شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

حكايات ومواقف لزعماء وقادة أجانب في ضيافة الملوك

حول موائد القصور

حسب الكتابات التاريخية، فإن الاستقبالات الملكية وطقوسها لم تتخذ طابعها «السلطاني» إلا مع المولى إسماعيل، الذي كان يحرض على استقبال سفراء أجانب حتى في أشد الأزمات السياسية بأسا. وخلال الأزمة المغربية الفرنسية، استقبل السلطان مولاي إسماعيل سفير فرنسا الخاص، وكان الاستقبال يخيم عليه جو من التوتر الشديد، إلا أن طبيعة هذا الاستقبال لم تمنع من إحاطة الضيف بكل أشكال الضيافة المغربية.

ورغم أن بعض التحديثات قد دخلت على أنشطة الاستقبالات مثل حفلات العشاء وجلسات الشاي، باقتراح من الإدارة الفرنسية، أثناء زيارة الشخصيات الفرنسية الرسمية للملك الراحل محمد الخامس داخل القصر الملكي، سيما في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، إلا أنها تبقى تعديلات على «الطريقة الفرنسية»، التي لم ترق الكثير من الضيوف الأوربيين.

ورث الملك الراحل الحسن الثاني، عن والده السلطان محمد بن يوسف، طقوسا مخزنية ضاربة في التاريخ، تتعلق بمراسيم الاستقبالات الرسمية وحفلات الغذاء والعشاء، خصوصا عندما يتعلق الأمر برؤساء الدول الأجنبية، وآمن بأن جلسات حول مائدة عشاء مغربي قد تعيد ترتيب أوراق المفاوضات، بل إن الملك الحسن الثاني قد سبق أن شرح لضيف إفريقي، وهما على مائدة غذاء، المغزى من مثل مغربي شهير يرمز إلى معاني «نشركو الطعام».

لهذا انتبه كثير من المتتبعين للشأن السياسي والعلاقات الدولية، إلى أهمية الجلسات حول موائد الضيافة، حيث يتخلص الزعماء من البروتوكول ويسود التفاهم، بل ويتم حل الكثير من القضايا العالقة في مشجب الديبلوماسية، وهو ما نجح فيه الطبخ المغربي في كثير من المناسبات.

في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، سنسلط الضوء على كواليس بعض موائد الملوك، ودورها في تعزيز الصداقات وتذويب الخلافات.

#image_title

محمد السادس بإطلالة تقليدية في حفل عشاء على شرف الملك فيليبي

سار الملك محمد السادس على خطى والده المرحوم الحسن الثاني، وجعل الكثير من الرؤساء والملوك، الذين زاروا المغرب، يسقطون في حب الموائد المغربية التي تمارس جاذبيتها على الضيوف مهما علت مراتبهم. بل منهم من خصص لهذه اللحظات حيزا في وجدانه وأرخها في حواراته ومذكراته، بل إن المائدة الملكية كانت حاضرة في زيارات خارجية للملك، حيث يدعو إليها ضيوفه ويمنحهم فرصة التفاوض والاستمتاع بالأطباق المغربية الشهية.

حين أقام الملك محمد السادس، بالقصر الملكي، بقصر الضيافة بالرباط، مأدبة عشاء رسمية على شرف عاهلي إسبانيا، الملك فيليبي السادس والملكة ليتيثيا، بحضور أعضاء الوفد الرسمي المرافق للعاهلين الإسبانيين. استأثرت المباحثات بحيز كبير من اهتمام الملك وضيفيه، بل إن مضامين الاتفاقيات التي وقعت في القصر كانت حاضرة في نقاشات حول المائدة.

وحسب صحيفة «القدس العربي»، فقد ظهرت ملكة إسبانيا، الملكة ليتيثيا، بعد خروجها من القصر الملكي في الرباط مرتدية «سلهاما مخزنيا» بعدما كانت ترتدي فستانا أبيض اللون شبيها بالقفطان.

كان الملك محمد السادس، مرفوقا بولي عهده الأمير مولاي الحسن، والأمير مولاي رشيد، والأميرات لالة مريم ولالة أسماء ولالة حسناء ولالة أم كلثوم، حيث ظهروا بإطلالة مغربية أصيلة خلال حفل العشاء الذي أقامه الملك على شرف ملك إسبانيا وعقيلته، حيث حضر الجلباب والسلهام المغربيين وظهرت الأميرات بـ «التكشيطة» المخزنية، ما أضفى على الحفل لمسة أصيلة.

حول الموائد، لا يمكن للنقاش الجاد حول القضايا التي تهم المغرب وإسبانيا إلا أن يفتح الشهية للتداول في قضايا الساعة كالهجرة السرية ومحاربتها بالفعالية المرجوة من الجانبين، ومشروع الربط القاري بين أوروبا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق، والجهود الرامية إلى القضاء على آفة الإرهاب.

 

ساركوزي يتحدث في مذكراته عن ضيافة ملكية بمراكش

عندما كانت الأخبار القادمة من فرنسا لا تحمل عن نيكولا ساركوزي، رئيس فرنسا السابق في الفترة ما بين 2007 و2012، إلا الأنباء التي تحقق أعلى نسبة من الإثارة، كشف الرئيس السابق، في كتاب عنوانه «زمن العواصف»، النقاب عن العلاقات التي كانت تربطه برؤساء أفارقة وآخرين من المنطقة المغاربية، وهو ما دفع الكثير من الدول إلى البحث عن الشهادة التي منحها ساركوزي لرئيس أو ملك أو زعيم.

في الجزء الأول من مذكرات ساركوزي، الصادرة بعد اعتزاله الحكم، وصف الرئيس الفرنسي السابق ملك المغرب محمد السادس بـ «الرجل الذكي»، وقدم بيانات عن زعماء عايشهم في مساره السياسي، كاشفا عن حقيقة العلاقات التي كانت تربطه ببعض رؤساء دول إفريقيا والمنطقة المتوسطية.

وعبر ساركوزي، في هذه المذكرات، عن إعجابه بشخصية الملك محمد السادس، الذي يمزج بين صفات ثلاث «السلطة» التي ورثها من والده الحسن الثاني و»الذكاء» و»الإنسانية»، وهما خاصيتان يتمتع بهما جيله، وقال إن «المغرب محظوظ جدا بامتلاكه ملكا بهذه الأهمية». وأضاف ساركوزي، في الجزء المتعلق بالعاهل المغربي محمد السادس: «هو رجل يتمتع بذكاء كبير وهو شخص لطيف ويميل إلى الفكر الفرنكفوني».

في مذكراته، تحدث ساركوزي عن الضيافة المغربية وعن اللحظات الجميلة التي قضاها في مدينة مراكش، حين اختارها مكانا لقضاء فترة النقاهة عقب مغادرته المستشفى، مشيرا إلى الرعاية التي حظي بها من طرف الملك محمد السادس؛ «لقد جعلني مقامي في مدينة مراكش الساحرة أشعر بأن فترة النقاهة قد وجدت فضاءها، حظيت برعاية الملك وأسرته وظل وضعي الصحي يشغل بال العاهل المغربي، حتى في حفل العشاء الذي أقيم على شرفي أصر الملك على أن يكون محاطا بالأسرة الملكية التي أحاطتني بعناية فائقة جعلتني أكتشف الجانب الإنساني للملك الذي وضع رهن إشارتي إقامة ملكية ساحرة في منطقة النخيل تطل على جبال تكسو الثلوج قممها». وأضاف الرئيس الفرنسي السابق: «حول موائد الضيافة لم يسألني الملك عن الحماية الفرنسية ولم يعد بي إلى تاريخها، كان يتحدث عن المستقبل».

 

هكذا علقت «باري ماتش» على حفل عشاء ملكي على شرف هولاند

كشفت مجلة «باري ماتش» الفرنسية عن بعض أدق تفاصيل استقبال الملك محمد السادس للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في حفل العشاء بالقصر الملكي بالدار البيضاء يوم الثالث من أبريل 2013، من خلال وصف أزياء الأميرات الحاضرات وأيضا سرد ما تم تقديمه من أكلات متنوعة لضيف المغرب والوفد المرافق له.

ووصفت موفدة المجلة الفرنسية كارولين بيكوزي أزياء الأميرات بالأسطورية، وأشادت بالأجواء المخزنية التي سادت حفل عشاء مميز، تقول بيكوزي: «كان يسود صمت شبه ديني، مع بعض الابتسامات التي كانت تحوم حول المائدة الملكية التي اقتسمها الملك وضيفه وصديقته والأميرات وشقيق الملك الأمير مولاي رشيد، فضلا عن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وتم الاحتفال بعلاقة الصداقة المتجذرة بين المغرب وفرنسا.

ووصفت موفدة «باري ماتش» تفاصيل الوجبات المقدمة، وقالت إن «العشاء كان مكونا من وجبات مغربية أصيلة، والمشروبات قدمت للضيوف والحاضرين في كؤوس من «كريسطال باكارا»، وكانت عبارة عن كأس شاي بالنعناع، وحليب باللوز».

وأشاد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالطابع الفريد للعلاقة التي تربط بين فرنسا والمغرب، والتي «تتجاوز التناوب والتغيرات السياسية، بل تتجاوز حتى الأشخاص». وقال في خطاب ألقاه خلال مأدبة العشاء: إن «المغرب تربطه علاقة وثيقة بفرنسا وبسكانها وبتاريخها وبلغتها، كما أن فرنسا تربطها بالمغرب علاقات متعددة إنسانية وثقافية واقتصادية». وأضاف أن بلاده لن تنسى أبدا أن «جنودا مغاربة كانوا قد جاؤوا للكفاح بشجاعة نادرة من أجل تحرير فرنسا خلال الحربين العالميتين». وبأن الراحل محمد الخامس، الذي اعتبره الجنرال ديغول «رفيق تحرير» كان قائد الدولة الوحيد الذي حظي بهذا الشرف.

#image_title

الحسن الثاني يجبر إليزابيت على غسل يديها في «طاس» والأكل بدون شوكة

قامت إليزابيت الثانية بزيارتين للمغرب، أبرزها الزيارة الرسمية سنة 1980، التي خصصت لها مجلة «دايلي ميل» سلسلة من المقالات، سيما في علاقة الملكة بالملك الحسن الثاني والطرائف التي ميزت رحلة ما زال يذكرها المغاربة، حين يشاهدون سيارات الإسعاف التي أهدتها الملكة للمغرب والتي كان يطلق عليها الجيل الثاني اسم «إليزابيت».

أبدت ملكة بريطانيا قلقها مما أسماه مرافقوها بالإجراءات الأمنية المبالغ فيها، لكنها تفهمت مبرراتها خاصة وأن المغرب كان يعيش في تلك الفترة حالة احتقان. وقال موفد «دايلي ميل» إن الحسن الثاني «كان يغير مكان استقبالهم من فضاء لآخر في آخر لحظة، ويخبر طباخيه بمكان العشاء قبل أن يغيره وبدون سابق إشعار، وأصبح ذلك لا يشكل مشكلا لخدمه والساهرين على حياته من الخدم، الحرس الشخصيين، رجال الأمن والمقربين منه. لكن هذه التغييرات التي يقوم بها الراحل الحسن الثاني كانت كابوسا حقيقيا بالنسبة لضيوفه الذين لم يعتادوا على هكذا إجراءات أمنية مشددة، ومن بين هؤلاء الملكة إليزابيث، التي كانت تفتخر دوما بأن الشمس لا تغرب عن إمبراطوريتها لتجد نفسها تخضع لرغبات وتخوفات أمنية».

خلال تلك الزيارة، ظل الحسن الثاني يحرص على مراقبة الوجبات الغذائية بنفسه، بل إنه ذهب لتفقد عمل الطهاة قبيل وجبة غذاء مخصصة للملكة، تاركا إليزابيث تنتظره طيلة الظهيرة.

وزاد غضب الملكة حين اعتذر الملك عن مرافقتها لزيارة مركز للمعاقين تابع لجمعية بريطانية، بعدما كان البروتوكول يقتضي زيارتهما معا للمؤسسة الاجتماعية. لكن الحسن الثاني أخبرها بأن الوقت متأخر على ذلك ودعاها إلى المجيء للقصر بدل زيارة المركز، وهو ما رفضته الملكة التي زارت مقر الجمعية بمفردها.

وحسب اللورد دوغلاس هيرد، أحد مرافقي الملكة، فإن الملك طلب منها تأجيل مغادرتها للمغرب ببضع ساعات، إلا أنها رفضت المطلب الذي حمله إليها وزير القصور.

عادت الملكة إلى بريطانيا وأرسلت رسالة على الفور شكرت فيها الملك الحسن الثاني على حسن الضيافة، وعلى كل ما قدمه لها أثناء تواجدها بالمغرب وأضافت: «لقد تأثرنا خصوصا بطريقة جلالتكم في الاهتمام بمصلحتنا الشخصية خلال برنامج الزيارة».

وخصصت إليزابيث الثانية فصلا من فصول مذكراتها لعلاقتها بالملك الراحل الحسن الثاني، ووصفته الملكة البريطانية بـ «الرجل المغوار» وقالت إن من لم تعشق شخصيته فشخصيتها ناقصة.

وقالت في إحدى الطرائف التي وقعت لها مع الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله إنها زارت مدينة ورزازات الساحرة، وأقام على شرفها مأدبة غذاء باللحم وقالت إنها وجدت نفسها مضطرة لتتناول مع العاهل المغربي اللحم المشوي، مضيفة أنه مازحها قائلا: «نعرف من جلالتكم لا تأكل اللحم لكنها عادتنا فنحن في المغرب وبدون سكين، لتفاجأ من جديد بالخادم يحمل إناء لغسل اليدين والراحل الحسن الثاني يخاطبها بالإنجليزية: «ضعي يديك في الإناء قبل تناول الغذاء».

 

بحضور الرئيس اليمني.. العشاء الأخير للحسن الثاني  

كان آخر حفل عشاء رسمي أقامه الملك الحسن الثاني، على شرف رئيس دولة، هو الذي نظمه الراحل بقصر الصخيرات لضيفه العربي رئيس اليمن علي عبد الله صالح. كان العشاء رسميا بكل طقوسه المخزنية، إلا أنه اتخذ طابعا خاصا وحميميا، واقتصر على بعض الشخصيات المهمة داخل الدولة، عكس ما كان يحصل في لقاءات مماثلة، لم تخصص موائد كثيرة وتم الاقتصار على مرافقي الرئيس اليمني، وولي العهد آنذاك الأمير سيدي محمد وشقيقه المولى رشيد وعبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول وإدريس البصري وزير الداخلية، وثلة من المستشارين. على غير العادة، دعا الحسن الثاني ضيفه إلى التعرف على مرافق قصر الصخيرات، وطاف به جنباته وهو يشرح له حكاية الانقلاب العسكري الفاشل.

توقف الرجلان أمام شاطئ البحر طويلا، حتى ارتبك المكلفون بإعداد وجبة العشاء. يروي الرئيس اليمني ما دار بينه وبين الملك في حوار عقب الوفاة: «حين عاد الملك إلى ضيوفه كشف عن مضامين حديثنا، وقال للحاضرين إنني من المدافعين عن ملف الصحراء وكأنني مغربي الجنسية، وأضاف وهو يمسك ذراعي إني أعتبر الرئيس علي عبد الله صالح مغربيا».

لوحظ، خلال حفل العشاء المقام على شرف الرئيس اليمني والوفد المرافق له، أن فرحة تغمر الملك بعدما عانى في الأيام الأخيرة من آلام ظاهرة للمقربين منه، لكن الملك في تلك الليلة طلب إعداد وجبة خاصة إكراما لوزيره الأول عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان يتبع نظام حمية صارم، بعد معاناة من مرض السكري وخروجه للتو من عملية جراحية في الدماغ.

شعر الملك بالتعب منذ عودته من فرنسا، وطلب من مدير ديوانه إرجاء كل مواعيده لمدة ثلاثة أيام. حصل هذا عشية يوم الخميس 22 يوليوز سنة 1999، أي قبل يوم واحد من وفاته. كان آخر نشاط رسمي للحسن الثاني بقصر الصخيرات، حيث بدا الملك سعيدا وهو يرسل قفشاته لعبد الرحمن اليوسفي الذي كان في المائدة الملكية نفسها. في نهاية الحفل حاول أحد المقربين منه لفت نظره إلى صورة ظهرت في أحد المنابر الإعلامية للملك في باريس يظهر فيها بملامح منهكة، واقترح على الحسن الثاني لفت نظر رئيس تحرير تلك المطبوعة، لكنه رفض وقال: «صورتي في قلوب جميع المغاربة».

في اليوم التالي، توجه الملك إلى العيادة الطبية في القصر. لكن الأطباء ارتأوا أن ينتقل إلى مستشفى ابن سينا، فتوجه إليه ودخله مشيا على الأقدام، إلا أن حالته ساءت وتدخل أطباء فرنسيون إلى جانب الأطباء المغاربة لإنقاذ حياته، دون جدوى، فقد فاضت روحه وانتقلت إلى باريها أمام ذهول محيطه.

 

دونالد ترامب يلتقي الحسن الثاني حول مائدة كسكس

ظل الملك الحسن الثاني حريصا على توطيد علاقاته برجال المال والأعمال الأمريكيين، سيما وأن الثري مالكولم فوربس اعتاد على استضافة كبار المستثمرين الأجانب، والاحتفال بعيد ميلاده في قصره بمدينة طنجة، في جو صيفي يختلط فيه رجال المال بأهل الفن والسياسة.

في 18 غشت سنة 1989، كان اللقاء تاريخيا حين اجتمع عدد من الأثرياء والسياسيين والفنانين العالميين بطنجة للاحتفال بعيد ميلاد صديقهم، مالكولم فوربس، في قصره الخاص بحي مرشان. هذه المرة كان الحسن الثاني، ملك المغرب، ضيفا استثنائيا على الحفل، وكانت التعزيزات الأمنية جد مكثفة، ولأنه لم يكن يحتل منصبا سياسيا قياديا، فإن دونالد ترامب لم يلفت الأنظار على غرار باقي كبار الضيوف أمثال هنري كيسنجر وزوجته، وإمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، وجيمس غولد سميث، والفنان خوليو إغليسياس، ومشاهير لهم علاقة بمنظم الحفل.

حضرت رياضة الغولف في برنامج الحفل، بعد أن دعا الملك الحاضرين لقضاء ساعات في ملعب مدينة طنجة داخل النادي العريق، الذي كان الوجهة المفضلة لمشاهير عالميين توافدوا على مدينة طنجة. أقام فيه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله سنة 1987 مأدبة غداء على شرف الحاضرين عبارة عن وجبة كسكس مغربي. على الرغم من كون الثري الأمريكي فوربس هو الراعي الرسمي للحفل، إلا أن الحسن الثاني أصر على أن تكون للأمسية بصمتها المغربية، ودعا أحد كبار مموني الحفلات إلى المساهمة في جعل المطبخ المغربي حاضرا بين الوجبات الأمريكية.

لم يكن ترامب مقربا من محيط الملك في تلك الليلة، رغم أنه كان حينها من أشهر رجال الأعمال في الولايات المتحدة، وفي سنة 1992 تجدد اللقاء بين الحسن الثاني وترامب، بمدينة نيويورك، حين أقام ملك المغرب في الفندق، الذي يملكه دونالد الذي كان برفقة زوجته السابقة مارلا مابلز، وأصرا على التقاط صورة للذكرى مع العاهل المغربي.

في كتابه «طنجة.. مدينة الحلم»، يروي الكاتب «لين فينليسن» بعض تفاصيل هذا الاحتفال الباذخ، وقال إن ضيوف الثري الأمريكي قضوا أمسية من ليالي ألف ليلة وليلة، حيث كان منظم الحفل حريصا على جعل البذخ عنوانا لسهرة تاريخية.

 

خدام: أعدنا نسج علاقات جديدة مع المغرب حول وجبة كسكس

أكد عبد الحليم خدام الرجل القوي في النظام السوري السابق، ووزير خارجية هذا البلد لسنوات طويلة، أن العلاقات بين سوريا والمغرب قد عرفت في الستينات انحباسا، سيما أمام المد البعثي والناصري، قبل أن تعود إلى طبيعتها سنة 1972، ثم تستعيد نبرة التباعد لاحقا.

يقول عبد الحليم إنه قام بجولة في شمال إفريقيا في شهر مارس من نفس السنة، زار خلالها كلا من تونس والمغرب والجزائر ثم موريتانيا، وكان الهدف من الزيارة شرح الوضع بمنطقة الشرق الأوسط، وإخبار هذه الدول بعزمنا على خوض الحرب ضد إسرائيل وطلب الدعم منها.

حل خدام بالرباط قادما إليها من الجزائر، وكان المغرب يعيش حالة احتقان سياسي ويحاول تدبير مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري للصخيرات. يقول عبد الحليم في حوار صحفي: «كانت الصورة التي نحملها عن الملك الحسن الثاني صورة مخيفة، عن ملك يقمع ويقتل، لكن بعد أن جلست إليه حول مائدة عشاء وجدت أنه رجل حداثي وعميق، وقد أبان عن عاطفة قوية تجاه سوريا وحرص على دعمها، وقال: نحن ليس لدينا بترول، لكن لدينا قوات سنرسلها لمساندة سوريا والمشاركة في الحرب إلى جانبها. أنا لم أصدق نفسي من الغبطة حين سمعت قوله، وأحسست كما لو أنني قطفت نجمة من السماء، الحسن الثاني سيرسل قوات لمساندة سوريا في حين أننا كنا نحاربه ليل نهار».

أثناء حفل العشاء، اعترف خدام بدعم سوريا للمعارضة من خلال نواة لحزب البعث تشتغل بشكل سري، كما دعم الأسد الطلبة المغاربة المحسوبين على التيارات اليسارية ومكنهم من منح دراسية في جامعات دمشق.

اعترف خدام بنجاح الزيارة التي قام بها إلى المغرب، وما ترتب عنها من تأثير قومي كبير، وفي أول لقاء للرئيس حافظ الأسد مع الملك الحسن الثاني بعد هذا الخبر، «جرت المودة وقامت علاقات جيدة ونحن نتناول الكسكس المغربي».

 

حين جمعت مائدة عشاء محمد الخامس بالأربعة الكبار

زار الرئيس الأمريكي الأمريكي فرانكلين روزفلت مدينة الدار البيضاء في 12 يناير 1943، حيث استقر في «فيلا» لا تبعد كثيرا عن فندق أنفا، الذي احتضن في اليوم الموالي مؤتمر أنفا بحضور الرئيس الأمريكي، والرئيس الفرنسي الجنرال شارل دوغول، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والجنرال الفرنسي هنري جيرو، ثم السلطان محمد الخامس وولي عهده مولاي الحسن، إلى جانب القاضي محمد بن إدريس العلوي.

كان موضوع الاجتماع الطارئ هو التنسيق بين الحلفاء في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، التي ستنتهي بعد مؤتمر أنفا بعامين، كان اللقاء فرصة للسلطان محمد الخامس لتقديم مطلب يسكن وجدان المغاربة، وحول مائدة غذاء طرح موضوع استقلال المغرب، الذي ساهم في انتصارات الحلفاء بانتداب جيش من المغاربة حاربوا في صفوف الفرنسيين، وبالنسبة إلى الحلفاء، فقد كان المؤتمر مناسبة لتحديد الإجراءات العسكرية التي يتعين اتخاذها ضد الجيوش الألمانية.

هكذا، أدرك الحسن الثاني، منذ أن كان وليا للعهد، أهمية المآدب في إثارة الكثير من القضايا الدولية الشائكة، كان هذا هو الحدث الأبرز الذي سوف يطبع ذاكرة الأمير الصغير الذي لم يكن يتجاوز سنه الرابعة عشرة، حين رافق والده إلى دعوة من لدن الرئيس فرانكلين روزفلت، ليجد نفسه جالسا في المائدة نفسها مع أقوى رجل في العالم. وقد كان هناك الوجه الأسطوري وينستون تشرشل، الوزير الأول البريطاني، والجنرال جورج كارليط مارشال رئيس القيادة العسكرية والجنرال جورج سميث باتون، الذي كان مسؤولا عن الأسلحة التي جاءت إلى المغرب آنذاك. خلال هذا العشاء، عبر روزفلت للسلطان محمد الخامس عن ميولاته لتحرر المغرب من الاستعمار.

في 14 يناير 1993، زارت لورا حفيدة روزفلت المغرب، واستقبلها الملك الحسن الثاني الذي كان شاهدا على العصر، وحكى لها تفاصيل تسمعها لأول مرة عن سفر جدها إلى المغرب، حيث أوضح لها بأن اللجنة المنظمة للمؤتمر ارتأت أن يقيم في «فيلا»، لأنه كان مقعدا ويعتمد على كرسي متحرك، في زمن لم يكن فيه بفندق أنفا ولوجيات أو مصاعد للأشخاص في وضعية إعاقة.

تحدث الحسن الثاني إلى لورا حول مؤتمر أنفا، وكيف أن جدها أكد لوالده محمد الخامس على مشروعية مطالب الحركة الوطنية، ليتمكن بذلك من انتزاع اعتراف منه بحق المغرب في نيل استقلاله والحصول على حريته كاملة، كما أشار إلى أن فرانكلين زار مدينة مراكش، مباشرة بعد انتهاء أشغال المؤتمر وقضى فيها يومين رفقة ونستون تشرشل، حيث أصر هذا الأخير على رسم صورة لفرانكلين على سفح الجبل.

 

«مول أتاي» رجل برتبة وزير مهمته إعداد كؤوس الشاي

كان هذا الرجل الذي اشتهر في عهد المولى سليمان، من ركائز القصر الملكي بفاس. اشتهر اسمه لدى الفرنسيين سنة 1817، عندما شارك في اجتماع استقبل فيه المولى سليمان وفدا فرنسيا. وانتبه هؤلاء الفرنسيون إلى أن الرجل الذي يوجد ضمن ممثلي السلطان بل ومرافقيه في سفره، لم يكن في الحقيقة سوى «خادم» سابقا في القصر. وكان ينتمي بالضبط إلى فرقة «أصحاب أتاي»، كما يعرفهم مؤرخو البلاط، الذين شرحوا بالتفصيل وظائف مختلف فرق خدمة سلاطين الدولة العلوية.

وظيفة معد «براريد الشاي»، كانت تتمثل في الإشراف على تجهيزات إعداد الشاي في جلسات السلطان واستقبالاته والمناسبات الدينية والوطنية، سواء داخل القصر الملكي بمختلف أجنحته أو في سفريات الملك.

اسمه الحقيقي أحمد بن مبارك، وهو جد الحاجب الملكي «باحماد» الذي اشتهر مع السلطان المولى الحسن الأول، وكان باحماد يتضايق، حسب ما نقله عنه الكثيرون إذا سمع أحدا ينعت جده بـ «مول أتاي».

غادر «مول أتاي» الحياة العسكرية، ودخل إلى السياسة من باب الخدمة داخل القصر، كان من صلاحياته تنظيم استقبالات السلطان للوزراء، ولم يكن أحد ليستطيع الدخول إلى قاعة العرش بدون إذن من الحاجب.

توفي أحمد بن مبارك سنة 1819، وتبين بعد وفاته أنه لا يملك ثمن كفن، فأمر السلطان مولاي سليمان بالتكفل بجنازته وقضى عنه دينا عجز عن تسديده لصاحبه قيد حياته، أي إنه مات فقيرا في النهاية، رغم أنه مارس صلاحيات وزارية.

في عهد الحسن الثاني عاد «مول أتاي» إلى القصر، بل إنه رقى القائم على شؤونه بالقصر الملكي إلى درجة قائد «قائد البراد أو قائد أتاي».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى