شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

زمن الحب والحرب..

 

 

يونس جنوحي

يقال إن أفضل طريقة للكتابة، الكتابة وقوفا. حكمة الإنجليز والأمريكيين وحيلتهم لاختصار الجُمل والتعابير. ولذلك تجد أن أبرع الكُتاب أغلبهم يحملون الثقافة الإنجليزية. في حين أن الإطناب في الكلام واستنساخ الجمل وتمطيط العبارات، هواية وطنية فرنسية بامتياز. وهؤلاء يكتبون «نائمين» وليس جلوسا فحسب.

في النسخة الأخيرة للمعرض الدولي للكتاب، لم يكن رواق المملكة المتحدة يتجاوز ثلاثة أمتار. يجلس فيه ثلاثة مُسنين تغمرهم سعادة كبيرة، رغم ألا أحد يقتني منهم أي شيء. كتب باللغة الإنجليزية متفاوتة الأشكال والمواضيع أيضا. كُتب لليافعين وأخرى للأطفال دون السادسة، وروايات ودراسات أدبية.

ورغم صغر هذا الرواق، إلا أنه استأثر باهتمام بعض الشباب إلى درجة أنهم تزاحموا للحصول على بعض الكتب الأدبية باللغة الإنجليزية. في حين أن أحد ضيوف الرواق، وكان بريطاني الجنسية، احتاج في الأخير إلى جهاز «ميكروفون»، لكي يسمعه الشبان الذين تحلقوا حوله، للاستماع إلى كلمة مقتضبة ألقاها أحد الحاضرين البريطانيين، عن أهمية الكتاب البريطاني في المغرب، واهتمام الشبان المغاربة بالكتابة.

حدث كل هذا بعد جلسة نقاش، في جناح الندوات، استضافت شبان مغاربة خاضوا تجربة الكتابة باللغة الإنجليزية.

أحد هؤلاء الشباب اسمه الحسين العيماني، وسبق لي أن اقتنيت اثنين من أعماله، يحملان على التوالي العنوانين التاليين: «Love and War»، و«Journey to Inspiration». «حب وحرب»، بينما الثاني يمكن ترجمته هكذا، «رحلة للبحث عن إلهام ما..» تجنبا للترجمة الحرفية التي قد تشوه موضوع الرواية ولا تنقله بأمانة.

وهما معا روايتان صدرتا بمجهود شخصي للكاتب الشاب، دون أي رعاية من مؤسسة ثقافية، لكن جودة اللغة، وانغماسها في الثقافة الأمريكية، خصوصا في الرواية الأولى، تجعل القارئ لا يُصدق أبدا أن الكاتب مغربي!

خصوصا وأن الرواية الأولى تتعمق في تحولات الإنسان الأمريكي وتحديات الإقامة في مدينة مثل نيويورك، تعج بالغرباء وحاملي الأحلام والأوهام أيضا.

حتى الشخصيات التي تصنع أحداث الرواية، تحمل أسماء غربية. لكن الحسين العيماني يعد بأن يؤلف عملا مغربيا باللغة الإنجليزية، الطريقة الوحيدة لكي يخاطب بها الإنسان العالم في هذا العصر.

أهم ما في هذه التجربة، أنها نتجت بلغة إنجليزية أصيلة، رغم أن صاحبها لم يحصل على أي تكوين أكاديمي في الأدب الإنجليزي. وهو بنفسه يكرس النظرية التي تقول إن العلميين يكتبون بحس أدبي مُرهف، وخارق أيضا.

حتى في الولايات المتحدة، يبقى الأطباء والمهندسون والتقنيون كتاب بارعين، إذا ما قورنوا بالأدباء المتخصصين الذين ينظّرون في المدارس الأدبية وتقنيات السرد وتعقيدات صُنع الرواية الأدبية.

الكتابة باللغة الإنجليزية يجب ألا تتوقف في التجربة القصيرة لأيام المعرض الدولي للكتاب، مرة في السنة، بل يجب أن تمتد لتشمل لقاءاتنا الأدبية كلها، حتى تلك التي يقال إنها لا يحضرها أحد.

هؤلاء الشباب المغاربة، سيصلون إلى العالمية بدون شك في يوم من الأيام، إذا استمروا في الإنتاج الأدبي. هناك دائما استعداد لدى الأمريكيين والبريطانيين لكي يستمعوا إلى كُتاب جدد يمثلون ثقافتهم باللغة الإنجليزية، والأمثلة في هذا الباب كثيرة، إلى درجة أن جائزة «نوبل» للآداب، و«البوكر» العالمية، لم تعد حكرا على الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين، وأصبحت تفوز بها جنسيات كان يرى فيها مثقفو الدول أعلاه مجرد مستعمرات تلوك ما تناثر عليها من مؤثرات الحضارة الغربية.

ما دام الجيل الجديد من الشبان المغاربة قادرين على الكتابة والتأليف باللغة الإنجليزية، ويحصلون على تنويه البريطانيين والقراء الإنجليز أنفسهم، فلا بد أن يأتي يوم تصل فيه الرواية المغربية إلى العالمية، وقد نسمع يوما عن توقيع عمل أدبي مغربي يتناول قصة مغربية بامتياز، في قلب «التايم سكوير».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى