شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

بوعلام صنصال يدشن الدخول الثقافي الفرنسي برواية عن الاستبداد الديني

المصطفى مورادي
من طقوس الدخول الثقافي الفرنسي أن يدشن إصدار كتاب معين أو رواية بعينها انطلاقة الموسم، بل ويطغى على اتجاهات واهتمامات المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام طوال السنة، وأحيانا يمتد ذلك لسنوات، وهي غالبا ما تثير تيمة تشغل الرأي العام الفرنسي. فبعد الضجة التي خلقها كتاب «فرديريك ويلبيك» حول فرضية «أسلمة فرنسا»، وهو الكتاب الذي أثار جدلا قبل أن يصدر رسميا، وزاد من حدته أن صدوره كان مبرمجا في اليوم ذاته لحادثة «شارلي إيبدو» الإرهابية. هاهي رواية أخرى جديدة للروائي الفرنسي من أصل جزائري «بوعلام صنصال» تخلق الحدث، ليس فقط لكونها تعطي لتيمة التطرف الإسلاموي بعدا آخر في النقاش، ولكنها لأنها رواية تعيد للأذهان التأثير الكبير الذي أحدثته رواية عالمية شهيرة للروائي الإنجليزي الأشهر «جورج أوريل»، صاحب رواية «المزرعة السعيدة»، والتي كتبها سنة 1948 وتحمل عنوان «1984» وتنبأ فيها بمستقبل العالم بعد 36 سنة.

من «2022» ويلبيك إلى «2084» صنصال
قبل شهرين تحديدا من صدور رواية بوعلام صلصال «2084»، ظهرت رواية أخرى لكاتب فرنسي مثير للجدل، يعرف كثيرا بكونه التجسيد الثقافي الواضح لما بات يعرف بالإسلاموفوبيا، هو ميشال ويلبيك كاتب رواية «استسلام»، التي حددت سنة 2022 تاريخا لدخول رئيس مسلم لقصر «الإليزيه» يدعى عباس. مع ما يعنيه ذلك بالنسبة له، من انهيار لقيم الجمهورية الفرنسية.
ورواية صنصال، التي ظهرت في غشت هي أيضا تدخل في الاتجاه نفسه، فرغم أن عنوانها الفرعي هو «نهاية العالم»، فإن صلصال لم يكن يقصد بالتعبير هنا، المعنى اللاهوتي للنهاية، بل إنه يذهب للعكس تماما لهذه التفسيرات الغيبية التي ترى الماضي أفقا مستقبليا، والحياة عبورا والموت أصلا ومنتهى. إنه يدخل في الأفق ذاته لجورج أوريل وهو التنبؤ انطلاقا من الحالة الراهنة، وفي قالب روائي تخييلي، بحالة العالم بعد 69 سنة من الآن. والتنبؤ هنا، لا يحمل أي معنى من معاني التنجيم، بل يدل على ذكاء في قراءة معطيات الواقع.. لكون حالة العالم الحالية تعتبر سببا موضوعيا لحالته المستقبلية.
فبالرغم من أن رواية «2084» صدرت في غشت الماضي، فإن الرواية كانت من بين أكثر الروايات التي انتظرها جمهور القراء الفرنسيين بالنظر إلى النقاش المبكر حولها شكلا ومضمونا، بداية من عنوانها، بل تم الشروع في ترجمتها لتسع لغات على الأقل.
الرواية أعادت إلى الأذهان، كما قلنا، رواية «1984» التي ألّفها البريطاني جورج أوريل العام 1949 وتنبّأ فيها بوضع العالم بعد 35 عاما، ورأى أن قوى كبرى تتقاسمه وتفعل به ما تريد من دون مراعاة ما يريده الآخرون.
هذا ولم ينف صنصال أنه استلهم الفكرة من جورج أوريل، وهو أيضا يتوقّع عالما مملوءا بالمحن والأوجاع، ويتقاطع مع رواية «الخضوع» الغارقة في التهويل التي صدرت شهر يونيو الماضي للفرنسي ميشال ويلبيك، توقع فيها أن يصل في الأجل القريب بحدود 2022 رئيس إلى «الإليزيه» من أصول مسلمة، ويقيم دولة إسلامية في فرنسا ولا يعبأ بقيم أغلبية الناس في هذا البلد.
الجدير بالذكر أن بوعلام صنصال من مواليد منطقة ثنية الأحد ولاية تيسمسيلت في الغرب الجزائري (15 أكتوبر 1949)، أديب فرانكوفوني جزائري، روائي وكاتب قصص قصيرة. حصل في شهر يونيو 2012 على جائزة الرواية العربية عن كتابه «حي داروين». وشارك في مهرجان بالقدس المحتلة في ماي 2012 تزامن مع إحياء الفلسطينيين الذكرى الرابعة والستين للنكبة، واحتفالات إسرائيل بذكرى قيامها، وبعد عام من فوز الكاتب الجزائري كمال داود بجائزة «الغونكور» الأدبية الفرنسية عن روايته «ميرسو التحقيق المضاد». صنصال هو جزائري آخر يدخل المنافسة بقوة برواية «2084 نهاية العالم». فقد نجحت الرواية في اجتياز التصفيات التمهيدية، وهي بين 15 عملا أدبيا تتنافس على أرقى جوائز الأدب الفرنسي. ورجّح اختصاصيون ومتتبّعون للشأن الأدبي في فرنسا والجزائر أن تكون المنافسة النهائية على التتويج بين «2084 نهاية العالم» ورواية «الحب المستحيل» للروائية الفرنسية كريستين أنجو.

الخوف كمحرك للتاريخ الغربي
العلاقة بين راويتي بوعلام صلصال وجورج أوريل، واعتراف الأول باستلهام أفكار الثاني، يفيداننا كثيرا في فهم الفوبيا التي تسيطر على الرأي العام الفرنسي خصوصا والأوربي عموما من الإسلام، ليس لأن التهديد الإرهابي الذي ينسبه أصحابه للإسلام غير موجود، بل الطريقة التي يتم بها تضخيم الخوف الجماعي، سواء بالأدب أو الفن أو الإعلام، أو الطرق التي يتم بها انتقاء الأخبار. وما فتئ هذا الخوف الجماعي يتجدد في فرنسا في مناسبات كثيرة، كان هذا واضحا إبان الهجمات الإرهابية التي شاهدها العالم كله بالمباشر على مجلة «شارلي إيبدو»، وتتجدد الآن مع أزمة اللاجئين السوريين المتفقين بمئات الآلاف نحو أوربا على خلفية الحرب الأهلية التي تشهدها بلاد الشام.
ما يمكن الانتباه إليه هنا، هو الاقتصاد السياسي للخوف، إذا استعرنا لغة الفيلسوف ميشيل فوكو، حيث وجود صناعة ضخمة للخوف، يستفيد منها الساسة تماما كما يستفيد منها الاقتصاديون. ومن الطبيعي أن يؤجج لهيبها اندفاع العامة، الذين بدؤوا يرجعون كل قيم التعايش مع الآخر التي لطالما آمنوا بها، خصوصا مع التصاعد اللافت للتيارات النازية عبر كل التراب الأوربي. وكما قلنا، فإن كان هذا الواقع إشكاليا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكون الخوف في مستوى معين معقولا جدا، لاسيما في ظل تصاعد التهديدات التي تشكلها التيارات الدينية المتطرفة التي عملت على عولمة الإرهاب، فإنه من ناحية أخرى فيه الكثير من المبالغة.
والحقيقة أن الأمر ليس جديدا، فقد كان الخوف دوما، وما يفترضه من وجود عدو خارجي يتربص بأوربا وقيمها شرا، حقيقة قائمة. لذلك فما كان يفترضه جورج أوريل من خوف من سيطرة الانتهازيين على الثورة في «المزرعة السعيدة»، كان أيضا يتنبأ من هيمنة المستبدين في روايته «1984». لذلك إن كانت الفوبيا التي تتناولها رواية صنصال هي فوبيا من الاستبداد الديني، حيث دولة تؤمن بفكرة واحدة ووحيدة وتعمل على مراقبة أفكار وأفعال مخالفيها.. فإن رواية جورج أوريل تتناول فوبيا الاستبداد السياسي. لاسيما وأنها كتبت سنة 1948، أي في زمن اجتياح حقيقي للأفكار النازية والشيوعية لأوربا الغربية، ومن الطبيعي أن تكون لهذه الفوبيا المسنودة على حقائق واقعية آنذاك تعبيرات تخييلية، يمكن القول إنه مبالغ فيها.
وبغض النظر عن هذه الإشكالية، فإن ما يلاحظ عموما، على هامش الجدل الذي خلقته رواية بوعلام صنصال، هو القيمة التي ماتزال للكتاب والرواية والمثقف والأديب على أن يقود النقاش العمومي في كل القضايا الحيوية. فكما كان ويلبيك تعبيرا عن خوف جماعي، سنختلف حول موضوعيته من الإسلاموفويبا.. فإن تنبؤات رواية «2084» ليست إلا تعبيرا ثقافيا وفنيا عن هذا النقاش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى