شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

كُتب بدون كُتّاب..

يونس جنوحي

 

ليس كل أصحاب الكُتب معروفين بكتبهم. هناك مؤلفات معروفة، ومؤلفوها مجهولون. ومن المؤسف فعلا أن توجد بين أيدينا اليوم كُتب ومخطوطات لا تُقدر بثمن، يعود تاريخها إلى أربعة قرون تقريبا، لكن مكان اسم المؤلِّف بقي فارغا، وفي ركن الملاحظات يكتب المشرفون على تلك المكتبات: «المؤلف مجهول».

لدينا في المغرب عشرات المخطوطات من هذا النوع. كتب في تخصصات مثل الطب وعلم الفلك والتاريخ وأدب الرحلة والفقه والعلوم الإنسانية، وتُعتبر مراجع لا بد للدارسين من الاطلاع عليها قبل التخصص، لكن كُتابها غير معروفين للأسف.

إذ عندما عُثر على هذه المؤلفات للمرة الأولى، لم يكن اسم الكاتب مسجلا في دفتها، ولا توجد أي إشارة إليه بين الصفحات ولا في «الحواشي»، حيث اعتاد الكُتاب القدامى أن يدونوا الملاحظات حتى لا ينسوها أثناء صياغة النسخة النهائية من المخطوط.

أحيانا كانت هناك أسباب سياسية منعت بعض الكُتاب من وضع أسمائهم على مؤلفاتهم، مخافة أن تُمنع أو تُصادر، خصوصا في فترة حكم الموحدين وحتى فترة السعديين. قبل أربعة قرون تقريبا، لم تكن الكتابة أمرا سهلا، ولا تأليف الكُتب حدثا عاديا، بل كان بعض العلماء المغاربة يعتبرون الانتهاء من صياغة مخطوط، كيف ما كان موضوعه، ولادة جديدة فعلا لصاحبه، وهناك من كلفتهم كُتبهم حياتهم. فلا عجب إذن أن تكون بين أيدينا اليوم مخطوطات بدون أسماء مؤلفيها.

بالمقابل لدينا كتب مغربية معروفة جدا في الغرب، لكن المغاربة لا يعرفونها للأسف. والأمثلة في هذا الباب كثيرة.

هناك مثلا المكتبة الشهيرة في إسبانيا، والتي نُقلت في عهد السعديين مخافة أن تتعرض للضياع، وتضم آلاف المخطوطات النادرة التي جُمعت في عهد الدولة السعدية، وبعضها لم تُسجل فيها أسماء مؤلفيها، بسبب عدم الاستقرار السياسي وقتها، وقرر السلطان السعدي أن ينقلها من مراكش إلى الجديدة، لكي تُنقل بحرا إلى الشمال ويتم الاحتفاظ بها في مكان آمن إلى أن تستقر الأوضاع.

لكن ما وقع، أن ربان الباخرة الذي عهد إليه السلطان المغربي بمهمة نقل «الأمانة» على متن باخرته، وكان فرنسي الجنسية، تخلى بسهولة عن الحمولة بمجرد ما أن أوقفته باخرة حربية إسبانية وفتشت سفينته، لكي تحجز صناديق المخطوطات.

نقل الإسبان تلك المكتبة الضخمة إلى ملك إسبانيا، وقرر ببساطة أن يحتفظ بكل تلك المخطوطات، وأمر أن تُترجم إلى الإسبانية وتُرتب وتحفظ في مكتبة خاصة أنشئت لهذا الغرض.

سقطت دولة السعديين، جاءت دولة مولاي علي الشريف العلوي، وطالب ابنه مولاي إسماعيل الذي حكم المغرب ما بين سنتي 1672 و1727، الإسبان بتسليم تلك المكتبة، بل وعرض أن يُبادل بها آلاف الأسرى الإسبان الذين كانوا محتجزين في المغرب، لكن ملك إسبانيا وقتها فضل الاحتفاظ بالمكتبة على شراء حُرية مواطنيه، وبقيت المكتبة محتجزة هناك.

وفي عهد الملك الراحل الحسن الثاني جرت بعض المحاولات لاستعادة المكتبة دون جدوى، وأقصى ما عرضه الإسبان وقتها، أن يسمحوا للباحثين المغاربة بزيارة تلك المكتبة، ونسخ ما يشاءون من مراجعها ومخطوطاتها التي رُتبت حسب تخصصات، على رأسها الطب وعلم النفس والحساب الفلكي.

وإذا قُدر يوما وعادت هذه المكتبة إلى رفوف الخزانة المغربية، فيجب فعلا أن تُعتبر استعادتها عيدا وطنيا لما تمثله من رمزية للأدب والعلوم المغربية. فالظروف التي فُقدت فيها هذه المكتبة تبقى قاسية، حتى أن بعض المؤرخين المغاربة اعتبروا أن احتجاز الباخرة الفرنسية على يد الإسبان كان أفضل سيناريو آل إليه مصيرها، إذ إنها لو وقعت بين أيدي المتمردين المحليين على السلطة، لأضرمت فيها النيران، ولما بقي منها إلا الرماد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى