شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

خرج ولم يعد نجوم بالسياسة والفن والرياضة غادروا المغرب دون رجعةً

منذ عقود من الزمن، كانت الهجرة خارج الوطن بغاية البحث عن لقمة عيش، لكن مع مرور الأيام أصبحت هذه الهجرة إلى الخارج بحثا عن ملاذ آمن حين يداهم المعنيون بها قلق السلطة ويشعرون بأنهم كائنات غير مرغوب فيها.

في كل ربوع العالم، يغادر عشرات الآلاف البلاد لأسباب سياسية. بعضهم هجر البلاد انطلاقاً من انطباع عام بأن المناخ السياسي بات محفوفا بالمخاطر، ومنهم من رحل بسبب صدور أحكام قضائية في حقهم أو ملاحقتهم قضائيا أو بسبب كساد اقتصادي عصف بوجاهتهم.

قد نجد عشرات المبررات للهاربين من البلاد بحثا عن لقمة عيش مبللة بالغربة، لكن غالبية الهجرات الاضطرارية أملتها التغييرات السياسية والاقتصادية ليس في المغرب فقط بل في كثير من البلدان، مهما كان مؤشر الاستقرار.

كان السياسيون يتصدرون لائحة المهاجرين قبل أن تلتحق بهم كوكبة من الطيور المهاجرة من الكفاءات التي لا تقطع الصلة مع الوطن، ثم يأتي زمن تهاجر فيه قامات سياسية واقتصادية وفكرية ورياضية دون عودة.

كلما ظهرت موجة تطهير إلا وتركت خلفها عشرات المغادرين، الذين يشعرون بالهزات الارتدادية تحت أقدامهم. لكن من الصعب الوقوف عند العدد الحقيقي للموجودين في المنافي، لأن غالبيتهم يفضلون عدم الكشف عن نشاطهم في الغربة، في حين تفضل الحكومات من جهتها التكتم عن هذا النوع من المغتربين.

في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، نسلط الضوء على بعض أشهر الراكدين نحو ضفة الاغتراب، من عوالم السياسة والرياضة والفكر.

 

حسن البصري

محمد بودريقة يواصل الاغتراب ويعطل مصالح الرجاء والمقاطعة

بعد أزيد من شهرين على مغادرته المغرب، ما زال محمد بودريقة حديث الرأي العام السياسي والرياضي، بسبب هذا الغياب المثير للجدل، وهو الذي يشغل منصب رئيس الرجاء الرياضي وفي الوقت نفسه هو نائب برلماني ورئيس لمقاطعة مرس السلطان.

أصل الحكاية المثيرة بدأت في 20 يناير الماضي، حين سافر محمد بودريقة إلى لندن لزيارة ابنه الذي يتابع دراسته هناك، ومن عاصمة إنجلترا سيلتحق بالإمارات العربية المتحدة التي كان يشارك بها في دورة ودية. لم يعد رئيس الرجاء إلى المغرب كما كان متوقعا، بل فضل العودة إلى لندن أمام استغراب الجميع.

في هذه الفترة، سينشر نجل بودريقة صورة من بريطانيا وخبرا مفاده إجراء عملية جراحية لوالده، وقال إنها قد دامت خمس ساعات وتكللت بالنجاح، ووضع في تدوينة أخرى على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صورة أخرى لمحمد بودريقة في المستشفى، مرفوقة بجملة «الحمد لله الحالة مستقرة وطلع من غرفة العناية المركزة» .

وفي بيان نشره نادي الرجاء الرياضي، قال فيه: «يجري محمد بودريقة رئيس نادي الرجاء الرياضي عملية جراحية مستعجلة على القلب بأحد المستشفيات المختصة بمدينة لندن، على إثر الوعكة الصحية التي ألمت به». وفي اليوم الموالي، سيدخل فريق الرجاء أطوار المباراة بقمصان تحمل صورة الرئيس بودريقة وعليها عبارة: «شفاك الله».

لا الصورة ولا بيان المكتب المسير للرجاء، كانا بالمرصاد لما يتردد حول اختفاء الرئيس، ما دفع بمحامي بودريقة في خرجة استباقية إلى تهديد الصحافيين الذين يربطون غياب موكله بالمساءلة القانونية، حيث لم يتوقف سيل المعطيات التي تجمع على وجود حالة اختفاء، بل إن بعض المنابر الإعلامية تتحدث اليوم عن استقرار الرئيس في دبي بشكل نهائي.

وطرح سفر محمد بودريقة، البرلماني ورئيس مقاطعة مرس السلطان ورئيس نادي الرجاء الرياضي، إلى بريطانيا، علامات استفهام، لتتناسل أخبار تعبر عن مخاوف من الهروب، بعدما شوهد قبل أزيد من شهر يخرج من جناح رئاسة النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء.

وفي غياب أو تواصل من طرف المؤسسات السياسية التي يترأسها بودريقة، أو يشغل داخلها منصب عضوية، لأنه شخصية سياسية عامة وأخباره تهم كل المتتبعين، في السياسة والرياضة، تزداد حدة السؤال: «أين بودريقة؟»، فيما ظل ابنه ومحاميه المخاطبين الوحيدين.

وإذا كان تدبير شأن الرجاء يتم من طرف فريق عمل بودريقة، فإن الأمر ليس على ما يرام في تدبير الشأن الجماعي، حيث تعطلت مصالح المقاطعة، فأضحى الرئيس مهددا بالعزل القانوني من منصبه بسبب غيابه الذي امتد منذ بداية شهر فبراير الماضي. وكشفت مصادر متعددة أن عامل الفداء مرس السلطان، وجه كتابا للإدارة المركزية بوزارة الداخلية في شأن غياب محمد بودريقة رئيس مقاطعة مرس السلطان وتبعات هذا الغياب غير المبرر.

وحسب المصادر، فإن عامل الفداء مرس السلطان التمس في كتابه الموجه للإدارة المركزية بوزارة الداخلية الإذن في الشروع بمساطر العزل القانوني لمحمد بودريقة، بسبب غيابه المستمر وتراكم الملفات التي تحتاج إلى التوقيعات.

فؤاد الفيلالي يغير جلده واسمه وموطنه

إذا كان فؤاد الفيلالي قد اختار العيش في إيطاليا بلد والدته، فإن والده عبد اللطيف الفيلالي قضى سنواته الأخيرة في فرنسا، التي اختار العودة إليها متقاعدا بعدما عاش فيها وهو طالب علم. ظل الرجل يقضي أوقاته في العلاج وتناول الأودية وقراءة الصحف والمجلات الفرنسية، وبين الفينة والأخرى كانت زوجته الإيطالية تقوده إلى منتجع لتغيير أجواء البيت.

كان الفيلالي يخفي قلقا دفينا من رفاق الأمس، ولا يتردد في إبداء غضبه كلما علم بموقف عدد كبير من رجالات الطبقة السياسية الذين أداروا ظهورهم له، منذ أن تخلص من السلطة والمناصب.

آثرت عائلة الفيلالي الابتعاد عن أجواء السياسة، في ما يشبه الاغتراب، إذ عاش الأب عبد اللطيف رفقة زوجته وابنته ياسمينة وابنه فؤاد، رجل الأعمال المغربي الذي اقترن بالأميرة لالة مريم، كريمة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني وشقيقة الملك محمد السادس، حيث أنجبا الأميرين مولاي إدريس ولالة سكينة، حالة اغتراب قصوى.

شعر الفيلاليون بتراجع رهيب في سلم الوجاهة، منذ أن تسلم عبد الرحمن اليوسفي من الوالد عبد اللطيف مقاليد رئاسة الحكومة، محتفظا في حكومته بحقيبة الخارجية التي لم يستمر فيها طويلا فاستبدله الملك الراحل قبل وفاته بشهور، بمحمد بن عيسى، وفي منفاه الاختياري انكب على تأليف كتاب «المغرب والعالم العربي»، تضمن آراء مثيرة مثل قوله إنه لا يوجد شيء اسمه العالم العربي إلا في الخيال.

