شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

كنت معلما معلمون ومفتشون.. من الفصول الدراسية إلى الحقائب الوزارية

 

 

في حملته الانتخابية، ركز بيدرو كاستيلو، رئيس جمهورية البيرو، على مساره كمعلم لاستمالة أصوات الناخبين. قال في خطبة أمام آلاف المناصرين إن التجربة التي عركته سياسيا واجتماعيا وإنسانيا هي الفترة التي قضاها في مجال التعليم، إذ قضى في المدرسة خمس وعشرين سنة مدرسا ونقابيا، قبل أن يصعد في سلم السلطة. وعلى الرغم من خبرته المحدودة، انتخب عام 2021 رئيسا للبيرو، مدفوعا بأصوات الناخبين المدرسين والقرويين الذين نشأ معهم.

كان المعلم في زمن مضى يتفوق على الوزير في مكانته الاعتبارية، ونستحضر هنا قولة لأحمد بوكماخ حين كان معلما، «زارني وزير التعليم سنة 1962 وأنا في الفصل، وحين انتهت الزيارة وهم الوزير والوفد المرافق له بمغادرة المدرسة، اصطف التلاميذ في الساحة لتحيتي  حتى اعتقدت أنني أصبحت وزيرا».

في زمن مضى مر كثير من أقطاب السياسة وأمناء الأحزاب السياسية من الفصول الدراسية، حيث كان قطاع التعليم يمارس جاذبيته على السياسيين الذين يفخرون بانتمائهم لهيئة التدريس، خاصة عبر المدارس الحرة التي فتحتها الحركة الوطنية كواجهة لبث الحماس النضالي، ومشتلا لإعداد الأطر الذين أصبح مغرب ما بعد الاستقلال في أمس الحاجة إليهم خاصة مع انطلاق مسلسل مغربة الإدارة، حيث مثل المعلمون طليعة نخبوية حملت قيم الحداثة، التقدم والتحرر.

اليوم اقتحم مصطلح «التقنوقراط» المشهد السياسي، وأصبح خريجو المدارس العليا للطرق والقناطر في فرنسا يعبرون جسرا يفضي إلى كرسي الاستوزار، دون الحاجة أحيانا للتوقف في باحة استراحة حزب سياسي، أو العبور في فصل دراسي.

في سابق العهد والأوان كان «المعلموقراط» حاضرين بقوة ضمن الطبقة السياسية، فهم مربو الأجيال وصانعو النخب، لذا كان من السهل استقطابهم من طرف الأحزاب السياسية، ومع مرور الوقت يتحولون إلى قيادات تحجز لهم مناصب حكومية.

في هذا الملف سنرسم مسارات معلمين تحولوا إلى رجال السياسة، علما أن أسماء عديدة يضيق المجال للحديث عنها في هذا الملف قد سارت في نفس الطريق المفضي إلى الوجاهة السياسية، كعبد الرحيم بوعبيد والمعطي بوعبيد وعلي يعتة ومولاي العربي المسعودي ومحمد بلعالم وعبد الكريم حليم وناصر الفاسي الفهري، وغيرهم من الوجوه التي جمعت بين التربية والتعليم والحقائب الوزارية.

 

أرسلان الجديدي..أعراض نقابية تنهي مسار مدرس الفرنسية

اسمه الحقيق محمد أرسلان ولقبه الجديدي، من مواليد سنة 1926 بمدينة الجديدة، داخل أسرة تتحدر من قبيلة توجد في منطقة الغربية ضواحي الزمامرة، على الحدود بين دكالة وعبدة.

بدأ الرجل مساره المهني معلما للغة الفرنسية بإحدى المدارس الابتدائية بضواحي أكادير، بعدما تلقى في العاصمة الرباط تكوينا كمدرس، وكان معلما للغة الفرنسية، لكنه لم يستمر طويلا في التدريس، بعد أن كثرت احتجاجاته على الوزارة، ولمس فيه رؤساؤه نزعة نقابية مستترة سرعان ما تفجرت حين قرر أرسلان مغادرة وزارة التربية والتعليم، واجتياز مباراة لولوج وظيفة بالمكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة.

تعددت الروايات حول مغادرته الوظيفة التعليمية، لكن الراجح أن ميولاته النقابية وإصراره على وضع ملفات مطلبية أمام المسؤولين المركزيين عجل برحيله.

وهو في عنفوان الشباب، سيحتضن الشاب أرسلان من طرف الاتحاد المغربي للشغل، النقابة التي كان يتزعمها المحجوب بن الصديق. ومع مرور الأيام اشتد عوده النقابي وراح يتزعم إضرابات صاخبة، أقلقت النظام وقتها، وهو الأمر الذي جعل الدولة تقرب منها هذا الشاب القادم من عمق بادية دكالة، وتدخله دواليبها، ليغرد داخل السرب وليس خارجه.. وهكذا سيعين الراحل الحسن الثاني أرسلان الجديدي مندوبا ساميا للإنعاش الوطني، ثم في ما بعد وزيرا للشبيبة والرياضة في حكومة كان يقودها محمد كريم العمراني، ثم وزيرا للشغل والتكوين المهني.

عاش الرجل معارك نقابية وسياسية، وظل كثير التنقل بين المدن والمداشر، خاصة بعد أن عين أمينا عاما للحزب الوطني الديمقراطي الذي انشق عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما زاد من محنة أرسلان وبدأ الإرهاق يتسلل إلى جسده. ولاحظ المقربون منه أن أرسلان يقضي ساعات في خطب طويلة كلفته جهدا وعناء أثرا على وضعيته الصحية.

بعد انتهاء الانتخابات الجماعية لسنة 1992، أصيب الجديدي بوعكة صحية، وحين اشتد به المرض نصحه طبيبه بالخلود للراحة بعيدا عن الصخب الانتخابي للجديدة، وأصيب أرسلان بوعكة صحية ألزمته إقامة دائمة بمسكنه في حي اليوسفية بالعاصمة الرباط. قام القصر بالتكفل صحيا بأحد أكبر خدام الدولة، خاصة وأن الكشف الطبي أكد ضرورة انتظامه في حصص تصفية الدم.

كان محمد أرسلان الجديدي يمني النفس بنهاية في جوف إحدى مقابر الجديدة، لكن القدر ساقه في شهر يونيو سنة 1999، إلى مقبرة الشهداء بالرباط في جنازة تليق بقيمة الفقيد، وذلك قبل شهر عن وفاة صديقه الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يستمتع بـ «قفشات» أرسلان.

 

حين أصر والد أحمد التوفيق أن يكون ابنه معلما

ولد أحمد التوفيق في جبال الأطلس الكبير وتحديدا في منطقة مريغلا غير بعيد عن تينمل، يوم 22 يونيو 1943، استجاب الولد لرغبة والده الذي كان يمني النفس بأن يصبح ابنه يوما مدرسا، وهو الذي قضى طفولته راكضا بين الروابي والجبال حين قرر أن يطلب العلم قرب مهد الموحدين.

حصل أحمد على الشهادة الإعدادية عام 1961، بعد أن تابع دراسته الابتدائية والثانوية بمدينة مراكش. ودخل على الفور مدرسة المعلمين حصل منها على دبلوم المعلمين سنة 1963.

اشتغل مدرسا في التعليم الابتدائي لمدة عام حصل فيها على الكفاءة المهنية. حصل أحمد على البكالوريا عام 1964، وانتقل إلى الرباط حيث التحق بالمدرسة العليا للأساتذة. وفي سنة 1968 نال الإجازة في الآداب (تخصص تاريخ) من جامعة الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. كما حصل على شهادة علم الآثار ودبلوم السلك الثالث من كلية الآداب بالرباط، حيث كان مشرفا على تحرير «مجلة كلية الآداب بالرباط» والدليل البيبليوغرافي «الكتاب المغربي».

لبى أحمد التوفيق رغبة والده وتسلق سلم الوجاهة من مدرسة المعلمين إلى المدرسة العليا للأساتذة، ليتبوأ مناصب عليا في سلك التعليم، إذ عين في منصب نائب عميد كلية الآداب بالرباط (1976-1978) التي كان يدرس بها مادة التاريخ. وبعد ذلك، عين مديرا لمعهد الدراسات الإفريقية (1989-1995) ثم مديرا للمكتبة العامة سنة 1995. هو عضو سابق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بالصفة الحكومية..

حتى وهو يمارس التدريس الابتدائي والثانوي ثم الجامعي، ظل التوفيق أسير المكتبات، حيث انكب على العديد من الدراسات والأبحاث حول تاريخ المغرب من بينها، أطروحته حول «المجتمع المغربي في القرن الواحد العشرين – 1850-1912» و«الإسلام والتنمية» و«يهود دمنات» و«جارات أبي موسى» و«السيل» و«الشجرة والقمر».

لأحمد التوفيق تجربة طويلة ومسار حافل في الممارسة الحكومية، إذ عين وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 2002، وظل حاضرا في الحكومات المتعاقبة إلى الحكومة الحالية المعينة إلى اليوم.

 

محمد عواد.. المعلم الذي أصبح مستشارا للملك

ولد محمد عواد سنة 1922 بمدينة سلا، وتابع تعليمه الابتدائي بها، قبل أن يلتحق بالرباط لاستكمال تعليمه الثانوي. انخرط في سلك المعلمين وأصبح معلما إلى غاية 1942، ثم شد الرحال إلى فرنسا لاستكمال تعليمه الجامعي في مجال الحقوق، حيث حصل على إجازتين في الحقوق والآداب من جامعة السوربون. بعد أن أنهى عواد دراسته الجامعية في فرنسا وعاد إلى المغرب ليمارس التدريس أولا ومنه سيمر إلى محيط القصر، وفي سنة 1945 عينه المغفور له محمد الخامس كاتبا خاصا، لولي العهد آنذاك، المغفور له الحسن الثاني.

قبل حصول المغرب على الاستقلال كان محمد عواد قد استقل بحياته وبدأت معه سعاد الفاسي مساره كرجل تخلص لتوه من جبّة الأستاذ بما لها وما عليها، ليتفرغ لدخول عالم السياسة بعيدا عن خصومات حزب الاستقلال الذي تهيمن عليه عائلة أصهاره. وهكذا ورغم زواجه من سعاد الفاسي، بقي عواد بعيدا عن صراعات الحزب الحاكم. وبعد الاستقلال شغل عواد عدة مهام، من بينها منصب مدير ديوان المغفور له محمد الخامس، وسفير المغرب بمدريد، ووزير البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، ووزير الدفاع الوطني. كما كان أول مدير عام للديوان الملكي سنة 1959. وبعد ذلك، عينه المغفور له الحسن الثاني سفيرا في الجزائر سنة 1962، ثم في تونس (من 1965 إلى1967 )، وهي السنة التي عين فيها وزيرا مكلفا بتعليم أصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات.

لم تكن القوة الاعتبارية لمستشار الملك، محمد عواد، جديدة على زوجته سعاد الفاسي التي كانت بدورها مدرسة، وهي حفيدة عبد الله الفاسي الذي كان وزيرا غير عادي في القصر الملكي أيام كانت فاس عاصمة سياسية للمغرب، قبل مجيء المولى يوسف بفترة. وقتها، كان عبد الله الفاسي وزيرا يطلب الغرب وده قبل فرض معاهدة الحماية سنة 1912، وكان منزله محجا للوفود الأجنبية لعقد اللقاءات التي حاول الأوربيون من خلالها بدء سباقهم للفوز بفرض الحماية على المغرب.

 

معمر زواوي.. معلم تخصص في كتابة الخطب الملكية

ولد معمر زواوي سنة 1880 بمنطقة القبائل الجزائرية، كان ضمن بعثة المعلمين التي أرسلتها الإدارة الفرنسية إلى المغرب صحبة عمر الخطيب والد عبد الكريم، وقدور بن غبريط. تولى بين 1908 و1912 إدارة المدرسة الفرنسية الإسلامية بالرباط، واشتغل إلى جانب المولى يوسف مربيا للأمراء، ثم مديرا للبروتوكول فكاتبا خاصا للملك محمد الخامس. بعد نفي الملك عاد إلى بلده الجزائر، وعاد إلى المغرب إثر حصول المملكة على الاستقلال، حيث عين وزيرا للقصور الملكية والتشريفات.

ظل معمر يعبر عن اعتزازه بالملك محمد الخامس، وحرص على الإشادة به في أشعاره.

يقول الإعلامي محمد بنددوش، إنه خلال سنوات ما قبل نفي محمد الخامس والأسرة الملكية، كان الملك يلقي خطاب العرش يوم 19 نونبر داخل القصر الملكي أمام حشد يتشكل في أغلبيته من رجال المخزن والموظفين. ويحكي أن أبواب القصر تفتح يوم العيد في وجه أي مواطن يريد الاستماع إلى خطاب العرش، وكانت الإذاعة تسجل الخطاب أثناء إلقائه ثم ينقل إلى الأستوديو لإذاعته.

وقعت في أحد الأعياد قصة غريبة لخطاب العرش، في وقت بلغت فيه الأزمة درجة خطيرة بين القصر الملكي والإقامة العامة الفرنسية، كان محمد الخامس حذرا من رجال الحماية الفرنسية، لذلك عندما انتهى من إلقاء خطاب العرش، طلب من وزير التشريفات الملكية الفقيه محمد المعمري زواوي أن ينتقل إلى الإذاعة ومعه نسخة من الخطاب المكتوب، ويتأكد هناك في عين المكان أن خطاب العرش سيذاع كاملا دون أن يلحقه أي بتر، فقد كان يشك في أن الفرنسيين لن يرتاحوا لبعض ما جاء في الخطاب ولربما سيحاولون التصرف فيه. وفعلا صدقت تخمينات الملك محمد الخامس.

«دخل الوزير المعمري إلى مقر الإذاعة، والتحق بالأستوديو ووضع خطاب العرش المكتوب بين يديه، بينما شرع التقني الفرنسي في إرسال الشريط الخاص بالخطاب المسجل. وانكب الوزير الوفي بكل جوارحه وقوة يقظته على الصفحات يتابع باهتمام بالغ تطابق الخطاب المسجل مع الخطاب المكتوب، وفي لحظة من اللحظات انتفض الفقيه المعمري من مقعده وبدأ يصيح بالفرنسية: «ما هذا؟ ما هذا؟ فعلها أولاد الحرام. لقد فعلوها». كانت انتفاضته عندما رأى أن فقرات طويلة من التسجيل حذفت. بحث معمر عن التقني الفرنسي فلم يعثر له على أثر.

 

محمد شفيق.. مفتش التعليم يصبح وصيا على القطاع

ولد هذا المناضل التربوي الأمازيغي يوم     17شتنبر 1926 في منطقة آيت وراين، غير بعيد عن مدينة صفرو، تابع دراسته بثانوية أزرو، وبعد استكمال دراسته عمل مدرسا في الفترة ما بين 1946 و1948، وبعدها عين أستاذا للتعليم الثانوي، ثم مفتشا في التعليم الابتدائي والثانوي في الفترة ما بين 1954 و1960، وخلال هذه الفترة كان رئيسا لجمعية قدماء تلاميذ ثانوية آزرو. عمل سنتين في هذه الجمعية وساهم في تحديد خطها الثقافي الداعي لتدعيم الهوية الحضارية للمغرب، وتأكيد الجذور الأمازيغية للهوية المغربية.

عمل مدرسا بثانوية مولاي يوسف بالرباط، وبالمدرسة العليا للأساتذة في الرباط، وهو أول عميد للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وصف بأبي الحركة الثقافية الأمازيغية في المغرب بسبب إسهاماته الثقافية واللغوية الأكاديمية.

تقلد مناصب عديدة، حيث عين عام 1960 مفتشا عاما للتعليم. وفي عام 1970 عين نائبا لكاتب الدولة في التعليم الثانوي والتقني والعالي، ثم كاتبا للدولة لهذه الوزارة، وهو المنصب الذي احتفظ به في حكومة 1972، ثم كلف بمهمة في الديوان الملكي، كما عمل مديرا للمدرسة المولوية، وعضوا في أكاديمية المملكة المغربية، وفي عام 2001 عينه الملك محمد السادس عميدا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما عين عام 2003 عضوا لدى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

ولأنه قادم من قطاع التعليم فقد دعا في «بيان الأمازيغ» عام 2000 إلى تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في مدارس المملكة وإعادة كتابة التاريخ، وعبر عن رفضه لكلمة «بربر» لأنها توحي بمضمون سلبي.

وقال في حوار صحفي مع قناة الجزيرة: «نحن أمازيغيون، هكذا تميزنا دائما. والآخرون، هم من لقبونا بالبربر، بينما العرب لا يميزون بين البربر والهمج، ويوظفون نفس الكلمة بلا تمييز وللتحديد ذاته».

ويعتبر محمد شفيق، من الأوائل الذين استنهضوا الوعي بالبعد الأمازيغي في الهوية الوطنية المغربية، وله إسهامات عديدة ومهمة في هذا الصدد، أبرزها «المعجم العربي الأمازيغي» الذي صدر في ثلاثة مجلدات تطلب 27 سنة من العمل عليه، كما ساهم بمقالات ودراسات في مجلات عديدة منها مجلة «تيفاوت» التي أسسها، ومجلتا «أمازيغ» و»تيفناغ»، ومجلة أكاديمية المملكة المغربية.

 

منير الدكالي.. معلم وعالم اجتماعي ورجل أمن ووزير

ازداد سنة 1939 بمدينة سيدي قاسم، وبها تابع دراسته الابتدائية قبل أن ينتقل إلى مدينة سلا لاستكمال دراسته الثانوية في مدرسة النهضة، وحين حصل على شهادة الباكلوريا انتقل إلى الرباط لمتابعة دراسته في مجال العلوم الاجتماعية، حيث تخصص في علم الإجرام، وسيصبح كاتبا عاما لمعهد علم الاجتماع.

لكن قبل ذلك اشتغل منير كمعلم للمرحلة الابتدائية، ومرت الأيام فأصبح مدرسا للتعليم الثانوي في مجال العلوم الاجتماعية لمدة عامين، قبل أن يلتحق بوظيفة سامية في قطاع التعاون الوطني.

رغم أنه من أصول دكالية إلا أن مدينة سيدي قاسم هي مسقط رأس، الوزير السابق منير عبد الرحمن الدكالي، بينما تعد مدينة سلا مسقط قلبه، ومن المصادفات الغريبة في حياة هذا الرجل أنه مات إثر عمل إجرامي استهدف الطائرة التي كانت ستقله من روما إلى طهران، وهو العالم بشؤون الإجرام التي تعتبر تخصصه الأول، رغم أن منصبه الحكومي كان بعيدا كل البعد عن علم الإجرام حين عين وزيرا منتدبا للشبيبة والرياضة.

قال عنه الإعلامي الحسين الحياني: «كان عميدا للأمن الوطني لكنه كان يكثر من زياراته لمكتب الرياضة بدار الإذاعة والتلفزة بزنقة البريهي، لقضاء وقت في مراجعات رياضية، ورغم رتبته في سلك الشرطة، كان يلح علي أن أمنحه فرصة التجربة في الصحافة المسموعة. وبما أنه من مدينة سيدي قاسم، وهي مدينة الجنرال أحمد الدليمي، وبما أنه كان عميدا في سلك الأمن الوطني، والذي كان يديره أحمد الدليمي، فقد فتح له باب الحكومة، وعين كاتب دولة في الشبيبة والرياضة سنة 1972، في الحكومة التي شكلت على جثة محاولة الانقلاب التي قادها الجنرال محمد أفقير.

مات منير في حادث 17 دجنبر سنة 1973، حين هاجم كوموندو فلسطيني يتكون من خمسة أفراد طائرة «البانام» الأمريكية، التي كانت ترسو بمطار روما في انتظار إقلاعها نحو العاصمة الإيرانية طهران. كان كل المسافرين يستوون في جلستهم وهم يضعون أمتعتهم في مكان آمن.

 

عبد العزيز لمسيوي.. تأخر راتبه الشهري فاختار السياسة

عاش عبد العزيز لمسيوي في وسط صارم بمدينة مراكش، كان والده رجل أمن، رغم أن العائلة كانت حداثية وتختلف عن باقي الأسر التقليدية، فقد ربته والدته زهراء على نمط آخر في درب عزونة، إذ كانت منفتحة على محيطها، مربية فاضلة لأبنائها، مصرة على تدريسهم لإيمانها بأن التعليم جسر للنجاح، بدليل أنه لا أحد من أبنائها اختار مهنة أبيه أي سلك الشرطة.

في وسط عائلي متعدد الأفراد، عشرة أبناء ستة ذكور وأربع إناث، تعددت الاهتمامات ما بين السياسة والهندسة والتدريس. توفي رب الأسرة ترملت الأم وفي عصمتها عشرة أبناء كان عليها مسؤولية رعايتهم وتربيتهم وقيادتهم إلى شط النجاة.

ولأن عبد العزيز المسيوي كان قد غادر الفصل الدراسي ودخل عالم التدريس والسياسة فقد رافقته والدته ووجد فيها السيدة المحافظة على أدبيات حزب كان في طور النشأة اسمه الاتحاد الدستوري الذي كان من مؤسسيه، ووثائق اتحاد المغرب العربي، حين كان ابنها كاتب الدولة لدى وزير الخارجية مكلفا بالعلاقات مع اتحاد المغرب العربي، كما تطوعت لحفظ أرشيف الفريق في غرفتها ونفس المهمة قامت بها مع الاتحاد الدستوري، لقد كانت تعشق فريقا وحزبا.

استطاع عبد العزيز أن يقطع مراحل صعبة، ومر بمرحلة التعليم الابتدائي في مراكش، ولازم البيت إلى سنة 1960، حيث دخل المدرسة الإقليمية للمعلمين، ومنها تخرج ليصبح معلما في مجموعة مدارس «إيميني» بإقليم ورزازات.

«لم تمض سنتان حتى انتقلت إلى مدرسة المعلمين بورزازات، لأصبح حارسا عاما للداخلية بها ومعلما تطبيقيا في مدرستها الابتدائية ومسؤولا إقليميا عن الشؤون الاجتماعية»، يقول لمسيوي في حديث صحفي، قبل أن يتحدث عن معاناته مع الوظيفة العمومية، «طوال هذه الفترة بقيت بدون حوالة، وبدون تسوية وضعيتي، حيث مرت أربع سنوات دون أن أتوصل بأجري، وقد كان شخص اسمه الحدوشي وزيرا للتعليم الابتدائي آنذاك. ذهبت إلى الوزارة أستفسر عن وضعيتي، فاستقبلني رئيس القسم وطلب مني أن أشرح حالتي، فأخرجت له الكفاءة في التعليم فاستغرب وقال لي: إنه من المفترض فيك أن تكون خارج الإدارة لأن اللجنة الطبية أثبتت عدم أهليتك لممارسة المهنة فكيف تشتغل؟ فقلت له إنني أعمل منذ أربع سنوات وها أنت ترى مراجعي. فاستغرب وقال لي: اذهب سننادي عليك لتسوية وضعيتك، فأصررت على عدم الخروج حتى أجد حلا، فنادى على أعوانه وحاولوا إخراجي بالقوة، وقد اعتصمت أمام مكتبه إلى ما بعد الغذاء، وفي الأخير سلمني مبلغا من المال قدره 200 درهم وقال لي: عد إلى بيتك في ورزازات وسنوافيك بقرارنا».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى