شوف تشوف

الرأيالرئيسية

قصص الانقلابات العسكرية

 

 

 بقلم: خالص جلبي

 

في يوم عيد المرأة العالمي، الثامن من مارس، كنا نحن السوريون على موعد مع يوم الحزن العالمي، فقد قام مجموعة من العسكر بانقلاب على الشرعية ودخلنا بطن الحوت، ونحن نعلم أن من خرج من بطن الحوت هو النبي يونس، وليس كل منا نبي يوحى إليه. وهكذا دمرت سوريا على يد المغامرين العملاء من العسكر، وتحولت إلى مملكة القرود والخنازير وعبد الطاغوت، كما جاء ذلك في محكم التنزيل عن مسخ الأمم.. ويبقى السؤال كيف تم اغتصاب الأمة بهذه السهولة؟ كنت يومها شابا صغيرا عمري 18 سنة، وظننا أنها سحابة صيف، لنكتشف أنها رحلة التيتانيك تهوي إلى القاع. ما حصل في سوريا كان لعنة تكررت في العراق واليمن والصومال والسودان وليبيا، وقبلها مصر أم الدنيا، لتصبح أم الكوارث. وفي كتاب «مذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم» لمحمد الرايس، ينقل ذكرياته عن تاريخ دموي من الانقلاب في المغرب، ثم سجن أشبه بالمقابر، ثم خروج من الأجداث مثل الأموات الذين انبعثوا إلى الحياة. ويبدو أن ذاكرة الإنسان عندنا قصيرة. ومما يذكر الرجل موقفا خسر فيه شرفه، عندما أُمر بالقتل فقتل آخر لا ذنب له، إلا الصدفة السيئة التي رسمت مصيره بريشة دموية. ثم سمعنا عن محاولة انقلاب في موريتانيا، وهو أمر مرت علينا فترة طويلة لم نسمع بها أخبار الانقلابات، وكان في ظننا أن العالم العربي ودع فترة الانقلابات، ولكن يبدو أن هذه الجرثومة الخبيثة ما زالت تسري منا مسرى الدم. ومشكلة الانقلاب تختصر الفهم في كيفية تغيير الأوضاع السياسية بالقوة المسلحة غدرا في الظلام على ظهر الدبابات، وبلوحة سريالية من ضحايا ودماء. وهي مؤشر من فقد الحوار في المجتمع، إلا لغة السيف، وهي لغة تعلمناها في ثقافتنا من أيام مصرع الحسين.

وينقل خاتمي في كتابه «الفكر في شرك الاستبداد» قصة انقلاب أبو ليث الصفار، فهذا الرجل قام بانتفاضة مسلحة فحذره رجل من بيعة الخليفة، فامتشق السيف، ثم لوح به فوق رؤوس الناس صائحا: إن هذا السيف هو الذي أجلس الخليفة على كرسي الخلافة في بغداد، فعهدي وعهد الخليفة واحد.

ونحن في الواقع لا نتصور مسلسل الانقلابات الدموي الذي أنهى عهد الخلافة الراشدة في الإسلام، ولم ينته بعد من حياتنا، فما زلنا نؤمن بأن السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب، كما قال الشاعر. ولشدة غموض هذا الموضوع، فقد فاتنا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في كيفية تغيير المجتمع والدولة سلميا، وليس بالعمل العسكري المسلح بتنظيمات سرية تحت الأرض. وهذه السنة غابت عنا واختلط علينا مفهوم الجهاد، وضاع عنا مفهوم المحنة والصبر عليها، فأبدل الله أمننا خوفا وأوضاعنا اضطرابا وضلالا.

وقصة الانقلابات في عالم العربان الغربان تذكرني بقصة القرد والغيلم، فقد روى المقفع في كتابه «كليلة ودمنة» أن قردا كان يحكم قومه فتقدمت به السن، فقام قرد شاب بانقلاب عسكري عليه، فهرب كما هرب الرئيس الموريتاني يومها من بطش العسكر إلى السفارة الفرنسية. وصاحبنا القرد المسن هرب حتى آوته شجرة التين، وكان الوقت صيفا، طابت فيه الثمار كما تحدث الانقلابات عادة مع الصيف، فاعتلى القرد المتعب ظهر الشجرة، ثم شرع يتذكر أيامه الحلوة، ويأكل تينة فيمضغها، ثم يلقي بأخرى في ماء النهر الذي يتدفق تحت الشجرة فيسمع لها رنين. ولكن صديقنا القرد المجهد الذي التقط أنفاسه رأى غيلما، وهو ذكر السلحفاة، يتقدم إليه فيسلم عليه ويشكره لما ألقى من تين إلى النهر. سُرَّ القرد بصديق يروي له متاعبه وقصة الانقلاب المروع، الذي حدث وكاد أن يقتل فيه. ومع الوقت نمت الصداقة بين القرد والغيلم، ولكنها لم تكن بذلك الخبر السار لزوجة الغيلم، فقد ساءها تأخر زوجها في العودة إلى المنزل، فلما سألت عن الخبر، قالوا لها: لقد صادق قردا شيخا وهن العظم منه على ظهر شجرة، فهما يتسامران ويروي كل منهما للآخر محن الدهر. فتظاهرت بالمرض الشديد، عندما رجع ليلا إلى منزله. فلما سأل قالوا له: إنه مرض أعيا الأطباء ولا دواء له إلا قلب قرد. ففكر الغيلم فلم يجد سوى قلب صاحبه الهارب من الانقلاب العسكري في مملكة القرود، فجاءه في الصباح وقد قرر الغدر به، فقال له: إنني أريد إكرامك كما أكرمتني، وأدعوك لزيارتي في منزلي. فقال القرد: وكيف لي بعبور الماء؟ قال لا عليك فظهري خير مركب. ثم إن القرد اعتلى لجة الماء على ظهر درع الغيلم، وهو مزهو بهذه الرحلة الميمونة، ولم يخطر في باله أنها انقلاب جديد.. وكان الغيلم أثناء هذا قد راجع نفسه، فأحس بالخجل كيف يقابل الحسنة بالسيئة، والكرم بالقتل، فكان يتوقف من حين لآخر. فراب القرد الأمر لما تكرر. قال: يا صاحبي ما بالك متردد في سباحتك؟ قال: أمر يصعب علي قوله لك، فزوجتي مريضة وليس لها من دواء إلا قلب قرد، فقلت ليس لي سواك، فلا تحزن يا صاحبي فالموت حق على الجميع. قال القرد: سامحك الله لو قلت لي قبل هذا لنفعتك. قال الغيلم: وكيف؟ قال نحن معاشر القردة نترك قلوبنا معلقة في بيوتنا حينما نخرج للسفر، فإن عدنا غرسناها من جديد في صدورنا! تعجب الغيلم وحمد الله على هذه العادة عند القرود، أصحاب الانقلابات. فرجع به إلى الشاطئ، وقبل أن يصل قفز قفزة هائلة فصعد الشجرة وغاب، فلما تأخر صاح به الغيلم: أين أنت يا صاحبي؟ قال القرد: أتريد أن أكون مثل الحمار بدون أذنين وقلب. قال: وما قصته؟ فشرع القرد في رواية جديدة عن قصص جماعات الغدر والانقلابات.

 

نافذة:

كان في ظننا أن العالم العربي ودع فترة الانقلابات ولكن يبدو أن هذه الجرثومة الخبيثة ما زالت تسري منا مسرى الدم ومشكلة الانقلاب تختصر الفهم في كيفية تغيير الأوضاع السياسية بالقوة المسلحة

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى