شوف تشوف

الرأي

في معنى الإشراف على نزاهة الانتخابات

بين الإشراف السياسي والبعد التنظيمي في الاستحقاقات المرتقبة، تتكامل مسؤوليات رئاسة الحكومة وقطاع الداخلية. وطالما أن رئيس الحكومة أعلن مرارا أنه يقف وراء اقتراح أعضاء حكومته على ملك البلاد، فلا شيء يدفع إلى التفرقة بين الإشرافين معا، إلا في حال كان كل طرف يريدها رعاية غير بريئة. مع أن منطق الواقع يؤكد أن رئيس الحكومة يتزعم حزبا سياسيا، فيما وزير الداخلية لا انتماء حزبي لديه، أو هذا على الأقل ما يبدو من خلال اختيار شخصية تقنوقراطية لإدارة القطاع.
لا ترجح الانتخابات، إذ تنطبع بقدر من الحياد والنزاهة التي يفسدها استخدام المال، دفة الفريق الحاكم دائما. ففي آخر تشريعيات سابقة لأوانها، لم يتمكن حزب الاستقلال بزعامة رئيس الحكومة السابق عباس الفاسي من الاحتفاظ بصدارة المشهد السياسي، مع أنها جرت في إطار دستور فاتح يوليوز 2011. وربما أن الاستثناء تمثل في احتفاظ الاتحاد الاشتراكي بوضع ملائم على عهد قيادة اليوسفي لحكومة التناوب، ثم هوى إلى ما دونه في سلم الترتيب. وفي مقابل ذلك، حاز «العدالة والتنمية» على مركز الصدارة، ولم يكن مشاركا في الحكومة.
لقائل أن يرهن المزاج الانتخابي بحالات الشحن التي كانت سائدة قبل اقتراع نونبر لعام 2011، غير أن مواقف غالبية الأحزاب كانت التقت والتحفظات التي أبداها «العدالة والتنمية» إزاء مستويات حراك الاحتجاجات. ما يرجح فرضية أن المناخ الإقليمي ألقى بظلاله على ميول الناخبين. وإذا كانت هذه القاعدة مؤثرة، أو لا يمكن إسقاطها من الاعتبار، فالواقع السياسي في البلدان التي كانت مسرح انتفاضات الحراك الشعبي، بات يحبذ رهان الاستقرار على غيره من الفرضيات مجهولة المصير. من ذلك ما آلت إليه الأوضاع في مصر، ثم تونس، مع عدم إغفال الهزة التي ضربت «العدالة والتنمية» التركي. لأنه في جميع الأحوال لا يمكن إلغاء التأثيرات الإقليمية عن أي استحقاقات.
نحن الآن على بعد مسافة أقل من اقتراع البلديات والجهات ومجلس المستشارين، وقد حسم في أمر الإشراف على نزاهة الانتخابات، ولا مجال لأي تأويل خارج ما تنص عليه المرجعية الدستورية. وإذا أخذنا في الاعتبار بعض خلاصات المجلس الدستوري التي انصبت على إلغاء قوانين تنظيمية أقرها البرلمان، فمن اللافت أن هذه القوانين جاءت في إطار تعديلات اقترحها الفرقاء في الغالبية والمعارضة، ما يعني أن مصدر الخلل يطال جانبا من مضامين التجربة التشريعية. ومع أنه لا رابط بين هذه المسألة وقضية رعاية الاستحقاقات المقبلة، فلا أقل من أن تتسم الرعاية بمتطلبات الحياد والنزاهة في كافة المراحل، على أن هذه الفرضية لا تلغي واقع أن الحملات الانتخابية بدأت قبل أوانها.
كيفما كانت بواعث هذا السلوك، حتى وإن قدم على أساس لا يتجاوز اللقاءات التواصلية التي تندرج في صلب مسؤوليات الأحزاب السياسية في التأطير والتعبئة، فإنه يفترض التزام حد أدنى من الانضباط الحزبي، إلى حين بدء أجواء المنافسات. وقد لا يفهم من التصعيد الحاصل في المواقف سوى أن المعركة ستكون حاشدة وشرسة، ولا ضرر في ذلك في نطاق احترام المقتضيات القانونية والإجرائية.
ليس مهما التركيز على الجانب الإعلامي في المعركة الانتخابية، كونه يخضع لتقنيات احترام التعددية، إلا أن الأجواء التي طبعت العلاقة بين بعض الأحزاب ومؤسسات الإعلام السمعي البصري، تشير إلى ضرورة إخضاعها لنوع من التنقية، أقله أن التجربة الراهنة أبانت عن خروج عن الحياد المطلوب. وقد يفرض الموقف من أجل إشاعة بواعث الثقة، الانكفاء على حل الإشكالية الإعلامية حتى لا يتخذها أي طرف مبررا للتلويح بمواقف سلبية. لكن الأهم أن تلتزم الإدارة مسافة موحدة إزاء كافة الفرقاء. وسيكون عليها أن تقدم الدليل القاطع على أنها في خدمة الحياد والنزاهة.
هناك تكمن مسؤولية رئيس الحكومة باعتبار الإدارة خاضعة لنفوذه الإداري، وفق مقتضيات الدستور المعدل. ينضاف إلى ذلك الإصغاء إلى جميع المطالب، خصوصا تلك الصادرة عن منافسيه في المعارضة. لأن العبرة من التوافق حول القوانين والسلوكات الانتخابية إفراز خارطة غير مطعون في مصداقيتها، ولا معنى في هذا السياق لأي تلويح ذي أبعاد سياسية، من قبيل التحفظ على تغطية كافة الدوائر، فلا شيء يحول أمام كل الفرقاء على خوض المنافسات، بكافة متطلباتها من البداية إلى النهاية. وليس من السلوك الديمقراطي أن يتذرع أي طرف بأنه لم يقدم مترشيحه إلى جميع الدوائر، إلا إذا كان لا يستطيع إلى ذلك سبيلا.
من بين العوامل المشجعة، على طريق تفعيل أداء المؤسسات التشريعية والمحلية أن المجلس الوزاري صدق برئاسة الملك محمد السادس على القوانين التنظيمية ذات الصلة بتنفيذ البند الدستوري المتعلق بتقديم العرائض. وهذه هي المرة الأولى التي يعرف فيها المغرب الانفتاح على رقابة من نوع جديد، يتكفل بها المواطنون، من خلال المشاركة الاعتبارية في تدبير الشأن العام. أي أن تجربة الديمقراطية المحلية تتعزز من خلال تقنين مبادرات تقديم العرائض.
وإذ يتعزز هذا الاختيار على مستوى تفعيل نظام الجهة كمؤسسة دستورية فاعلية، يصبح موعد الاستحقاقات المرتقبة حاسما ومركزيا على طريق تفعيل المسار الديمقراطي. ولا حاجة أمام هذه التطورات إلى العودة إلى الوراء. لأن القطار أقلع في موعده المرتبط بفاتح يوليوز 2011، وكل المراحل المتبقية لا تعدو أن تكون محطات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى