شوف تشوف

الرئيسيةحوار

النقاد بالمغرب سكتوا عن الشعرية النسائية أو أهملوها أو تنكروا لها

الشاعرة مليكة العاصمي في حوار مع «الأخبار»

أجرى الحوار: محمود عبد الغني

 

– منذ متى يمكن التأريخ لبداية شعر/ أدب نسائي في المغرب؟

+ من الصعب نفي أو إثبات وجود شعر نسائي وأدب نسائي مغربي قبل أواسط الستينيات. التاريخ حدثنا عن الشعر والأدب والحضور العلمي الثقافي النسائي في العصر المرابطي، الموحدي، السعدي والمريني ولم يزد كثيرا، فقد تعرض المغرب، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، لاضطرابات كثيرة جعلت المجتمع ينطوي على نفسه وعلى أهله، ما انعكس على المرأة.

كذلك استولى الأميون على السلطة واضطهدوا العلم والعلماء والثقافة والأدب، فانكمش العلماء على أنفسهم أو تحلقوا في ما بينهم دون أن يجدوا في الحقل العمومي ما يساعد على بروز منتوجاتهم العلمية أو الأدبية..، بل أحيانا تسببت الانتهاكات في تبديد ومصادرة تراث كثير. وفي المرحلة الاستعمارية تعرضت بيوت الوطنيين لمصادرة وإتلاف الكتب والأوراق وعموم تراث الكتاب والمبدعين مهما كان هاما وغزيرا. ويمكن الحديث، على سبيل المثال، عما تعرضت له إنتاجات الأستاذ عبد القادر حسن العاصمي الشعرية والقصصية والفكرية وأبحاثه من إتلاف وضياع ومصادرة، بحيث لم يستطع الحصول على تلك الثروة من الأعمال ولم يمكنه جمع سوى شذرات من بعض الصحف مع ما كتبه في معتقله الأخير، إذ ضاع الكثير من تجربته التحديثية كرائد للشعر الحديث بالمغرب.

 

– كيف فكرت الشاعرة، الأستاذة الرائدة في الكتابة، في جنس الشعر للتعبير عن الذات والمجتمع؟

+ بصراحة لم أفكر في الأمر أبدا ولم أتقصده بشكل خاص. لا شك هي القراءات تفرز نفسها. أن تعيش في عالم الشعر وتقرأ الشعر لا شك ستتشربه وتفكر به وتكتبه. أتصور الأمر هكذا. وكمربية أحلله بهذا الشكل وأجيب به عن مثل هذا السؤال عندما لا أجد جوابا في الذاكرة، فلا مناص، إذن، من اللجوء إلى المنطق.

والواقع أنني نشأت وسط الكتب المتنوعة، منها دواوين الشعر ومحفوظات الشعر ووسط الشعر، حتى المسرحيات التي مثلتها في المدرسة الابتدائية كانت بعضها شعرية، والأناشيد الوطنية التي كنا نتغنى بها شعرية. كذلك كان الشعر أحد العناصر التي تعيش معنا في السراء والضراء داخل الأسرة الموزعة في المعتقلات والصحاري.

 

– ما ظروف وشروط إصدار ديوانك الأول «كتابات خارج أسوار العالم»؟

+ شكرا على هذا السؤال الذي سيسمح لي بتصحيح معلومات أدليت بها سابقا بشأن هذا الديوان. إذ أغفلت معلومة مهمة جدا عند ذلك. الديوان الأول أطلقت عليه «ديوان الاضطرابات والتعثرات».

ففي سنة 1972 كنت ضمن البعثة المغربية لمهرجان المربد الشعري الثاني ببغداد وساهمت في المهرجان بقراءة مجموعة قصائد أثارت كثيرا من الاهتمام والدهشة لدى الشعراء والنقاد الذين كانوا يصنفون المغرب خارج التاريخ ويعتبرونه الهامش العربي البعيد المتأخر ثقافيا وفنيا بالنسبة لباقي دول الشرق. كما لاقت صدى بعيدا في الأوساط الثقافية والإعلامية.

كان المرحوم، الدكتور عبد الهادي التازي، هو سفير المغرب بالعراق حينئذ، وكان يعاني من نظرة العرب السلبية للثقافة المغربية. لكن مشاركتي في المهرجان أشعرت السفير المغربي، الدكتور عبد الهادي التازي، بالاعتزاز الكبير والفخر وكان يريد أن يوثق هذه التجربة، فسألني عن الديوان وقلت له إنه جاهز لكنه غير مطبوع فعرض أن يقوم شخصيا بتحضيره في السفارة، وفعلا سلمته له، فكان يحضر لي أولا بأول ما تم رقنه للتصحيح، لكننا غادرنا في اليوم الموالي إلى نينوى حيث أصبت بوعكة صحية شديدة جدا ألزمتني الفراش. بعد ذلك نقلت إلى الغرفة وخصصت كاتبة من وزارة الثقافة لمرافقتي ومتابعة العلاج اسمها افتخار/ حيا الله افتخار/ وهو وضع استمر حتى نهاية المهرجان فأعيق المشروع.

1972، إذن، كانت تجربة الطبع الأولى، وسنة 1973 أخبرني الدكتور عبد الحميد عواد، مدير مطبعة الرسالة، برغبته في طبع الديوان وطلب مني تسليمه. وبالفعل سلمته إياه وهيأه وأرسله لي بمراكش كي أصححه، لكنني انشغلت حينها بمشروع إصدار جريدة «الاختيار» فأخرت التصحيح مدة بقي فيها الديوان رصاصا مركونا في رف المطبعة. مرة تعرضوا لأزمة رصاص فاستعملوا ذلك الرصاص الموجود دون انتباه، وعندما بحثنا عنه كان قد اختفى واختفى معه المخطوط نفسه فلم أجد له أثرا في أي مكان بحيث يئست منه نهائيا. سنة 1987 جاءني أحد عمال المطبعة ليقدم ذلك المخطوط في صورة سيئة، مضطربة ومبتورة إذ كان لديه في بيته كما قال. كنت سعيدة أن أسترده في شكله رغم ما تعرض له وما ضاع منه.

وفي الرحلة الثانية إلى المربد سنة 1987 نفسها سلمت الفصل الأول بعنوان «كتابات خارج أسوار العالم» لدار الثقافة في آخر وقت، وتم رقنه وطبعه تقريبا في يوم واحد كي أعود به معي بحيث صدر في شكل متعجل في ما يشبه المنشور، وهو فعلا منشور أخفيته لأسربه معي إلى المغرب خوفا مما قد يترتب على ضبطه من نتائج معروفة، فقد كان المنع يلاحق الكتب والكتابات، ولاحقنا الحجز كثيرا في «الاختيار».

معلومة أساسية أن الديوان في شكله الأول كان من فصلين: «كتابات خارج أسوار العالم» و»أصوات حنجرة ميتة». وعندما أردت نشره قدمت فصلا واحدا بعنوان «كتابات خارج أسوار العالم» والفصل الثاني نشرته بعد ذلك ديوانا مستقلا بعنوان «أصوات حنجرة ميتة».

 

– أنت أيضاً أستاذة جامعية والبحث العلمي جزء من اهتمامك..

+ البحث العلمي ضرورة مغربية كبيرة، إذ الحقل المغربي بكر وعندما تجد بحثا أو أبحاثا علمية تحتاج أن تطوقها بكثير من الأسئلة والمراجعات.

البحث العلمي، رغم كل هذا الوقت، يمكن القول بكونه جنينياً، وما تراكم منه سيكون بحاجة ماسة إلى التمحيص، والباقي ما يزال مهملا غفلا، بحيث لا نستفيد حتى الآن من الإمكانيات التي يمكن للبحث العلمي أن يقدمها إلينا ويساعدنا بها. أحد أهم عناصر تخبط التنمية في المغرب أنها لا تعتمد البحث العلمي ولا المرجعيات الضرورية للقرار الوطني كي يتطابق مع الحاجيات الحقيقية، ما يراكم الإخفاقات المتتالية.

 

– كيف استقبل النقد المغربي والعربي أعمالك الشعرية؟

+ استقبلها بأنواع من النقد. أولا كان الإقدام على النشر في المغرب من طرف فتاة مغامرة محفوفة بالمخاطر أقدمت عليها بكثير من التوجس والتحفظ والخوف والإصرار أيضا. بمعنى كونها كانت محملة بكل ما تعنيه كلمة مغامرة وما يمكن أن يترتب عليها من مخاطر وتبعات. لكن الله سلم بحيث سارت عملية النشر في الصحافة بشكل سلس محاط بنوع من الإعجاب أو التقدير الاجتماعي العام.

أما النقد فلم أصادفه حتى المربد، إذ كان ينتصب في المنصة أظن ثلاثة نقاد عند قراءة الشعر يقومون بعد ذلك بتقديم تعليقاتهم. وأذكر أن مساهمتي كان لها صدى لدى النقاد بالمنصة وخارجها، كذلك في الصحافة ولدى الشعراء. يكفي القول بكون الدكتور سهيل إدريس، وهو من هو، التقط من المربد بعض القصائد التي قرأتها ونشرها في مجلة «الآداب» البيروتية الشهيرة. كما التقطت بعضها مجلة «روز اليوسف» ومجلة «الهلال» وبعض الصحف في عدد من البلدان العربية.

في المغرب، الوحيد الذي تناول هذه التجربة وضمنها في أحد إصداراته النقدية الأولى ضمن كتابه «الأدب المغربي ظواهره وقضاياه»، هو الدكتور الذي فقدناه هذا اليوم ويعتبر غيابه خسارة كبرى للمغرب، بل إن المغرب يوشك أن يتداعى، بفقده، آخر أعمدة الأدب والدراسات المغربية الذي كون أجيالا من الكتاب والمثقفين والباحثين والشعراء والأدباء، المغفور له الدكتور عباس الجراري.

باقي المشتغلين بالنقد في المغرب سكتوا عن هذه التجربة أو أهملوها أو تنكروا لها أو غير ذلك. المثير في الأمر أن زملائي، وحتى الطلبة الذين يمكن القول بكونهم طلبتي آنذاك، عندما حضروا رسائلهم وأطاريحهم عن الشعر المغربي، لم يلتفتوا أبدا إلى تلك التجربة التي كانوا يعايشونها وبعضهم ربما نهلوا منها.

بالفعل كان موقفا غريبا حينها، سيما وأنا الصوت النسائي الوحيد في المغرب وكان ممكنا أن يطلوا عليه ويفكروا فيه ويقارنوه بما يدرسون، ما طوق تجربتهم النقدية البحثية بالميسم الذكوري وبالأسئلة.

بعد ذلك ظهرت دراسات أو كتابات نقدية وأشبه بالنقدية هنا وهناك. ثم تحول الاتجاه بعد ذلك نحو ما سمي الأدب النسائي فصرت أسلك في هذه السبحة.

لكنني حظيت، أخيرا، بعناية غير مسبوقة، إذ تفضل مجموعة من النقاد والباحثين بدراسة جوانب وقضايا وسمات وغيرها بحيث تكون من هذا الزخم النقدي سفران محكمان من طرف لجنة علمية مقتدرة، وصدر في ما يقرب من 700 صفحة في كل من السفرين بمبادرة وعناية وإعداد وتنسيق الدكتور خالد قدروز وهو شاب متميز مبدع ونشيط. السفر الأول صدر، نهاية سنة 2022، بعنوان «مليكة العاصمي ملاك الشعر وسحر القراءة» والثاني، نهاية سنة 2023، بعنوان «مليكة العاصمي شاعرة الأسئلة الكبرى». وفي الأفق القريب الجزء الثالث من هذه الدراسات النقدية. كما سيصدر قريبا واحد من الأجزاء الخاصة بالدراسات النقدية المتعلقة بأعمالي النثرية التي منها ما هو فكري، وما هو أنثروبولوجي وما هو ثقافة وأدب شعبي إلخ..

 

– كيف هي طبيعة علاقة الشاعرة مليكة العاصمي بمدينة مراكش؟

+ علاقتي بمراكش متعددة. جزء منها عاطفي كما هو الأمر بالنسبة لعلاقة أي واحد مع موطنه ومراتع طفولته. وجزء موضوعي يتصل بكل ما يتعلق بخصوصيات هذه المدينة ومميزاتها وهي كثيرة، ابتداء كعاصمة إمبراطورية عظيمة، ثم كموقع جغرافي أو كمناخ أو تاريخ وعراقة وعتاقة، أو كل ما ترتب على ذلك من مؤهلات اقتصادية، سياسية بشرية، ثقافية ومكتسبات حضارية.

أيضا هناك علاقة أخرى أساسية: كوني انتدبت، ابتداء من التجربة الديمقراطية الانتخابية سنة 1976 حتى 2011، لتمثيل هذه المدينة على مستوى الجماعة وبعد ذلك على مستوى البرلمان، سيما وأنني لم أتعامل مع انتدابي كتشريف أو ما يشبه كما هو حال المنتخبين، كذلك لم أتعامل مع المجال الذي أتدخل فيه بشكل سطحي عشوائي قد يدمر بنياته الكامنة ومؤهلاته وتاريخه. ولكني تعاملت معه كأكاديمية وكباحثة وكمربية، بحيث انكببت على دراسة المجال من جوانبه المتعددة: التاريخ والبيئة، والثقافة والمعطيات الاجتماعية، والمؤهلات والحضارة وغير ذلك.. محاولة تثمين ما هو جميل مبدع، الأعطاب التي تراكمت على المجال بالإهمال أو المصاعب المختلفة.

كان ضروريا بالنسبة لي، كممثلة لهذه المدينة العتيقة العريقة التي تراكمت عليها وفيها حضارات وأعراق العالم باعتبارها عاصمة لعدد من الإمبراطوريات التي لعبت أدوارا حاسمة في تاريخ العالم وامتدت في جهات وتطلعت إليها ثقافات وحضارات وأمم وشعوب، التعامل مع مجال من هذا النوع يقتضي ممارسة عمليات الحفر والبحث والدراسة واستنطاق المصادر والمراجع واستنطاق الواقع في تجلياته المختلفة للتمكن من إنجاز أو اقتراح والتعامل مع هذا النوع من المجالات فلا نعطبها، بل نتناولها بحدب ووعي عميق.

علاقتي بمراكش تنطلق من هذه الخلفيات المركبة المتداخلة وغيرها، ولم ولن أكف عن مواصلة مسؤوليتي بعد أن انتهت مهامي الانتدابية، إذ العمل مستمر لإنجاز ما أستطيع أن أتوصل إلى إنجازه ما استطعت لذلك سبيلا، سواء على مستوى البحث العلمي أو العمل الميداني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى