شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةملف التاريخ

بعض الوطنيين اعتقدوا أن الأمم المتحدة ستساعد المغرب بعد الاستقلال

 

 

 

 

يونس جنوحي

المغرب بلد جميل، سكانه أذكياء وقادرون على التأثير على كفة الميزان في العالم المعاصر. لديهم الشجاعة ويُميزهم العناد. وحس الضيافة والكرم لديهم يبقى قيمة تقليدية. عندما يريدون الاستقلال بأنفسهم لن تكون هناك أي حدود للتقدم الذي يمكنهم تحقيقه. لم أر من المغاربة سوى الطيبة والتعامل الحسن. لقد أحببتهم جدا إلى درجة أنني صرتُ قلقا بشأن مستقبلهم. أستطيع الآن تفهم طموحاتهم، ولكن يبدو لي أن القليلين منهم فقط يُدركون مدى صعوبة الطريق نحو الحرية ومدى قسوة العالم المحيط بهم.

خلال وجودي في المغرب، تذكرت، مرات كثيرة، بلاد «بورما» التي رأيتُ فيها آلام ومعاناة ولادة أخرى للدولة. إن استقلال «بورما»، مثل استقلال المغرب، كان غاية مقبولة، وبسبب الحرب تم تسليم «بورما» قبل الأوان، وبسبب سلسلة من الحسابات الخاطئة عُهد برعاية البلاد إلى حزب واحد.

النتيجة كانت معروفة. مُزقت «بورما» إلى أجزاء بسبب الانقسامات الداخلية. شُددت القيود على سلطة الحكومة وأدت الخلافات بين القبائل والأحزاب السياسية إلى فوضى من الحروب الأهلية والموت والبؤس، جثمت كلها على صدور الآلاف، ولا يوجد ضمان أو حتى مساع قد يُفهم منها أن هناك نهاية ما تلوح في الأفق.

لنفترض أن بورما سعت إلى الهدف نفسه، وهو الاستقلال، ولكن بطريقة أكثر تدرجا كما تفعل السودان على سبيل المثال. هل كانت عشر سنوات أو عشرون سنة أخرى من الوصاية مهمة تاريخ أي بلد؟ أليس من شأن هذه السنوات أن تُجنب البلاد الوقوع في الوضع الحالي الذي يسوده الارتباك والبؤس، وكانت لتؤدي مباشرة إلى انطلاقة حقيقية، على طريق مُعبد؟ لا أرغب في رؤية «بورما» أخرى في المغرب.

إن نفاد الصبر مرض يصيب المنتسبين إلى الحركة الوطنية، الذين يحملون أفكارا قومية. وهذا المرض تتغذى عليه المعارضة، ويؤدي إلى تجاهل الصعوبات باعتبارها غير ذات أهمية.

في إحدى الأمسيات، خُضت في نقاش مع مجموعة من أعضاء حزب الاستقلال، وقلتُ لهم إنه لولا الفرنسيين لكان المغرب غارقا، دون أي أمل في إنقاذه، في مشاكل نقص المهارة التقنية والموارد المالية، هذا ناهيك عن انعدام الخبرة في التسيير الإداري.

أجابني أحد الحاضرين، بفخر، وقال إن كل هذه المظاهر لا تهم وأن المغاربة يفضلون الموت جوعا على العيش تحت السيطرة الفرنسية. إذا كان هذا الأمر صحيحا، بأي شكل من الأشكال، فإنه لا ينطبق إلا على أقلية ضئيلة جدا.

لكن رجلا آخر قدّم جوابا معروفا أكثر ويتداوله الناس بكثرة. مفاده أنه بعد رحيل الفرنسيين، فإن المغاربة سيمتلكون كل المصانع، السكك الحديدية وبقية الممتلكات. وأن الأمم المتحدة، بطبيعة الحال، ستوفر التقنيين على سبيل الإعارة وأن الدول الأخرى ستكون سخية في دعم المغرب بالمواد الأولية. وعلى الرغم من أن هذا الجواب أظهر مستوى من التمني، يُذهل الإنسان الأوروبي عند سماعه، إلا أنه لا أحد من الحاضرين من أفراد المجموعة، في تلك الجلسة، بدا عليه أنه يختلف مع هذا المنطق.

من المؤكد أن أغلب المغاربة يفضلون سياسة ليبرالية معتدلة للتقدم بالبلاد، بدل الاندفاع المتسرع نحو الكارثة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى