيرات التي طرأت على البنيات النقابية على المستوى العالمي ودخول أنماط جديدة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى