
نعيمة لحروري
في قلب إقليم فجيج، حيث تمتد الصحارى بلا نهاية وتختبئ الثروات المعدنية تحت أقدام ساكنة تعيش على هامش الوعود، تستيقظ جماعة بوعنان على مفارقة صارخة: أرضها غنية، وأهلها فقراء.
النحاس، الذهب، معادن نفيسة أخرى، كلها مخبوءة في جوفها، لكن من يستخرجها؟ ومن يستفيد منها؟
إن الحديث عن الثروة المعدنية في هذه المنطقة ليس ترفا معرفيا، بل هو صرخة في وجه واقع ظالم، حيث يتم استقدام شركات مجهولة المصدر، تضع ملفاتها على طاولات المسؤولين المحليين، مطالبة بختم الجماعة دون أن تقدم دفتر التحملات أو توضح هوية مشاريعها. وبينما تستحوذ هذه الشركات على التراخيص والعقارات، يبقى أبناء المنطقة على الهامش، ممنوعين من الاستفادة من ثروة هي في الأصل حقهم الطبيعي.
رغم ما تحمله أراضي بوعنان من إمكانات معدنية ضخمة، إلا أن العائد الاقتصادي والاجتماعي لهذه المشاريع يظل شبه منعدم. فلا فرص شغل تُخلق، ولا بنية تحتية تُطور، ولا أي أثر إيجابي ينعكس على الساكنة. بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى مخاطر حقيقية تطول العمال البسطاء الذين يتم تشغيلهم في ظروف قاسية دون تأمينات صحية أو تغطية اجتماعية، وكأن الاستثمار هنا لا يعني إلا الاستنزاف، لا البناء.
إن واقع استغلال الثروات في بوعنان يعكس سيطرة لوبيات قوية تحظى بتسهيلات مشبوهة، بينما يتم تهميش أبناء المنطقة، الذين يفترض أن يكونوا الشركاء الرئيسيين في أي مشروع معدني يخص أرضهم. فالمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن يجري أبحاثه عن الذهب والمعادن النفيسة، لكن دون أن يكون لشباب المنطقة أي نصيب في هذه المشاريع، رغم أن دماءهم امتزجت بهذه الأرض عبر الأجيال.
إن استمرار هذا الوضع ليس مجرد خطأ عابر، بل هو جريمة اقتصادية وتنموية بحق جماعة تعاني من الفقر والبطالة في الوقت الذي تُنهب ثرواتها أمام أعينها.
إن كان هناك استثمار حقيقي، فلماذا لا يتم إشراك أبناء المنطقة؟ لماذا لا تُفرض رقابة صارمة على هذه السوق السوداء التي تجني الملايير، بينما تظل طرقات المنطقة متهالكة وقناطرها عرضة للانهيار بفعل الوزن الزائد لشاحنات المعادن؟
إن أبناء بوعنان يرفعون صوتهم اليوم مطالبين بما هو حق لهم وليس مِنَّةً من أحد. يطالبون بفرض رقابة صارمة على استغلال المعادن، وكشف هويات الشركات المستثمرة. يطالبون بضمان استفادة أبناء المنطقة من فرص الشغل في المناجم والمشاريع ذات الصلة، والكشف عن العائدات المالية المستخلصة من استغلال الثروة المعدنية. يريدون فرض رسوم وكراء عادل على الأراضي السلالية المستغلة من قبل الشركات، وحماية البنية التحتية من التدمير الناتج عن عمليات نقل المعادن، والحفاظ على الفرشة المائية من الاستنزاف العشوائي. كما يحملون وزارة الطاقة والمعادن مسؤولية الوضع الكارثي الذي تعيشه المنطقة، ويدعون وسائل الإعلام إلى زيارة ميدانية لكشف حقيقة ما يجري.
بوعنان، تلك القرية التي تنام فوق الذهب وتموت عطشا، ليست وحدها في هذه المعادلة الظالمة. هي صورة مصغرة لسياسات تنموية عرجاء، حيث تُستنزف الثروات دون أن يترك ذلك أثرا في حياة السكان. فإلى متى يستمر هذا العبث؟ ومتى يستيقظ الضمير قبل أن تتحول هذه الأرض إلى صحراء، بعد أن تفرغ من كنوزها ومن سكانها على حد سواء؟