غادر فؤاد الفيلالي المغرب في صمت وقرر اعتزال السياسة والاقتصاد، وأدار ظهره للمغرب، لكن ظهورا له كان عبر شبكة «سي إن إن» أثار الاستغراب حين ذيلت صورته باسم إيطالي (دجاكومو فيرمونتي)، مما عزز فرضية تغيير جنسيته واستبدالها بجنسية إيطالية، فيما تمنى كثير من متتبعي البرنامج أن يكون الأمر مجرد خطأ في «السانتي»، علما أن فؤاد ظل يقيم منذ مغادرته المغرب في العاصمة الفرنسية باريس، حيث يملك عدة شركات موزعة بين فرنسا وإيطاليا خاصة في روما حيث تقيم أمه إيطالية الأصل. وحسب بعض الصحف الإيطالية، فإن المدير السابق لمجموعة «أونا» يدير شركة تحمل اسم «فييرمونتينا» التي أسستها جدته الإيطالية بروما حيث راكم ثروة كبيرة.

ظهر فؤاد خلال مراسيم دفن والده بمقبرة شالة بالرباط، حيث ووري الثرى بحضور أفراد أسرته والوزير الأول عباس الفاسي ومستشاري الملك والحاجب الملكي إبراهيم فرج وعدد من أعضاء الحكومة. وخلال عملية دفن الراحل عبد اللطيف الفيلالي، لوحظ أن العملية تمت دون إزالة اللوحة المعدنية التي تحمل اسمه وتاريخ ولادته ووفاته باللغة الفرنسية.

مطيع.. نصف قرن من الاغتراب بين الجزائر وليبيا وإنجلترا

جيل الطلبة المغاربة خلال بداية ستينيات القرن الماضي، يتذكرون عبد الكريم مطيع بصفته أحد شبان الدار البيضاء الذين ينشطون بقوة داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، يساري الهوى والأفكار، فقد تدرج مطيع في كوادر الحزب الداخلية خصوصا المرتبطة منها بتكوين النواة الأولى لمهنيي التعليم، إذ كان مطيع من أوائل الذين زاولوا مهنة التفتيش في المغرب، وكان الحزب يفتخر بأن أطره أصبحت تتحكم في نواة قطاع التعليم في البلاد.

لكن الواقع أنه سوف يفاجئ الجميع ويقرر، انطلاقا من بداية سبعينيات القرن الماضي، المضي قدما في تجربة مضادة تماما للمسار الذي عرف به في الدار البيضاء، بل إن السطاتيين يذكرون أن الفتى عاش حياة منفتحة ولم يصدقوا في البداية أن الرجل نفسه هو الذي صدم الجميع ذات موسم دراسي عندما ظهر مغايرا تماما، حيث أطلق لحيته وأصبح ملتزما دينيا، وسرعان ما حصد إعجاب المحافظين، لينخرط في مشروعه الجديد حيث جمع حوله، رفقة أسماء أخرى في السياق نفسه، عددا كبيرا من المتحمسين لميلاد أول حركة إسلامية في المغرب، يطلقها الشباب.

كان تيار عبد الكريم مطيع مختلفا تماما عن الحركة السلفية بالمغرب، حيث تأثر بتجربة الإخوان المسلمين في مصر. إذ إن بعض الحجاج المغاربة، بداية سبعينيات القرن الماضي، لاحظوا استغلال الإخوان المسلمين المصريين لموسم الحج لتوزيع أشرطة ومنشورات تشجع على ميلاد التيارات الإسلامية في الدول العربية والإسلامية. وقد كانت هذه النقطة واحدة من المؤشرات التي ساعدت كثيرا في جمع عبد الكريم مطيع للنواة الأولى المؤسسة لتياره..

لم يعد سرا أن مطيع يتزعم الشبيبة الإسلامية منذ بداية السبعينيات، إذ تم استغلال الفراغ في تأطير الحقل الديني، وأصبحت منابر المساجد فرصة لخطاب جديد يدعو إلى «الصحوة الإسلامية» وسرعان ما أصبح هذا الخطاب الأكثر شعبية، خصوصا في المساجد المعروفة في الدار البيضاء، وأصبح المغاربة يتسابقون على تلك الدروس.

لكن النقطة التي فجرت الوعاء الأول لإسلاميي المغرب، كانت اغتيال الصحافي والسياسي اليساري عمر بنجلون سنة 1975. إذ إن تلك العملية أدت إلى فوضى لا تزال تبعاتها مستمرة إلى اليوم. إذ فر على إثرها عبد الكريم مطيع خارج المغرب ولجأ إلى ليبيا والجزائر في البداية، ثم تحرك كثيرا في الشرق قبل أن يستقر في بريطانيا. ولا يزال إلى اليوم يتبرأ من دم عمر بنجلون. بينما يقدم الكثيرون شهادات مفادها أن دروس عبد الكريم مطيع وأشرطته هي التي كانت وراء تحمس الشبان الذين قتلوا عمر بنجلون.

الزاهيدي.. وزير محكوم غيابيا يلفظ أنفاسه بالمهجر

نسي الناس مولاي الزين الزاهيدي، الوزير والرئيس الأسبق لبنك القرض العقاري والسياحي، ولولا قصاصة أنباء كشفت عن وفاته لسقط الرجل من الذاكرة، بعد أن اختار المغادرة الجبرية لوطنه. لم يكن الزاهيدي مجرد مدير اختار الهروب، بعد أن طوقته الأسئلة المقلقة. بل كان رجل دولة، حيث شارك في حكومة كريم العمراني الثالثة والرابعة والخامسة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إذ شغل منصب وزير الشغل والإنعاش الوطني في الفترة ما بين 1983- 1985، ثم وزيرا منتدبا للشؤون الاقتصادية ما بين 1985- 1992، وتولى كذلك وزارة الصناعة والتجارة والخوصصة من سنة 1992 إلى سنة 1993.

من منا لا يذكر مولاي الزين الزاهيدي، زعيم الروتاري في الثمانينات، وصاحب المبادرات الاجتماعية «الهاي كلاس»، لقد كان الرجل أحد خدام الدولة الأساسيين في حكومات عهد الحسن الثاني، لكن عبوره في «السياش» بعثر كل أوراقه، ما اضطره إلى الاختفاء عن الأنظار في المغرب أولا، قبل أن يتدبر وسيلة للهروب إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث استقر ما بين إسبانيا والبرتغال، بحكم زواجه من برتغالية.

بدأت معاناته حين حلت لجنة برلمانية صيف سنة 2000 بالبنك الذي يرأسه، جاءت لتحقق في اختلالات في التدبير المالي لهذا المرفق المالي، وأقر تقرير اللجنة البرلمانية بوجود اختلاسات ومخالفات في الفترة ما بين 1985 و1999، ما أدى إلى عرض الملف على القضاء، والذي حكم غيابيا على مولاي الزين الزاهيدي بعشر سنوات سجنا، إذ توبع ومن معه بجنحة استغلال النفوذ والمشاركة في تبديد أموال عمومية.

في سنة 2002، أجرت «لوجورنال» حوارا مع مولاي الزين الزاهيدي، المدير الأسبق للقرض العقاري والسياحي، وكان مختفيا في مكان مجهول لم تفصح عنه المجلة، كشف خلاله عن أقواله أمام لجنة تقصي الحقائق البرلمانية وأمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، مشيرا إلى أن أقواله لم تؤخذ بعين الاعتبار، خاصة بعد أن وضع النقاط على حروف ملف المشروع السياحي «كثبان النخيل»، الذي شكل الجزء الأكبر في المساءلة.

ويبدو أن زوجة الزاهيدي برتغالية الجنسية هي التي نسقت مع «لوجورنال» كي يكشف الحوار عن وثائق من جهات نافذة، ظلت تطالب زوجها بتليين المساطر مع البعض.

مات الحسن الثاني فاختفى عبد الفتاح فرج

بدأ عبد الفتاح فرج مساره المهني موظفا في وزارة المالية، قبل أن يصبح مدير الكتابة الخاصة للملك الحسن الثاني وأحد المقربين من المحيط الملكي. رافق أمين السر الملك في كل دقائق وتفاصيل ثروته وممتلكاته عبر أنحاء العالم، وحين مات عبد الفتاح مخلفا ثروة طائلة، تبين أنه نقلها قبل وفاته حتى آخر سنتيم إلى ألمانيا، موطن زوجته، وبما أن عبد الفتاح فرج لم يخلف ذرية، فقد آلت الثروة الهائلة بكاملها إلى زوجته الألمانية.

بعد وفاة الملك الحسن الثاني، غادر عبد الفتاح المغرب واستقر في ألمانيا رفقة أسرته الصغيرة، وهناك سيلفظ أنفاسه ويدفن في مدينة «أولم» الألمانية، تاركا وصية أثارت جدلا واسعا حين أوصى بثمانين في المائة من ثروته لزوجته والباقي لنجلته خديجة مستثنيا ابنه حسن من القسمة، كما استثنى أشقاءه الذين كانوا ينتظرون أن يتم اقتسام الإرث وفق أحكام الدين الإسلامي.

حين توفي عبد الفتاح سنة 2005، هجرت زوجته الألمانية شقتها في أولم لخمسة أشهر كاملة. وهو ما دفع ابنها حسن فرج للتشكيك في وفاتها، حين قال في حوار مع «الأخبار»: «اقتنعت بالفكرة عند وفاة والدتي وتشكيكي في طريقة وفاتها والسيناريو الذي قدم لنا على أنه سبب الوفاة.

استغرب المقربون من عبد الفتاح السكرتير الخاص للملك الراحل مكانا في مقبرة «أولم»، كان يود ترتيب هذا الأمر، حيث اقتنى مكانا واحدا لشخصين. الأمر يشبه قبرا من طابقين، لكن الغريب الذي رافق اختفاءه سيلازم وفاة زوجته الألمانية، التي دفنت في مقبرة مسيحية وكان ابنها يسير وراء الجثمان من الكنيسة إلى المقبرة وهو يردد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» بينما كل الذين رافقوها يقرؤون أناشيد مسيحية في الطريق، علما أن ابنها أخبر القس أن والدته مسلمة الديانة وليست مسيحية، لكن شقيقته خديجة، أصرت أن تتم مراسيم الدفن في الكنيسة. يضيف حسن: «لم أعد إلى المغرب إلا حينما توفي عبد الفتاح فرج، وأصبح بإمكاني الاستقرار في المنزل الذي فتحتُ عيني به وتربيت فيه، وبعد ذلك بدأت تطفو إلى السطح مشاكل الإرث».

 

محمد الخامس يمنع ابن قيادي سياسي من دخول المغرب

يعد محمد بن عبد الجليل، شقيق القيادي الاستقلالي عمر بن عبد الجليل، ظاهرة سوسيولوجية بكل المقاييس، فالفتى الذي نشأ في وسط عائلي محافظ ودرس في القرويين وسافر إلى الديار المقدسة رفقة والديه، وحفظ القرآن الكريم منذ صغر سنه، سرعان ما غير جلده واستبدل دينه الإسلامي بالمسيحية التي اعتنقها، وتسلق فيها سلم الوجاهة الدينية إلى أن حصل على لقب «كاردينال».

كانت نقطة التحول في حياة محمد هي علاقته بالمستشرق الفرنسي لويس ماسينيون، الذي كان مدرسا بالمغرب، فنشأت بين التلميذ ومعلمه علاقة إعجاب فاقت كل الحدود، سيما حين ظل حوار الأديان حاضرا في جلساتهما خارج أسوار المؤسسة، وهي العلاقة التي زادت متانة حين انتقل محمد إلى باريس لاستكمال دراسته الجامعية سنة 1925، حيث انكب على دراسة الفلسفة.

حسب رواية الباحث أحمد حموش، فإن الطالب المغربي اعتنق المسيحية واستبدل اسم محمد بـ «جون» وقطع علاقته بالمغرب، حينها قامت عائلته في المغرب بإقامة جنازة رمزية سنة 1927، إذ اعتبرته في حكم الموتى وأعلنت قطع علاقاتها به.

خلال زيارة السلطان محمد الخامس إلى باريس سنة 1930، رفض ملتمسا باستقبال هذا الطالب المثير للجدل، وعودته إلى المغرب، بالرغم من تردد مجموعة من الطلبة على مقر إقامته، بل إن شقيقه عمر القيادي الاستقلالي قام بمحاولات لإعادة «جون» إلى هويته المغربية، لكن دون جدوى..

في سنة 1958 كان للطالب النصراني لقاء خاص مع ولي العهد آنذاك الحسن الثاني، الذي سيصبح بعدها بثلاث سنوات ملكا للمغرب. هذا اللقاء لا يعرف حتى المقربون من «الأب» محمد بن عبد الجليل فحواه، لكن التكهنات كانت حول محاولة السلطات المغربية العفو عنه ورفع الحجر عن دخوله إلى بلده الأم، مقابل إعلان توبته واعتناق الإسلام على أن ينال مناصب حكومية، لكن تيار العلاقات انتهى كما بدأ. وحين فشلت المحاولة طلب ولي العهد من «جون» التوقف عن استدراج الطلبة المغاربة إلى الديانة المسيحية، والكف عن جهود استقطاب العرب المقيمين بفرنسا، مستغلا خصاصهم المالي وهشاشة عقيدة بعضهم.

ظل «الأب يوحنا» محمد بن عبد الجليل لسنوات طويلة يعاني من مرض سرطان اللسان، وقد كان في كتاباته يشتكي لأصدقائه شدة الألم ويكتب باللغة العربية: «الحمد لله على كل حال». خلفت حالته ضجة حتى بعد وفاته عام 1979، حيث تم دفنه بمقابر النصارى بصفته «كاردينال».

 

بن عرفة.. السلطان الذي منعت جثته من دخول المغرب

في فاتح أكتوبر 1955، انتهت صلاحية محمد بن عرفة، أو ما اصطلح عليه شارل أندري جوليان بـ «آلة توقيع الظهائر»، انتهت مغامرات الحكم القصيرة على عرش المملكة الشريفة، وتحت ضغط الشارع واتساع رقعة «ثورة الملك والشعب»، فضل بن عرفة الفرار إلى مدينة طنجة بحكم طبيعتها الدولية، ومنها إلى مدينة نيس الفرنسية، حيث سيقضي بقية حياته مغضوبا عليه، حتى وفاته في يوليوز 1976.

 

رفض الملك الراحل الحسن الثاني عودة محمد بن عرفة إلى المغرب، رغم استعطافه ورغم محاولات جهات وسيطة خاصة من فرنسا ومن المغرب، سيما أحمد رضا اكديرة، الوزير المقرب من الملك، حاولت قدر الإمكان انتزاع صفح ملك على «ملك»، عبر تقديم تفسيرات تفيد بأن قبوله الجلوس على العرش كان مفيدا للأسرة الملكية، لأنه فوت الفرصة على الحماية الفرنسية التي كان أقطابها يسعون إلى إقامة نظام جمهوري بالمغرب مكان النظام الملكي. رفض الملك الحسن الثاني استقرار بن عرفة البكر بالمغرب، لكنه خلافا لذلك سمح لبنات بن عرفة بالبقاء بالبلاد والقصر الملكي، وقد قيل إن الملك محمد الخامس كان على وشك العفو عن محمد بن عرفة، غير أن المنية وافته قبل القيام بذلك.

توفي بن عرفة في صيف 1976، ورفض الملك الحسن الثاني مقترح اكديرة الرامي إلى دفنه بالمغرب، حيث قال له ولمن توسط له من الفرنسيين: «وخا نبغي أنا، أرض المغرب غادي ترفضو». وبذلك تم دفنه بالديار الفرنسية، لكن الدفن كان مؤقتا إلى حين نجاح المساعي الحميدة، التي أثمرت موافقة الحسن الثاني على استقبال الجثمان ودفنه من جديد في تربة المغرب خلال الثمانينات، أي بعد مرور عشر سنوات على موت الملك «الاحتياطي». نقل رفاة محمد بن عرفة إلى فاس، وهي المدينة التي ولد فيها سنة 1886، حيث دفن في قبر مجهول لا يحمل أي لقب بمقبرة باب المكينة العتيقة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى