شوف تشوف

الرأيالرئيسية

كيف تتحكم فينا الأعصاب وما طبيعة السيالة العصبية؟

بقلم: خالص جلبي

 

هذا السؤال يقودنا إلى منطقة خاصة في النخاع الشوكي، وهي القرون الأمامية، لأن منظر النخاع الشوكي يبدو وكأنه قرص أبيض وفي داخله منطقة رمادية بشكل حرف H باللغة الأجنبية، أو بشكل الهلالين الملتقيين في أوساطهما وتبرز امتدادات من الأمام والخلف ثنائية، بحيث تشكل ما يشبه شكل القرون، ولذا سميت بالقرون الأمامية والقرون الخلفية، ولقد وجد أن النخاع الأبيض يتكون من مرور قرابة 40 ألف ليف عصبي، وأكثر من شتى الحزم، وهي في المناطق الأمامية خاصة بالحركة، وفي الخلف خاصة بالحس، وعندما تأتي الألياف الصادرة من قشر الدماغ وهي تحمل أمرا من الأوامر فإنها تصل إلى خلايا القرن الأمامي في النخاع الشوكي، حيث تفهم الخلية الأمر الذي يجب أن يكون، ومن خلايا القرن الأمامي تنطلق الألياف العصبية إلى العضلات المطلوبة، حيث تأمرها بالانقباض أو الاسترخاء حسب الحالة التي يريدها الجسم، وإذا تتبعنا مسير العصب لوجدناه أولا يتغلف كما تتغلف أسلاك التلفونات، لأن الأسلاك لا تترك عارية خوفا من حصول تماس كهربي وانقطاع التيار بالتالي، كما يحدث أحيانا في بيوتنا العادية، ولذا فإن العصب يتغمد عند مروره بالمادة البيضاء بالغمد النخاعي، وعندما يخرج من الجملة العصبية فإنه يتغلف بغلاف ثان هو غمد شوان نسبة إلى العالم الذي اكتشفه، ويقف المرء متعجبا من هذه الكيفية في الحفظ والتدبير!

وعندما يسير العصب في الجسم وهو مغلف بغلافين ومحصن أتم التحصين، تنتقل عبره السيالة العصبية إلى المكان المطلوب وهو هنا العضلة الإرادية المخططة، وعندما يصل العصب إلى الليف العضلي ينتهي فيه، بعد أن يفقد الأغماد التي تغلفه حتى يتصل بشكل صميمي مع الليف العضلي، ولقد وجد أن كل ليف عصبي يحكم ما يقرب من 100 ليف عضلي، وكأنه آمر وحدة تتألف من مائة جندي!

 

السيالة العصبية:

وهنا نقف لنسأل كيف يتم انتقال السيالة العصبية؟ وما هو تكوينها؟ وكيف تؤثر في الليف العضلي حتى تدعوه إلى التقلص؟ لقد وجد أن طبيعة السيالة العصبية عجيبة فهي فيزيائية كيميائية، ولذا فإن هرس العصب أو قطعه، ثم توصيله بعد ذلك لا يجعله ناقلا للسيالة العصبية بخلاف السلك المعدني، كما وجد أن للسيالة العصبية قانون خاص في انتقال السرعة، فهي سريعة كلما ازداد القطر في الليف العصبي، وكأن السيالة سيارة تستطيع أن تسرع كلما ازداد عرض الشارع الذي تمر منه، فهي قد تصل في بعض الأمكنة إلى سرعة أكثر من مائتي ميل في الساعة، أي أسرع من طائرة نقل الركاب.

وأما السيالة العصبية بالذات فهل هي سائل يسري في العصب؟ بالطبع لا، فهي تيارات ونبضات كهربية، ولقد وجد أن عنصري البوتاسيوم والكالسيوم يتداخلان أيضا في حدوث ظاهرة السيالة العصبية، وعندما ينتهي الليف العصبي في العضلات بشكل ما يعرف باللوحة الحركية، حيث يتفرع إلى فروع صغيرة، وفي التنبيه يطلق مادة خاصة هي الأستيل كولين أو الإدرينالين، وحتى يزول تأثير هذه المادة هناك خميرة تعرف بخميرة الكولينستراز وهي تزيل وتخرب الأستيل كولين. ومن هذا الاتزان تتنبه الألياف العضلية بشكل متزن، فزيادة الأستيل كولين تحدث أعراضا مخيفة، كما أن زيادة خميرة الكولينستراز تحدث أعراضا مخيفة، ومن اتزان هذين العنصرين يتجلى ثبات التقلص العضلي واسترخاؤه. ولقد وجد أن مرض الوهن العضلي الوخيم الذي يتجلى بضعف القدرة العضلية عند القيام بأبسط الجهود، وكذا ضعف المضغ في الفك بمجرد القيام بمضغ خفيف، بالإضافة إلى هبوط الجفن والوهن والضعف السريع، كل هذا ينتج عن زيادة تكثف خميرة الكولينستراز التي تزيل تأثير الأستيل كولين سريعا، بحيث لا تترك مجالا للتقلص العضلي. كما أن التسمم بمادة الفوليدول (سم الحشرات والفئران) يحدث أعراضا مضادة، وهي أعراض زيادة تركز مادة الأستيل كولين من تقبض الحدقة ووذمة الرئة الحادة أحيانا وحالة التسمم، وكل هذا يعود السبب فيه إلى خلل التوازن في الجسم بين هذه المادة وخميرتها (واجهتنا حالات كثيرة في الإسعاف وأنا أعمل في مشفى المقاصد في بيروت، وكان علينا حقن مادة الأتروبين، لحين السيطرة على الانسمام).

إن الألياف العصبية التي تتحكم في البدن تبلغ حدا من السعة والانتشار في الجسم البشري، بحيث لا تكاد تصدق، فلقد وجد أن طول العروق الدموية وتوزعها في الجسم يبلغ ما يقرب من 100 ألف ميل، ولكن ماذا نقول عن الأعصاب وهي تروي كل الجسم، بل تقريبا كل خلية في الجسم من أبعد المناطق إلى أقربها ومن أدقها ومن أعظمها، من رأس الأصبع القدمي إلى جذر السن، وهي بهذا الانتشار تقوم بتحريك مئات الأزواج من العضلات وعشرات المفاصل، كما تأخذ الحس عن جميع مناطق الجسم من حس اللمس والألم والحرارة والبرودة والضغط والحس العميق، أو ما يعرف بحس الأوتار والمفاصل والعظام والعضلات، بالإضافة إلى حس معرفة الأشياء، وهو حس معقد نسبيا، حيث تميز اليد البشرية، ولو كان الإنسان مغمض العينين بين الدبوس وقطعة الورق والقطعة المدنية والجلد الرطب وقطعة الخشب، حقا إنها أسرار عجيبة يقف الإنسان متأملا ولا ينقطع تأمله.

 

نافذة:

طبيعة السيالة العصبية عجيبة فهي فيزيائية كيميائية ولذا فإن هرس العصب أو قطعه ثم توصيله بعد ذلك لا يجعله ناقلا للسيالة العصبية بخلاف السلك المعدني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى