شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرسياسيةملف التاريخ

انفراد.. مضامين اجتماع لتدبير مساعدات أمريكية بقيمة 15 مليون دولار سنة قبل الانقلاب

أوفقير طلب من واشنطن طائرات هليكوبتر وزوارق ووحدات اتصال متطورة

 

السفير الأمريكي في الرباط ما بين 1970 و1973، السيد ستيوارت روكويل، يبقى أسوأ السفراء الأمريكيين حظا في المغرب. ففي مدة اشتغاله في الرباط وقع انقلابان ضد الملك الراحل الحسن الثاني. وأشارت وقتها أصابع الاتهام إلى واشنطن بمعرفتها معلومات عن الانقلابين، دون تنبيه القصر الملكي.

 يونس جنوحي:

ننفرد في هذا الملف بنشر مضامين وثيقة تسجل ما دار بين الجنرال أوفقير ومسؤولين في سفارة واشنطن في الرباط يوم 18 غشت 1971، أي سنة بالضبط قبل الانقلاب الذي استهدف طائرة الملك الحسن الثاني في يوم 16 يوليوز 1972. وبعد أسابيع قليلة فقط على المحاولة الانقلابية الأولى، التي تمت يوم 10 يوليوز 1971.

كان الجنرال أوفقير يريد مناقشة طريقة صرف الدعم العسكري الذي أقرته الولايات المتحدة الأمريكية لصالح المغرب، والبالغ قيمته 15 مليون دولار أمريكي! وأوضح للأمريكيين أنه يريد الدعم على شكل آليات عسكرية متطورة، ممثلة في طائرات هليكوبتر للاستعمال العسكري، وهو ما يكشف أن الجنرال كان يخطط ربما لمواجهة المظاهرات المدنية التي قد تندلع بعد الانقلاب، ورغب أيضا في الحصول على زوارق للمراقبة الملاحية وأدوات اتصال لاسلكية متطورة.

 

++++++++++++++++++

 

وثيقة لـ«CIA» تسرد تفاصيل اجتماع لأوفقير بالسفارة الأمريكية سنة قبل الانقلاب

في صباح يوم 18 غشت 1971، أي قبل 11 شهرا وبضعة أيام على انقلاب يوم 16 غشت 1972 الذي استهدف الطائرة الملكية، كان الجنرال أوفقير ينزل من سيارته متجها رأسا إلى مدخل سفارة واشنطن في الرباط.

ماذا يفعل الجنرال في مقر سفارة الولايات المتحدة؟ هذا ما تكشفه لنا وثيقة تحمل الترقيم التالي: CIA-RDP9T00975A0198000900002-2

هذا الرقم التسلسلي، على طوله، يبقى مهما جدا لتأكيد وجود طموح لدى الجنرال أوفقير للاستحواذ على السلطة في المغرب، بعد قرابة شهر فقط على فشل المحاولة الانقلابية الأولى التي استهدفت حياة الملك الحسن الثاني، في قلب قصر الصخيرات.

الوثيقة تقول إن الجنرال أوفقير زار السفارة في ذلك الصباح، واجتمع مع مسؤول الأمن القومي الأمريكي ورئيس موظفي السفارة، وهما معا منصبان على اتصال مباشر بوكالة الاستخبارات المركزية، ولم يكن السفير «ستيوارت روكويل» رئيسا لهما. الجنرال أوفقير طلب من الرجلين ما وصفته الوثيقة كالآتي: «تطوير العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة».

جاء في الوثيقة – وهي تقرير عن الاجتماع في قلب السفارة- التي ننفرد في «الأخبار» بنشر تفاصيلها، ما يلي:

«خلال اجتماع مع موظفي السفارة، والمسؤول العسكري «موسلو» في يوم 18 غشت 1971، قال الجنرال أوفقير يريد العمل على تقريب العلاقات مع «موسلو»، وصرح أنه يريد الاعتماد على «موسلو»، لكي يوصي باستعمال المساعدة المتفق عليها البالغة 15 مليون دولار. وأضاف أن المهمة الرئيسية للقوات المسلحة المغربية، والتي يقرها بشكل جذري تحت ما أسماه «كارت بلانش» من الملك الحسن الثاني، باتت دفاعية.

قال أوفقير إن الهدف من برنامج المساعدة العسكرية الأمريكية يجب أن يكون هو مد المغرب بالعدة المناسبة. أشار إلى طائرات هليكوبتر، التي يمكن استعمالها في العمليات العسكرية أو الدعم المدني، وشبكة اتصالات للوصول إلى كل الوحدات، ومقرات بديلة للاتصال، وقوارب دورية لإجراء عمليات مسح ومهام الاتصال.

لم يُشر أوفقير أبدا في أي مرة إلى الملك، أو يقل إنه يتحدث باسمه».

الوثيقة تقرير عن مضامين الاجتماع الذي جمع الجنرال أوفقير باثنين من مسؤولي الولايات المتحدة، أحدهما دبلوماسي والآخر عسكري.

هل كان واضحا أن الجنرال أوفقير يومها كان يُعد لانقلابه، الذي لم يحدث إلا بعد سنة بالضبط على الاجتماع، أم أن الأمريكيين اعتقدوا أن الرجل عندما صار يجمع بين سلطات عسكرية ومدنية، باعتباره وزيرا للداخلية عقب انقلاب الصخيرات، أصبحت له مهام أخرى لتطوير الجيش المغربي؟

لكن الوثيقة التي أرسلت إلى واشنطن يوم  24 غشت، تذكر أن الجنرال خلال الاجتماع لم يشر أبدا إلى الملك الحسن الثاني ولم يقل للأمريكيين أنه مبعوث منه، بل تحدث بأريحية ومن تلقاء نفسه. جاء في الوثيقة أيضا أن الجنرال أوفقير ذكر المسؤولين الأمريكيين أن المغرب يحظى بموقع استراتيجي مهم جدا، وأن المغرب في الصراع بين قطبي العالم، أي أمريكا وروسيا، مصطف بالتأكيد مع الولايات المتحدة.

هذا الموقف الصادر عن الجنرال أوفقير، يضرب في عمق النظرية التي تقول إن الجنرال كان اشتراكيا.

فلو كان الجنرال فعلا اشتراكيا، للجأ إلى الاتحاد السوفياتي لدعم انقلابه، أو أحد حلفاء السوفيات في المنطقة، خصوصا وأن القذافي في ليبيا كان مستعدا لتمويل عملية من هذا النوع. بل إن اعترافات معارضين مغاربة سابقين أكدت أن ليبيا والجزائر، وهما معا حليفان للاتحاد السوفياتي في شمال إفريقيا، رحبا بتمويل أي عملية تقودها المعارضة في المغرب لإسقاط نظام الملك الراحل الحسن الثاني، بل بادرت الجزائر إلى منح جوازات جزائرية لمعارضين مغاربة بعد مؤامرة يوليوز 1963، وسمحت لقدماء المقاومة المغاربة الذين هربوا إلى الجزائر بعد أحداث 1960، التي اتهموا فيها باستهداف حياة ولي العهد الأمير مولاي الحسن، بإنشاء معسكرات تدريب وقدمت إليهم السلاح ومولت رحلاتهم الجوية من الجزائر إلى باريس وسوريا.

فهل فكر الجنرال أوفقير في تغيير المعسكر الداعم له، أم أنه فضل اللعب على الحبلين؟

الواضح من الوثيقة الأمريكية أن ما حرك الجنرال أوفقير هو مبلغ 15 مليون دولار الذي أقرته أمريكا مساعدة منها للمغرب في إطار اتفاق عسكري.

وأراد الجنرال، كما هو واضح مما دار بينه وبين «موسلو»، أن يستعمل مبلغ الدعم العسكري لاقتناء ما كان ينقصه وقتها لتنفيذ محاولته الانقلابية.

 

عملاء أمريكيون سجلوا أن أوفقير لم يكن يتحدث باسم الملك عندما طلب الإمدادات

هذه الجزئية التي انتبه إليها التقرير الأمريكي الذي رفعه «موسلو»، لا شك وأنها مرت فوق مكتب وزير الدفاع الأمريكي، سيما وأن الأمر يتعلق بدعم تصل قيمته إلى 15 مليون دولار سنة 1971، وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الوقت.

السفير الأمريكي في الرباط، والذي مر على نجاته من انقلاب الصخيرات وقتها أقل من شهر واحد فقط، لم يكن ليفوت ملاحظة موظفي السفارة الذين قالوا إن أوفقير لم يشر أبدا إلى اسم الملك! بل المثير أن الموظفين معا ذكرا هذا الأمر في التقرير.

في الحقيقة، لم تكن تلك الزيارة الأولى لأوفقير إلى السفارة يوم 18 غشت 1971. بل كانت الثانية، إذ سبقها اجتماع آخر كان موضوعه بحث تدابير توقيع اتفاق حصول المغرب على مبلغ 15 مليون دولار من الولايات المتحدة الأمريكية كمساعدات عسكرية.

وعندما حصل المغرب على موافقة واشنطن ولم تتبق إلا الأمور الشكلية لصرف المبلغ على شكل مساعدات عسكرية، تدخل أوفقير وطلب اجتماعا، هو موضوع الوثيقة التي ننفرد بنشرها في «الأخبار». وفي هذا الاجتماع رأينا كيف أن الجنرال أراد الحصول على معدات، لا نحتاج إلى طول تفكير لكي ندرك أنه كان ينوي استعمالها أثناء العملية الانقلابية، التي لم يكن يفصله وقتها عن تنفيذها سوى سنة إلا أسبوعا فقط.

حسب شهادات من عاشوا تلك المحاولة الانقلابية، فإن الجنرال أوفقير مباشرة بعد فشل محاولة الصخيرات أصبح ضيفا دائما على القاعدة الجوية في القنيطرة، وصار يقضي ساعات مع اكويرة وأمقران، ولم يكن أحد يدرك أنه كان يعد بالفعل للمحاولة الانقلابية الثانية. وكل تلك الاجتماعات في قلب القاعدة الجوية، كان تجري في الوقت نفسه الذي تردد فيه الجنرال على سفارة واشنطن في الرباط.

 

 

هل كان أوفقير يتصرف سنة 1972 وكأنه رئيس دولة؟

أسابيع قبل الانقلاب الذي استهدف طائرة الملك الراحل الحسن الثاني أثناء عودته من باريس يوم 16 غشت 1972، زار الجنرال أوفقير، مهندس الانقلاب ومدبره، مدينة الجزائر والتقى مسؤولين جزائريين كبار. وقبل الجزائر، زار الجنرال تونس، والتقى الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة.

لاحقا عرف الأمريكيون أن الجنرال كان يجس نبض الجيران، وقدم لهم وعودا بأنه سوف يتوسط لدى الملك الحسن الثاني، لكي يقنعه بتقديم تنازلات للجزائريين لتدبير موضوع اتفاق حول الحدود الشرقية.

كان الجنرال ببساطة يحاول فتح قنوات للتواصل مع النظام الجزائري، حتى يسهل عليه تكوين تحالف في المنطقة بعد الانقلاب.

كل الأجهزة الاستخباراتية في العالم، كانت تعرف أن الجنرال أوفقير منذ نهاية الستينيات صار الرجل الثاني في الدولة، أي أنه أكبر مسؤول مغربي بعد الملك الحسن الثاني.

بعد انقلاب الصخيرات الذي وقع في العاشر من يوليوز 1971، وقبل يوم 16 غشت 1972، موعد الانقلاب الثاني الذي استهدف الطائرة الملكية، كان الجنرال أوفقير يتحرك لكي يستحوذ على السلطة ويزيح الملك الحسن الثاني ويدبر مجلس وصاية على العرش، ويتحالف مع الأحزاب السياسية، المعارضة على وجه الخصوص، ويربط علاقات ودية مع دول الجوار، خصوصا الجزائر وليبيا ومصر.

وهي كلها دول تحكمها أنظمة عسكرية، وكان أوفقير متفائلا جدا بخصوص الوصول إلى اتفاقيات مع رؤسائها الذين لم يكونوا يختلفون عنه في شيء.

كانت لدى الجنرال أوفقير سنة كاملة لكي يرتب أموره. وخلال هذه المدة، أي بعد انقلاب الصخيرات وقبل انقلاب الطائرة الملكية، لم يكن هناك أي رجل أكثر سلطة منه في المغرب. خصوصا وأن الكولونيل المذبوح، الذي كان يجمع سلطات مهمة، مات في انقلاب الصخيرات.

إشاعات كثيرة تقول إن الجنرال أوفقير كان يعلم بشأن مخطط المذبوح مع الكولونيل اعبابو، مدير المدرسة العسكرية في أهرمومو، وهما العقلان المدبران لانقلاب الصخيرات، وأنه فضل البقاء متخفيا في انتظار ما سوف تؤول إليه الأحداث. وعندما رأى أن الانقلاب فشل، احتفظ بموقعه بقرب الملك الحسن الثاني ولم يُظهر نواياه الانقلابية، وبدأ على الفور في التخطيط بنفسه لانقلاب آخر تُستعمل فيه الطائرات المقاتلة.

كان الملك الراحل الحسن الثاني غداة فشل انقلاب السادس عشر من غشت، يشك في أن الأمريكيين كانوا يعرفون التفاصيل، سيما وأن المحاولة الانقلابية انطلقت من القاعدة الجوية في القنيطرة، والتي كان الأمريكيون ينشطون فيها ولديهم مكاتب داخلها. بالإضافة إلى أن الطيارين والتقنيين المتورطين والمتهمين كانوا جميعا قد استفادوا من تدريب في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال منتصف ستينيات القرن الماضي.

وحتى بعد أن بعث الرئيس الأمريكي وقتها، ريتشارد نيكسون، نائبه لكي يُهنئ الملك الحسن الثاني على سلامته ونجاته من المحاولة الانقلابية، بقي الملك الحسن الثاني يُظهر للأمريكيين موقفه وشكوكه في كون السفارة الأمريكية في الرباط كانت تتوفر على معطيات عن المحاولة الانقلابية.

خصوصا وأن الملك الحسن الثاني كان يعرف أن الجنرال أوفقير كان يتواصل مع ممثلين دبلوماسيين لسفارات أجنبية في الرباط، وأنه كان يربط صداقات مع سفراء وقناصلة. واتضح لاحقا أن الود الكبير الذي كان يُظهره لهؤلاء الأجانب من مختلف الجنسيات، كان يُحركه منطق واحد، وهو أن الجنرال أوفقير كان يتصرف ما بين أواخر يوليوز 1971 إلى حدود صباح 16 غشت 1972، وكأنه رئيس دولة، وليس جنرالا عسكريا ووزيرا للداخلية.

 

 

أوفقير تحسر على نقص العتاد والذخيرة

في صباح يوم 16 غشت 1972، اتصل مسؤولو وزارة التشريفات والأوسمة التي كان يترأسها الجنرال مولاي حفيظ العلوي بكل وزراء الحكومة المغربية وكبار المسؤولين العسكريين وعامل مدينة الرباط وكبار مسؤولي وزارة الداخلية، لكي يحضروا إلى مطار سلا لانتظار وصول طائرة الملك الحسن الثاني خلال رحلة عودته من باريس.

كان الجنرال أوفقير من بين الحاضرين في ساحة المطار. وكل الشهادات التي أدلى بها الوزراء لاحقا، أفادت بأن الجنرال أوفقير لم يكن يبدو عليه أي ارتباك نهائيا، بل إنه كان يتبادل النكات مع وزراء آخرين ومسؤولين عسكريين جاؤوا للسلام على الملك الحسن الثاني عند نزوله من الطائرة الملكية.

لكن الحقيقة أن الجنرال أوفقير كان الوحيد الذي ينتظر ألا تصل الطائرة وليس أن تصل.

طال انتظار الحاضرين، إلى أن جاء موظفو البروتوكول الملكي لكي يخبرونهم أن الطائرة الملكية توقفت في برشلونة لكي يلتقي الملك الحسن الثاني مع مسؤولين إسبان، ثم أقعلت لتوها لكي تواصل رحلتها صوب الرباط.

وقتها علم الجنرال أوفقير أن العد التنازلي قد بدأ، وأن الطيارين أمقران واكويرة يستعدان على بعد كيلومترات قليلة منه، في قاعدة القنيطرة، لكي ينطلقا مع سرب طائرات

الـ”F5″ الأمريكية، رفقة طيارين آخرين، لكي يقصفوا طائرة الملك الحسن الثاني فور دخولها الأجواء المغربية لإسقاطها في البحر.

طال انتظار الوزراء المغاربة، لكن مشهد الجنرال أوفقير الهادئ، وهو يمسح العرق من على جبينه بقطعة ثوب، ثم يراقب الأجواء من وراء نظارته الشمسية السميكة، لم يكن يثير ريبة أحد، سيما أن كل الحاضرين كانوا يعلمون أن الجنرال هو ثاني أهم مسؤول مغربي، وأنه أقرب رجل إلى الملك.

بل إن موظفي البروتوكول لم يكونوا يجرؤون على إعطاء تعليمات إلى أوفقير، في الوقت الذي كان منصبهم يتيح لهم توجيه التعليمات إلى كبار العسكريين والمستشارين.

دقت ساعة الصفر، وهو ما صدم الجنرال أوفقير. الاتفاق الذي كان بينه وبين أمقران واكويرة أن يتم إسقاط الطائرة الملكية في عرض البحر، وظهورها في أجواء مدينة سلا، كان يعني أمرا واحدا وهو أن المحاولة الانقلابية لا تسير حسب الاتفاق.

لم يشك أحد في أن طائرة الملك الحسن الثاني قد تلقت ضربات في الجو، خصوصا وأن مشهدها وهي تطوف فوق سلا لم يكن يثير ريبة أحد، باستثناء الجنرال أوفقير طبعا.

اصطف الوزراء وكبار المسؤولين استعدادا لتحية الملك، إلا أن الجنرال أوفقير كان يُجهز نفسه للانسحاب، سيما عندما ظهر له دخان ينبعث من الطائرة.

قيلت روايات كثيرة عن انسحاب الجنرال أوفقير من المطار، هناك من قال إن الجنرال أدرك أنه يتعين عليه قيادة العملية بنفسه، والتنسيق مع الطيارين الذين كانوا في تلك اللحظة قد نزلوا في القنيطرة لإعادة شحن الطائرات بالذخيرة. وهناك من قال إنه اختفى حتى لا يتم احتجازه.

لكن الأكيد أن الجنرال كان مصرا على مواصلة العملية وليس الانسحاب منها. والدليل أن الطائرات المقاتلة عادت لتضرب المطار وتستهدف قاعة كبار الزوار، وموكب سيارات القصر الملكي التي تحركت من المطار صوب القصر. كان الجنرال لا يعرف مكان الملك الحسن الثاني، الذي انسحب بعد أن نزل من الطائرة وسلم عليه الوزراء وخرج إلى طريق جانبية خلف المطار، واستقل سيارة مدنية عادية حتى لا يثير انتباه الطيارين، ووصل سالما إلى الرباط.

وقتها كان الجنرال أوفقير يتحسر، لأن العملية خرجت من بين يديه.

والتحقيقات التي أجريت لاحقا، ومحاكمة المتورطين في الانقلاب بعد الموت المُبهم للجنرال أوفقير عقب الانقلاب بساعات، أظهرت أن جوانب كثيرة من المخطط لم يتم الإعداد لها جيدا. بل إن أمقران واكويرة أثناء التحقيق معهما قالا إن الجنرال أصر على مواصلة العملية وعدم إرجائها، حتى رغم عدم توفر صواريخ متطورة جدا، كان المغرب ينتظر التوصل بها في إطار صفقة عسكرية. وأكدا أن الجنرال تحسر على عدم توفر الذخيرة التي كان يحلم بها لتنفيذ المخطط كما تصوره.

 

بعد 40 سنة «ويكيليكس» يبرئ سفيرا أمريكيا لاحقته لعنة الانقلابات

اسمه «ستيوارت د. روكويل»، وهو أسوأ سفراء الولايات المتحدة الأمريكية في المغرب حظا.

إذ إنه اشتغل في المغرب ما بين سنتي 1970 و1973، أي أنه عاش الانقلابين معا، انقلاب الصخيرات سنة 1971، والانقلاب الذي استهدف الطائرة الملكية سنة بعدها. وقبلهما، في سنة 1970 عاش في قلب زوبعة فضيحة طلب وزراء مغاربة رشاوي من رجال أعمال أمريكيين. وكانت السفارة الأمريكية في الرباط في قلب الزوبعة، لأن هؤلاء المستثمرين الأمريكيين لجؤوا إلى السفير لكي يساعدهم في إيصال غضبهم إلى الملك، لأن معاملاتهم ومشاريعهم عُرقلت في المغرب، بسبب طلب مسؤولين مغاربة كبار رشاوى، مقابل منحهم رخص الاستثمار وبناء مشاريعهم السياحية.

وحتى عندما أرسل الملك الحسن الثاني وزراءه إلى السجن وفتح تحقيقا موسعا في قضية الرشاوى، فإن السفير الأمريكي في المغرب بقي محرجا لمدة طويلة، بسبب توتر العلاقة بين واشنطن والرباط، نتيجة ملفات أخرى تتعلق بتأخر مساعدات أمريكية كان مقررا أن يستفيد منها المغرب مع دول أخرى.

يوم 11 يوليوز 1971، والذي كان يصادف يوم أحد، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» على صدر صفحتها الأولى عنوانا بارزا، مرفقا بصورة لضيوف قصر الصخيرات وهم يفرون من القصر عبر طريق رملية ضيقة: «الجيش يهاجم القصر الصيفي للملك».

لكن الصحيفة لم تشر أبدا إلى حقيقة مفادها أن السفير الأمريكي السيد ستيوارت، انسحب من القصر الملكي دقائق قبل بداية الهجوم. وهو ما طرح تساؤلات كثيرة بشأن معرفة واشنطن، أو سفارتها في الرباط على الأقل، بشأن موضوع الانقلاب.

ومع حدوث الانقلاب الثاني في غشت 1972، ازداد وضع ستيوارت في المغرب سوءا، خصوصا وأن الانقلاب كما ذُكر سابقا قد انطلق من القاعدة الجوية في القنيطرة، والتي كانت في السابق قاعدة أمريكية، قبل أن يتم تسليمها إلى المغرب بداية الستينيات، مع احتفاظ الأمريكيين بجناح داخلها مخصص للجيش الأمريكي، باعتبارها واحدة من أهم القواعد التي تعتمد عليها أمريكا في العالم.

ورغم محاولات السفير ستيوارت لتطمين الملك الحسن الثاني ومسارعته إلى الاطمئنان عليه فور انتشار خبر فشل المحاولة الانقلابية، إلا أن العلاقات الرسمية المغربية الأمريكية ظلت متشنجة، إلى أن مرت سنوات على تلك الأحداث، وزار الملك الحسن الثاني الولايات المتحدة على عهد الرئيس ريغان، في ثمانينيات القرن الماضي.

بالعودة إلى حدث انسحاب السفير روكويل من القصر الملكي، فإن انتشار إشاعات مفادها أنه انسحب من الحفل في الصخيرات مبكرا، لعلمه مسبقا أن العسكريين سوف يقتحمون البوابة وينفذوا المخطط الانقلابي، زاد من تعقيد وضعه. بينما رواية أخرى تحدثت عن ارتدائه للباس مغاير لما كان يلبسه أغلب الضيوف – حسب الشهادات فإن أغلب الضيوف كانوا يرتدون لباسا صيفيا تماشيا مع الموضة- حتى يميزه المهاجمون، وهي رواية تفتقر إلى الدقة، بحكم أن تلاميذ المدرسة العسكرية أثناء الإدلاء بشهاداتهم في المحكمة أكدوا أنهم لم يكونوا يعرفون أي تفاصيل عن الهجوم، بل كان الأمر يتعلق بغارة عشوائية راح ضحيتها مئات الضحايا، بينهم دبلوماسيون وسياسيون، بطلقات عشوائية.

بعد الانقلاب الثاني، حل نائب الرئيس الأمريكي في الرباط لكي يقدم للملك الحسن الثاني رسالة من الرئيس الأمريكي، ويهنئه على سلامته من المحاولة التي استهدفت طائرته «البوينغ»، وبدا وقتها أن نائب الرئيس، واسمه «أكنيو» كانت مهمته عسيرة جدا، حيث نقل له الملك الحسن الثاني، حسب ما تأكد في وثائق «ويكيليكس»، قلقه من أن تكون هناك أياد خارجية دعمت المحاولتين.

 

 

قصة شريط بثه راديو إسبانيا سجل كلام الانقلابيين في الجو

لقد كانت زوجة رئيس وزراء إسبانيا الأسبق في عهد فرانكو، الأمريكية «آلين غريفيت» التي تحمل لقب كونتيسة في إسبانيا، رغم أنها مواطنة أمريكية وعميلة سابقة لجهاز الاستخبارات المركزية «CIA»، وسبق لها العمل في المغرب، سباقة إلى إثارة موضوع بث الراديو الإسباني لتسجيل محادثات الطيارين المغاربة الذين نفذوا الانقلاب الذي استهدف الطائرة الملكية.

وروت في مذكراتها «The Spy Wore Silk»، أي «العميلة التي ارتدت الحرير»، في إشارة واضحة إلى القفطان المغربي، عن مغامرتها في المغرب ما بين المحاولتين الانقلابيتين، بصفتها ضيفة مميزة على المغرب في عدد من المناسبات التي سبقت انقلاب الصخيرات والمحاولة الانقلابية الثانية.

تقول السيدة «آلين»، والتي سبق أن قدمنا ترجمة حصرية لمذكراتها على حلقات في «الأخبار»، إنها فوجئت في يوم 16 غشت 1972، وهي تسمع على أمواج الراديو تسجيل الحديث الذي دار بين الطيارين الانقلابيين وبرج المراقبة في القنيطرة، مرفقا بترجمة إسبانية!

من سرّب تسجيل الطائرات؟ لم تُجب آلين عن هذه الجزئية، رغم أنها أهم سؤال في هذه القصة، لكنها اكتفت بنقل ما وقع:

«عندما غادرت الطائرة الملكية الأجواء الإسبانية وبدأت الاستعداد للنزول ولم يعد يفصل بينها وبين الأرض سوى 12 دقيقة، في تلك اللحظة، هاجمتها ثلاث مقاتلات من نوع «F5»، حيث كانت تحلق فوقها بعلو 500 قدم فقط. وسوف نشغل الشريط الثاني للتسجيل بين الطائرات وبرج المراقبة:

– برج القنيطرة. قائد جناح الحرية يتحدث. يمكنني رؤية الهدف، وأستعد لإطلاق الهجوم.

– عُلم، جناح الحرية. حظا موفقا.

– جناح الحرية، معك قائد الحرية. حافظ على ارتفاعك إلى أن تتلقى أوامر أخرى.

– عُلم، يا قائد الحرية.

«- من مركز القنيطرة إلى جناح الحرية. هل دمر قائد الجناح طائرة الملك؟ حوّل.

– جناح الحرية إلى برج المراقبة. حول. النتيجة سلبية. لقد ناور مرتين. لقد ضربنا الطائرة أكثر من 50 مرة. الدخان ينبعث من المحرك الأيمن.

– مركز القنيطرة إلى جناح الحرية. ما هي وضعية الطائرة؟ حول.

– جناح الحرية إلى برج المراقبة. تبعد عن البحر بـ500 قدم. لماذا لا تستجيب الأجنحة عندما قام بالانحناء؟ لا أدري لماذا. الله يعلم. إنه يتجه نحو مطار الرباط. حوّل».

تصف «آلين» التسجيلات وتقول إنه في تمام الثالثة بتوقيت إسبانيا، جاء صوت الكابتن حشاد، بدل الأصوات الأولى التي كانت تقود الهجوم، قائلا:

«- برج الرباط، معكم الكابتن حشاد. جلالة الملك يتحكم في زمام الأمور. يجب أن نكون الآن في مجال الرؤية عندكم، سوف يقوم جلالته بنزول سريع جدا في المدرج الغربي، سوف ننسحب. يجب أن توفروا كل معدات الطوارئ على الأرض.

مع تمام الثالثة وثلاثين ثانية، بتوقيت إسبانيا، تم إعطاء معلومات جديدة عن موقع الطائرة وارتفاعها من جديد».

وتختم «آلين» حديثها عن هذه التجربة: «كنت أرتعد خوفا عندما انتهى التقرير على الراديو. أعلن المعلق أنه سوف يذيع مزيدا من التفاصيل كل ساعتين».

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى