حسن البصري
يجتاح منصات التواصل الاجتماعي، في الوسط الرياضي النسوي، هاشتاغ «العطاء ليس له سن محدد»، في إشارة للرفض التام لمذكرة العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية التي حددت أعمار لاعبات البطولة الوطنية في أقل من ثلاثين سنة، مع السماح لأربع لاعبات فقط بتجاوز سقف الثلاثين، وهو ما يدفع الكثير من اللاعبات إلى الاعتزال المبكر والقطع مع شغف الكرة.
سمح قرار العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية للفرق التي تضم لاعبات دوليات بإشراكهن في البطولة بالرغم من تجاوز سقف الثلاثين سنة. ولم تحدد مذكرة الأعمار مصير اللاعبات المجبرات على الاعتزال الإجباري وهن في عز العطاء.
نزل القرار على اللاعبات المعنيات بالمذكرة كقطعة ثلج، حين تبين أن الراتب لن يزور حسابهن البنكي، «كل شهر مرة» وأنشدن «حرام تنسوني بالمرة»، بحثت كثير منهن عن مخرج آخر من أزمة آتية لا ريب فيها.
لا توجد إحصائية رسمية حول عدد اللاعبات المتجاوزات لسقف الثلاثين في البطولة الوطنية لكرة القدم النسوية، ليس لأن اللاعبات نادرا ما يكشفن عن أعمارهن الحقيقية إلا في محاضر البوليس وفي عيادات الأطباء، بل لأن واضعيه يؤمنون بالقول المأثور: «نفذ أولا ثم احتج».
صحيح أن الهدف الظاهر هو تشبيب منظومة كرة القدم النسائية، والدفع بلاعبات يافعات في عالم المستديرة، واستبدال قطع الغيار القديمة بأخرى جديدة، لكن حبذا لو استندت المذكرة على دراسة تكشف مخرجات الوضعية، وتفتح للاعبات، المجبرات على تعليق أحذيتهن والتخلص من صفة لاعبة أو في أحسن الأحوال ارتباطها بصفة «سابقة»، فرصة البحث عن مسالك جديدة في مجال كرة القدم النسائية الأحوج إلى مدربات وحكمات ومندوبات وإداريات وممرضات، وحتى مكلفات بالأمتعة الرياضية، إذا أردنا فعلا تحقيق الاكتفاء الذاتي من الموارد البشرية في قطاع تراهن عليه كثير من اللاعبات لبناء مستقبل يتجاوز الحدود الإقليمية إلى الاحتراف.
مهما حاولنا البحث عن غلاف قانوني لقرار تحديد أعمار اللاعبين واللاعبات، والقطع مع الاعتزال الطوعي، فإننا سنجد أنفسنا أمام جدل يعيد نفسه، لأن عرض القرارات على الأجهزة الوصية على الكرة لا يعني دراستها بعمق والغوص في أدق تفاصيلها، بل إن الأمر لا يتجاوز حدود تصويت بالإجماع وسط عاصفة من التصفيق.
اليوم يمكن للفاعلين في حقل كرة القدم النسائية أن يرفعوا شعار «رشحي نفسك ونحن معك»، وهي دعوة لإشراك العنصر النسوي في تدبير الكرة الحريمية، في ظل الخصاص الرهيب من المسيرات وتوغل التدبير الذكوري في هذا القطاع، واستمرار العمل بالقول المأثور «الرجال قوامون على النساء» حتى في ملاعب الكرة.
شددت النشيطات من خلال تدويناتهن، ضمن الهاشتاغ، على ضرورة أن يفسح كبار السن من الرجال المجال للشابات في تصدر المشهد الكروي، من خلال ترك زمام المبادرة في أيديهن، ومساعدتهن على صقل تجاربهن، وإدماجهن ضمن الحياة الرياضية في البلاد، بتوجيه من خبراء اللعبة الذين قادوا التجربة في زمن الخصاص وضيق اليد، ومنحهن الفرصة الكاملة للعطاء، وأنا على يقين أن اللاعبة التي لا تضيع الفرص أمام المرمى لن تضيعها في مباراة التدبير.
اليوم تعاني اللاعبات المجبرات على الاعتزال من رهاب الثلاثين، ويؤكدن أن شلال العطاء يولد الانفعالات الإيجابية المنشطة كالسعادة التي تنتابهن، بل ويفرز، حسب الأخصائيين، هرمون الأوكسيتوسين الذي بدوره يعمل على توليد المشاعر الجميلة.
حين تتجاوز اللاعبات خط تماس الثلاثين، يدركن أنه ليس هناك وقت للتأجيل، وربما ينجزن في عام ما لم ينجزنه في العشرينيات من عمرهن، رغم أن سؤال الأعمار يسبب حرجا للنساء حتى في خلوتهن أمام المرآة.
