شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةسري للغايةسياسية

كتاب «مافيا الجنرالات» هُرب سرا إلى الجزائر وهكذا هُدد «المهربون» بالعقاب

يونس جنوحي

يقول هشام عبود إن سنة 1979 كانت مفصلية جدا: «هذه السنة شكلت منعطفا حاسما في تاريخ الجزائر. فقد كان الذين يُمثلون السلطة والذين ينتمون للجيش المكون من تركة الاستعمار، على وشك أن يوجهوا ضربتهم لتحويل كل شيء لمصلحتهم».

يتهم هشام عبود كلا من الجنرال عبد الله بلهوشات والشاذلي بن جديد وسعيد بوحدجة، وجميعهم عسكريون، بأنهم كانوا جميعا أميين ولا يفهمون أي شيء نهائيا في السياسة. بل ويضيف: «لا أحد كان مستعدا لدفع دينار واحد ليراهن على أنهم قد يصلون يوما إلى الحكم». لكن ما وقع أنهم فعلا وصلوا إلى الرئاسة وسيطروا على مفاصل الدولة وأفشلوا الأحزاب وأصابوها بالشلل ونشروا رجالهم في كل المصالح والإدارات وكانت لهم أعين في كل مكان.

 

وطني أم خائن؟

هذا إشكال عويص كتب عنه هشام عبود كما لو أنه يتجول في حقل ألغام. إذ إن هذه المذكرات صدرت في عز قوة نظام الجنرالات وجبروته، وعيّن أسماء الذين رأى أنهم سبب مشاكل الجزائر، واحدا واحدا.

نحن الآن تجاوزنا نصف مضمون المذكرات، ولا يزال هشام عبود مصرا على تذكيرنا بأن سبب مآسي الجزائر كلها هم هؤلاء الذين انقضوا على السلطة بعد وفاة الهواري بومدين مباشرة، وعينوا الجنرالات الذين تعرفنا عليهم في الصفحات السابقة لكي يحولوا ثروات الجزائر الباطنية والبرية والبحرية إلى جيوبهم.

بالنسبة إلى الجنرال بلهوشات، فإن المُتداول في البلاد أنه كان من الوطنيين المخلصين الكبار ومؤسي الجيش الذي حرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي. لكن بعد الحراك الأخير في الجزائر، وقعت ثورة كبيرة على المفاهيم التي توارثها الجزائريون قبل أربعين سنة، بخصوص الرصيد المعنوي لعدد من الأسماء أبرزهم هذا الجنرال. إذ تحول بالنسبة للرأي العام الجزائري من رمز وطني إلى زعيم من زعماء «المافيا».

ولعل أغلب الجزائريين اليوم استحضروا مذكرات هشام عبود، التي حاول جزائريو فرنسا تهريبها إلى الجزائر عند صدورها مطلع الألفية الجديدة.

 

الممنوع المرغوب

كان منتظرا أن تمنع السلطات الجزائرية تداول مذكرات هشام عبود «مافيا الجنرالات». ولأن السياق كان مغايرا لأوضاع اليوم، فقد كان خبر صدور تلك المذكرات غير مُتداول في الإعلام الجزائري ولا سبيل إلى نشر محتواه، لأن الأنترنت وقتها في الجزائر، أي سنة 2001 و2002، لم يكن بعد قد انتشر في أوساط الجزائريين. وكل هذه عوامل أخرت وصول الكتاب.

لكن المُلفت أن بعض المهاجرين الجزائريين الشجعان، غامروا وحاولوا إدخال بعض النسخ خلسة عن أعين الجمارك وفعلا نجحت العملية، وهكذا عمل بعض «الفضوليين» على نسخ صفحات «مافيا الجنرالات» وتوزيعها. لكن المخابرات الجزائرية سرعان ما انتبهت للأمر وحاولت تطويق انتشار المذكرات أو مقتطفات منها من خلال ترهيب وتهديد المشتبه في ترويجها بأقصى العقوبات.

سبق لهشام عبود أن أدلى في حوار صحافي بهذه الحيثيات كلها، وذكر أنه يتعين عليه شكر بعض الإعلاميين الفرنسيين الشرفاء لأنهم رفضوا محاولات سخية جدا لإرشائهم من طرف المخابرات الجزائرية لكي يطعنوا في كتاب «مافيا الجنرالات»، أو يتجاهلوا الإشارة إليه في صحفهم.

لم يكن الجنرالات قادرين على شراء كل شيء، وهذه كانت مشكلة كبيرة بالنسبة إليهم. والأخطر أن بعض الذين عملوا لصالح الجنرالات، لم يكن يحركهم الإخلاص العسكري، بل الجشع. وعندما يرغبون في الحصول على المزيد، فإنهم يكونون مستعدين لعض الأيادي التي صنعت مجدهم العسكري والسقوط في أحضان أخرى تدفع أكثر. وهذا بالضبط ما وقع داخل دواليب المؤسسة العسكرية الجزائرية، خصوصا سنوات 1992 و1995. إذ تحدث عنها هشام عبود بكثير من الحماس، والحرقة أيضا.

ولكي يؤكد هشام عبود أن جنرالات الجزائر كانوا لا يشبهون جيش أي دولة أخرى في العالم، أكد أن أكثر اجتماعات الجيش أهمية وحساسية، والتي يجتمع فيها الجنرالات مع الضباط السامين الكبار المسؤولين عن كل وحدات الجيش، كانت تُجرى داخل بناية المدرسة الوطنية للمهندسين والتقنيين، التي تقع في شاطئ العاصمة الجزائر، وليس في مقر وزارة الدفاع أو على الأقل في الأكاديمية العسكرية التي كانت تحمل اسم «تشرشل». أمر محير فعلا. لماذا يا ترى لم يكن مسؤولو الجيش يجتمعون في مقر وزارة الدفاع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى