شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرمجتمع

لغز اختفاء فرنسي اعتنق الإسلام وأحب المغرب 

القصة الكاملة لاختفاء كليمان بيسنفال في الرباط

في 10 أبريل 2024، اختفى الشاب الفرنسي كليمان بيسنفال، البالغ من العمر 30 عاما، في ظروف غامضة بمدينة الرباط، وبعد مرور عام كامل على اختفائه، ما زالت القضية تراوح مكانها وسط غموض يلف مجريات التحقيق، فكليمان بيسنفال الذي جاء إلى المغرب لتحقيق حلمه بإنشاء مطعم، اختفى بشكل مفاجئ تاركا وراءه الكثير من التساؤلات المفتوحة والمفارقات المقلقة.

 

إعداد: النعمان اليعلاوي

 

رغم حساسية القضية وطبيعتها المعقدة، لم تسفر التحقيقات حتى الآن عن نتائج ملموسة توضح مصير الشاب الفرنسي كليمان بيسنفال، علما أن السلطات الأمنية والقضائية المغربية قامت بعدد من الإجراءات، وطرحت العديد من الفرضيات منها ما تمس احتمالات انخراطه في أنشطة دينية متشددة، بالإضافة إلى فرضية اعتداء من شخص آخر، وفرضية اضطراباته النفسية، وكلها ظلت دون جواب.

وبينما تؤكد السلطات المغربية استمرار جهودها لمعالجة الملف وفق المساطر القانونية المتاحة، وتعاونها مع السلطات الفرنسية في إطار اتفاقيات التعاون القضائي الدولي، ترى العائلة أن الغموض يلف كل تفاصيل القضية.

في هذا التقرير الخاص نعيد نسج خيوط قضية احتفاء كليمان، وتفاصيل هذا اللغز الذي لا يزال مفتوحا، ونعود إلى اللحظات الأخيرة قبل اختفاء كليمان، وأوجه التحقيق، تناقضات الروايات، وفرضيات القضية المتعددة.

 

اللحظات الأخيرة قبل اختفاء كليمان

في شقة صغيرة تقع في حي العلو بالرباط، كان كليمان مشغولا بالتحضير لإطلاق حلمه الكبير: افتتاح مطعم «بيتزا» في حي أكدال، الذي يُعتبر من المناطق الحيوية في العاصمة المغربية. وكان يخطط لجذب الزبائن المحليين والأجانب، خاصة أولئك الذين يترددون على المنطقة. وفقا لشهادات صديقه المقرب إدريس (54 عاما)، كان كليمان متحمسا للغاية، ويقوم بالترتيبات اللازمة لإطلاق المشروع، قبل منتصف أبريل.

وفي مساء 10 أبريل 2024، وبعد إتمام معظم التحضيرات، كان من المقرر أن يُوقع عقد استئجار المحل في 15 من الشهر ذاته. لكن في الساعة العاشرة و30 دقيقة من ذلك المساء، وحسب شهادة الجيران، فقد رأوا كليمان يغادر شقته دون أن يحمل معه أيا من أغراضه المعتادة مثل هاتفه أو نقوده أو حتى دراجته الهوائية، التي كانت تلازمه في تنقلاته اليومية. فكليمان كان يحرص دائما على استعمال دراجته في كل تنقلاته، ما جعل عدم أخذه لها أمرا غير مفسر.

 

تفاصيل غامضة في المنزل

اللغز لم يقتصر على اختفاء كليمان فقط، بل امتد أيضا إلى تفاصيل غامضة داخل شقته. من أبرز هذه التفاصيل، ترك كليمان لمفاتيح شقته في «مزهرية» على طاولة المدخل، وهو ما كان يفعله دائما عندما يخرج لفترات قصيرة. ولكن، ما أثار القلق هو اكتشاف آثار دماء على مرآة حمامه، ما خلق فرضية قوية حول تعرضه لاعتداء داخل الشقة. غير أن التحقيقات الأولية أكدت أن آثار الدماء ليست ناتجة عن جريمة عنف، بل قد تكون نتيجة لحادث عرضي، وهو ما جعل التحقيق يأخذ مسارا مغايرا وغير متوقع.

رغم الغموض الذي يلف القضية، تبقى السلطات الأمنية والقضائية في المغرب تؤكد على استمرار مجهوداتها في محاولة كشف ملابسات اختفاء الشاب الفرنسي.

ومنذ التبليغ الرسمي عن غيابه، باشرت الشرطة القضائية تحقيقا أوليا شمل معاينة شقته، الاستماع إلى عدد من معارفه وجيرانه، وفحص بعض الأدلة الجنائية التي وُجدت داخل المنزل، بما في ذلك آثار الدماء على مرآة الحمام. كما تم، وفق مصادر رسمية، تفعيل قنوات التعاون القضائي الدولي، عبر استقبال طلب من السلطات الفرنسية في إطار إنابة قضائية دولية.

ورغم ما اعتُبر تأخرا في تسليم بعض المعطيات، أو ضعفا في التواصل مع العائلة، تقول الجهات المعنية إن الملف لا يزال مفتوحا على مستوى النيابة العامة، وإن التحقيقات مستمرة في أكثر من اتجاه، من أجل الوصول إلى حقيقة ما جرى، سواء تعلق الأمر بفرضية جنائية، شخصية، أو حتى نفسية، بالنظر إلى تناول كليمان لدواء معدل للمزاج.

 

بلاغ متأخر للعائلة والسلطات تتدخل

بعد اختفاء كليمان، تأخر بلاغ العائلة إلى السلطات، لكن عندما تم الإبلاغ في 20 أبريل 2024، بدأت التحقيقات، وقد كان التركيز على جوانب غير مرتبطة بالاختفاء ذاته، مثل التحقيق في جوازي سفر كليمان الفرنسي والإسباني، بالإضافة إلى تسليط الضوء على زياراته السابقة إلى السعودية والجزائر.

وفي سياق التحقيقات، خضعت دائرة المحيط الاجتماعي لكليمان لتدقيق واسع، إذ تم استجواب أصدقائه المقربين، من بينهم إدريس وزوجته، في جلسات مطولة تجاوزت السبع ساعات. وقد تركزت أسئلة المحققين بشكل ملحوظ على خلفيات كليمان الدينية وعلاقاته بدول كالسعودية والجزائر، حيث طُرحت فرضيات حول احتمال انخراطه في نشاطات متطرفة، أو علاقات مشبوهة. غير أن هذه الفرضيات ووجهت برفض من طرف العائلة، التي أكدت أن كليمان كان شابا مسالما اعتنق الإسلام عن اقتناع، وأنه معروف بميوله الثقافية والانفتاح على الآخر، وأنه لم يظهر قط أي نزعة نحو التطرف أو الانتماء إلى تيارات مشبوهة.

 

كاميرات المراقبة وفحوصات مخبرية

قبل يومين من اختفائه، تحدث الجيران عن حدوث خلاف حاد بين كليمان وبعض المصلين في مسجد حي العلو، بعد أن قام بقطع صلاة العيد بشكل مفاجئ، هذه الحادثة ألقت بظلال من الشك حول الحالة النفسية لكليمان، خاصة أن بعض المصادر تشير إلى أنه كان يمر بمرحلة من التوتر النفسي، بسبب إشكاليات عقائدية.

ورغم أن كليمان كان يتلقى علاجا نفسيا منتظما في فرنسا لاضطراب نفسي معين، أكد أصدقاؤه المقربون أنه كان في حالة جيدة نسبيا قبيل اختفائه، وكان متحمسا لبدء مشروعه التجاري. لذلك، يبقى السؤال حول ما إذا كان يمكن أن يكون قد اختار الهروب نتيجة لضغوط نفسية، دون أن يترك وراءه أي أثر يدل على ذلك، مما حدا بعائلته إلى توجيه نداء له، إذا كان ما زال حيا لكي يظهر ويتصل بوالديه المسنين، اللذين يعانيان معاناة كبيرة بسبب هذا الاختفاء.

 

عائلة ترفض الاستسلام وتواصل البحث

لم تستسلم عائلة كليمان بعد اختفائه، حيث قامت بزيارة الرباط خمس مرات، في محاولة لاستقصاء أي خيط يقودها لحل القضية. خلال هذه الزيارات، تحدثت مع فهد، صديق كليمان الذي ساعده في البحث عن مدارس في الرباط، ويوسف، صديقه الجزائري الذي كان آخر من تحدث معه. كما اكتشفت أن الشرطة قامت بتفتيش شقة كليمان مرتين، الأولى في أبريل والثانية في يوليوز.

في المقابل، تشير بعض المصادر المطلعة إلى أن الجهود المغربية لم تتوقف، رغم غياب نتائج ملموسة حتى الآن، وتفيد المصادر نفسها بأن التعاون مع الجانب الفرنسي ما زال قائما عبر القنوات الدبلوماسية والقضائية، وأن المغرب استجاب لمجموعة من الطلبات الصادرة عن القضاء الفرنسي، بما في ذلك تبادل المعلومات وتحليل المعطيات الجنائية، كما يتم التحقق بشكل دوري من أي معلومات جديدة قد ترد حول مكان وجود كليمان، مع الاستعداد لإعادة فتح أي خيوط محتملة.

 

بعد عام..  فرضيات معلقة 

بعد مرور عام على اختفاء كليمان بيسنفال، ما زالت التحقيقات تراوح مكانها وسط تضارب في الفرضيات وغياب أي تقدم ملموس. الفرضية الجنائية، التي قد تكون الأكثر منطقية في مثل هذه الحالات، ظلت ضعيفة حتى الآن. فغياب أي أدلة على وقوع جريمة قتل أو سرقة، سواء داخل شقة كليمان أو في محيط اختفائه، دفع المحققين إلى التراجع عن اعتبار هذه الفرضية أساسا للتحقيق.

أما الفرضية النفسية، فرغم أنها بقيت مطروحة بقوة نظرا إلى تاريخ كليمان العلاجي، فإن غياب أي مؤشرات جدية على تفاقم حالته النفسية، أو وجود نوايا للفرار أو الانتحار، يجعل من احتمال اختفائه الطوعي دون أي أثر أمرا مشكوكا فيه. أصدقاء كليمان وأفراد أسرته أجمعوا على أنه كان متحمسا ومستقرا نفسيا، ويعمل بجد على مشروعه التجاري، ما يعزز الشكوك حول هذا السيناريو. ورغم تعدد هذه الفرضيات، إلا أن الغموض هو السمة الغالبة على هذا الملف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى