شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

القرصنة الثقافية

يعاني التراث المغربي من عمليات واسعة ومنظمة لسرقته والاستيلاء عليه، ليس فقط من طرف الأشخاص والجماعات بل من قبل الدول أيضا، واستخدامه خارج سياقه، ما يساهم في فقدان وتشويه هوية وتاريخ هذه العناصر الثقافية. والجميع يتابع ما تقوم به دولة جارة من محاولات ممنهجة للسرقة الموصوفة لمجموعة من الأشياء المرتبطة بالتراث المغربي، كان آخرها حرب «الزليج المغربي» و«الكسكس» و«أرگان» وغيرها.
والحقيقة أن السلطات العمومية المعنية فرطت في وقت سابق في تراثها وأهملت تحصينه، حتى تجرأ البعض على التطاول عليه ومحاولة سرقته، وهو ما جعل الملك محمد السادس يتدخل لمطالبة الحكومة بإحداث مركز وطني للتراث الثقافي غير المادي، مهمته حماية ذاكرتنا التراثية والقيام بعمليات الجرد المنهجي للتراث الوطني في مختلف مناطق المملكة، وإنجاز قاعدة بيانات وطنية خاصة بذلك، وتنظيم تكوينات علمية وأكاديمية لتقوية قدرات الممارسين لتنفيذ تدابير الصون.
إن أكبر إهمال يعاني منه تراثنا الثقافي المادي وغير المادي هو تربية الناشئة عليه والتعريف بأهميته لنقله من جيل إلى آخر، وهذا لن يتم بدون إعلام متخصص. وللأسف فقد كان لوسائل إعلامنا العمومي إلى يومنا هذا، دور سلبي في المحافظة على التراث وحماية الموارد الثقافية والتراثية. ولحدود اليوم ورغم تضخم الخطاب الرسمي حول الأمن التراثي فلا توجد تدابير جدية على مستوى المنظومة الإعلامية والمعلوماتية، فهذا الحراك الثقافي غير المسبوق على مستوى السياسة العمومية بحاجة إلى إعلام فاعل ونشيط ومتخصص قادر ليس فقط على نقل التراث ولكن في إيصال رسالته التي قام عليها ويجعل الثقافة قريبة جداً من الناس، ومعبّرة عن أحوالهم، وعن تطلعاتهم.
قبل سنوات خلت كانت لدينا وسائل إعلامية ثقافية، تم تشييعها إلى مثواها الأخير بسبب عدم قدرتها على التجديد والتلاؤم، وما تبقى من برامج هي على أي حال كانت ابنة مخلصة للتلفزيون العمومي المغربي، تحمل مواصفاته الوراثية، في قوته وضعفه. لكننا اليوم لا نتحدث عن استحداث قناة ووسائل إعلام ثقافية أخرى بروح وفلسفة جديدة وآليات عمل مختلفة. نتحدث عن الحاجة إلى إعلام ثقافي مرئي ومسموع ومقروء قوي ومتنوع وحر ويمتلك الوسائل والإمكانيات لأداء مسؤولياته، إعلام قادر على حماية ثراتنا الثقافي من عمليات القرصنة التي يتعرض لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى