شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

شهرمان يبعث من جديد

حسن البصري

 

لفت رجل مراكشي الأنظار في مسيرة العيون الحاشدة المنددة بتفجيرات انفصاليي البوليساريو واستهدافهم للمدنيين في مدينة السمارة، حين رفع صورة رجل مسن تبين أنها للفقيد محمد شهرمان، كاتب كلمات أغنية «لعيون عينيا» لمجموعة «جيل جيلالة».

وجد الرجل نفسه في قلب طوق صحافة الإثارة، وهو يتغنى برائعة «لعيون عينيا»، تساءل الحاضرون عن علاقة صاحب الصورة بمسيرة الغضب في العيون. لكن إذا عرف السبب بطل العجب.

شهرمان ليس ضحية تفجيرات السمارة، بل ضحية وزراء الثقافة المتعاقبين على القطاع، الذين رددوا «لعيون عينيا»، دون أن يعرفوا حجم الهشاشة التي كانت تسكن جسد سيد الزجالين.

ولم يتوقف هذا الرجل عند ناصية الزجل والمسرح، بل امتد إبداعه إلى الأغنية، حيث كتب لـ«جيل جيلالة» أغنية «لكلام المرصع» سنة 1972 و«العيون عينيا» سنة 1975 و«دارت بنا الدورة» سنة 1976، كلمات ساهمت في توهج مجموعة «جيل جيلالة»، كما تغنت بأشعاره مجموعة «لرصاد».

اختفى شهرمان عن الأنظار ولزم بيته طويلا، حيث ظل يصارع المرض في كبرياء. عانى من ضيق التنفس وشعر بسقم يتسلل إلى جسده، ويجبره على التمدد فوق سرير المرض. وفي أيامه الأخيرة استسلم للألم، وكفكف دموعا انسابت فوق وسادة تقاسمت آلامه، إلى أن فقد «لكلام المرصع» المذاق، ودارت به الدورة ودقت ساعة الرحيل وتقرر أن يمشي في كفوف السلامة، وعيناه من نار الشوق تزيد مرارة.

مات شهرمان وفي قلبه غصة تكريم خادع. مات وهو يوصي، من خلال أشعاره، بالكرامة والوفاء، لكن دفن بناء على وصيته، على بعد أمتار قليلة من مسكنه المجاور لمقبرة الزاوية العباسية.

لكن عبد الكريم القصبجي، عضو فرقة «جيل جيلالة»، أكد أن «لعيون عينيا» كتبت أبياتها مناصفة بين شهرمان ومولاي عبد العزيز الطاهري ومحمد الدرهم، وأن التمرين عليها تم في ظرف وجيز، وسجلت للتلفزيون بعين الشق، قبل أن يغادر المشاركون مخيمات طرفاية صوب الطاح.

غابت سكينة عن لحظة التسجيل التلفزي للأغنية، لوجودها في طرفاية مع المتطوعات، لكنها كانت تتغنى بها في سهرات المشاركين في المسيرة الخضراء، قبل أن تمر السنوات ويتغنى بها مشاهير الأغنية العالمية في قوالب فنية مختلفة.

لم تكتف مجموعة «جيل جيلالة» بنصرة القضية الوطنية بهذه الأغنية، التي تكفي إلى جانب «نداء الحسن»، لإطلاق شلال الوطنية في نفوس المغاربة. بل غافلت منظمي مهرجان «تيمقاد» الجزائري وقدمت الأغنية لجيراننا، فتمايلوا مع أنغامها وطالبوا بإعادة أقوى مقاطعها، وسط غضب ساطع لمخبري النظام.

نعود إلى السمارة، لنتوقف عند فريق المدينة الذي يتصدر البطولة المغربية لكرة اليد، والذي يشكل قلقا حقيقيا للخارجية الجزائرية قبل وزارة الرياضة، فكلما استنشقت دبلوماسية الجيران رائحة الصحراء في منافسة رياضية، إلا وأعلنت الانسحاب.

نتذكر جميعا مغادرة نادي المجمع النفطي الجزائري لكرة اليد منافسات البطولة الإفريقية، بسبب مشاركة فريق وداد السمارة في هذه التظاهرة الرياضية، رغم أن المباراة كانت ستجرى في مراكش، وليس في السمارة أو العيون أو الداخلة أو الكركرات.

الانسحاب من مباراة في كرة اليد يؤكد أن الجزائر طرف في النزاع، خلافا لبلاغات نظام الجارة الشرقية. والإصرار على عدم مواجهة فريق مغربي على أرضية الملعب مأزق خطير في العلاقات الرياضية، يؤكد أن الدولة التي حاربت المستعمر الفرنسي وضحت بمليون شهيد، أصبحت اليوم تحارب من أجل ثلاث نقاط.

لقد تبين بالملموس أن الوحدة العربية مجرد موال مشروخ ردده القادة العرب خلف جمال عبد الناصر، قبل أن يستبدلوه بـ«كليبات» تعري عن المؤامرة الصغرى في الشوارع والملاعب، وتنسي المؤامرة الكبرى على الوطن العربي.

فهل نحتاج اليوم إلى شهرمان، أم سوبرمان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى