شوف تشوف

الرئيسية

جلال الدين الرومي.. «الحب.. الحب.. الحب»!

اسمه الكامل محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي (1273-1207م)، أديب وفقيه وصوفي. عرف بالرومي لأنه عاش مدة غير يسيرة من حياته لدى سلاجقة الروم في تركيا. من أشهر ما ألّفه جلال الدين الرومي يمكن أن نذكر «المثنوي»، «الرباعيات»، «ديوان الغزل»، و«كتاب فيه ما فيه».
كلما قرأت متن جلال الدين الرومي، قلت مع نفسي، على الأقل في هذا الزمن الذي تسكنه الفوضى والألم والقتل والأقنعة، إن هناك من يفكر في الحب، ويربي النّاس على الحب، ويدعو إلى الحب، حالا ومقالا، لا شيء.. الحب ثم الحب ثم الحب. لا يهم ما دينك ولا من أنت ولا من أين أتيت؟ المهم: تعال نذكر الله! وفي ذكرنا له محبة! أو كما قال جلال الدين الرّومي:
«تعال، تعال، مهما كنت لا يهم تعال
كن كافراً، كن مجوسياً
كن عابد الأصنام، لا يهم تعال
ركننا ليس ركن اليائسين
لو فسخت توبتك مائة مرة لا يهم تعال».
مثل هذا الكلام: هل يمكن أن يصيبنا باليأس؟ ما هو المقدار الذي يمكن أن نتصور به فسحة الدين؟ كيف يمكن، من خلال كلام المحبين للذات الإلهية، أن نتصور رحمة الله الواسعة؟
من المعروف عن المحب جلال الدين الرومي أنه كان مرناً في التعامل مع المختلف دينياً، ومتسامحاً أيضاً. فمن خلال أبياته السابقة يمكن أن نستشف طريقة متسامحة لا متناهية مع كل المعتقدات والأفكار، ودعوة إلى الخير الأسمى: «الحب»، الذي هو الغاية الأولى لوجود الإنسان. إن الرومي يريدنا أن نكون متواضعين ومعتدلين في تصرفاتنا مع الآخر، ندعو الناس إلى دين الحب وليس دين الخوف، لا أقل ولا أكثر. وليس المهم هنا أن نبحث عن الأسباب، فمحبة الله والناس لا أسباب لها ولا نتائج، إنما أسبابها ونتائجها تظهر في تجربة العشق، فكل الأشياء، كما يقول الرومي، تصبح أوضح حين تُفسر، غير أن هذا العشق يكون أوضح حين لا يكون له أي تفسيرات.
فلا تحزن إن ذهب قلبه في الحب، لأنه ذهب في خير. فالعمر الذي لا يسكنه العشق، كأنه لم يكن، سراب فقط. فالعشق ماء الحياة وكل من لا يعشقون بمثابة أسماك خرجت من الماء، موتى ذابلين.. حتى وإن كانوا ملوكاً.. فأينما وجد الحب فالروح لا تعاني من النقص.
دعونا نفكر مع مولانا المحب جلال الدين الرومي: هل يمكن للشمس أن تختفي لأجل طلعة خفاش؟
إن الشمس التي تشرق بطلعتها أنّى لها أن تختفي من أجل خفاش؛ الظلام الذي تحاول بعض الجهالات المتطرفة نشره بين الناس في واضحة النهار، وتحت حرّ الشمس، لا حياة له ولا أمل. وماذا يفهم كل من يناصر الخفافيش؟ وماذا يعرف عن الله؟ إنهم لا يفهمون الكلام عن الحب الإلهي، ولا لم خلق الخلق، ولا إلى أين هم سائرون. عقولهم بنادق، وقلوبهم أيضاً.
دعونا نطرح مرة أخرى سؤالا على مولانا جلال الدين الرّومي، الفراشة التي أحرقتها نار الشوق: هؤلاء لا يفهمون الكلام في الحب، فلم الكلام؟
أجاب مولانا: ليس لزاماً أن يفهموا روح هذه الكلمات. الأصلُ هو هذه الكلمات نفسها، وهم يفهمونها. وبعد كلّ شيء، كل إنسان يقرّ بوحدانية الله، وبأنه الخالق والرزاق، وأنه المتصرف في كل شيء، وأن مآل كل شيء إليه، وأن العقاب والعفو منه. وعندما يسمع أي إنسان هذه الكلمات، التي هي وصف للحق وذكر له، يحصل اضطراب وشوق وذوق؛ لأنه من هذه الكلمات يأتي عبير معشوقه ومطلوبه.
ليست هناك جوانب غير مسبوقة يمكن الحديث عنها في سيرة المحب مولانا جلال الدين الرومي أو الروحي، فسيرته منذ طفولته إلى مماته تكاد يكون لها عنوان واحد: «الحب». ذلك أن العاشق لا يوجد في سيرته إلا الورد والصفاء، فلستُ أعرف محباً لله قطع رؤوساً، أو أعدم أطفالا، أو حتى ذبح مختلفاً في الدين والعقيدة. فهل من قال: من كل قطعة من قلبي يمكن أن تصنع محباً، يمكن أن يفعل كل ذلك أو حتى بعضهُ؟
كذب من قال إن الحب والرحمة والعفو والسماحة ليست من جواهر الدين، ليس فقط بين المسلمين بل أيضاً بين كل الناس. لكن في زمننا أصبح كل شيء بمقدار، على قدر قوتك يكون رصيدك من محبة النّاس وعدلهم وخلقهم «الطيب» معك. لكننا نسينا كثيراً أن حب التراب يدفن في التراب وحب الأرواح لا يفنى، فسلام عليك يا أيها المحبُّ.. بحروفك التي اشتركت في كل «محب»!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى