شوف تشوف

الرأي

مؤاخذات تسائل الحكومة

لا يشجع البيان الذي أصدرته قيادة «الاتحاد الاشتراكي»، بشأن ما وصفته بالاختلالات التي تطبع العملية الانتخابية، على ترجيح الاعتقاد بأن الأجواء العامة التي ترافقها خالية من التوتر. سواء من منطلق أن البيان يعكس موقفا سياسيا، أو لناحية تنبيه الحكومة إلى بعض المزالق، فإنه لا يمكن المرور على مضمونه، من دون تحمل الجهات الراعية لسلامة المسلسل الانتخابي مسؤولياتها كاملة في تقديم الإيضاحات المطلوبة، والتصدي للخروقات في حال ثبوتها.
بعيدا عن أي خلفيات حزبية يسجل البيان معطيات تفيد بوقوع «ممارسات تحكمية» سلكتها الإدارة « من أجل وضع عراقيل في وجه المترشحين» في الانتخابات المهنية. والتهمة ثقيلة، أكانت محدودة أو تمت في إطار منعزل، وأخطر ما فيها أنها تحدثت عن «توجيه بعض المترشحين نحو جهات سياسية معينة، بالترغيب والترهيب والمساومة». ينضاف إليها أن قيادة الحزب المعارض تحدثت عن توفرها على معطيات حول القيام بحملات انتخابية سابقة لأوانها، يميزها «استغلال وزراء لمناصبهم»، وعن استخدام المال في التأثير على الناخبين. إلى هذا الحد بلغت الانتقادات إذن.
إذا أضيف إلى مضمون البيان أن حزب الاستقلال بدوره هدد في وقت سابق بمعاودة النظر في المشاركة السياسية، في حال تعرض مترشحوه إلى ضغوط. ما يعني وجود مؤشرات سلبية، في وقت قال فيه وزير الداخلية، محمد حصاد إن الانتخابات المقبلة ميزتها مستجدات «ستجعل منها تجربة رائدة». الأمر كذلك نظريا، سيما في ضوء دخول البلاد دائرة التنظيم الجهوي الذي يرفع المزيد من الأعباء عن السلطة المركزية. وليس من شأنه أن يكتمل من دون قطع دابر التشكيك الذي لا يكون مصدره سياسيا في ظل اتفاق الفرقاء على مبدأ الحياد والنزاهة، وإنما سلوكيا من طرف الذين دأبوا على استغلال المناسبة، ومحاولة إعادة إنتاج أوضاع يفترض أن البلاد قطعت معها بلا رجعة.
الالتزام الموضوعي بمبدأ النزاهة يحتم تجاوز عراقيل بما فيها توالي إشاعات «الشارع السياسي» التي تنشط عند كل استحقاقات. وإذا كان مقبولا في إطار المنافسة ترويج تكهنات حول حيازة هذا الحزب أو ذاك على مركز الصدارة، فإنه من غير المقبول في المنطق السياسي الاستسلام لنزعة التوزيع المسبق للأقاليم والجهات، فهذه مسألة منافية لروح المنافسة الموضوعية.
مع أنه لا يعتد بها، ويمكن تصنيفها إلى ما هو أقرب من حروب نفسية استباقية، يصبح من واجب الحكومة أن ترد على مظاهر التشكيك التي قد تبدأ صغيرة وتكبر. وحتى إذا سلمنا أن الأمر يندرج في سياق ما قبل بدء المنافسات، فإن الثابت أن المسلسل الانتخابي لا يحتمل أي نزوع في العودة إلى الوراء.
لئن كانت السلطات المعنية بادرت إلى فتح تحقيق إزاء ما تردد عن احتمالات تورط مسؤولين في الإدارة الترابية في منطقة الرحامنة، فإن المبادرة يجب أن تتسع لتشمل كافة المؤاخذات. وبالتالي فإن فكرة تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على نزاهة الاستحقاقات كانت في محلها، في حال ثبت أن مسؤولين حكوميين يستغلون مواقعهم، إذ لا يمكن للحكومة أن تكون خصما وحكما في الوقت ذاته. بل يتحتم على كافة مكوناتها الانضباط لشروط النزاهة والحياد.
يُفترض من منطلق الثقة وحسن النية وسلامة الإرادة أن ما يعبر عنه من مؤاخذات، لا تزيد عن مقتضيات التموقع الحزبي والسياسي، إلا أن ذلك لا يلغي واقع أن أي مساس بسلامة الاقتراع، حتى وإن كان محدودا، لن يشجع في زيادة الإقبال على صناديق الاختيار. خصوصا وأن الظاهرة الانتخابية لها «سماسرتها» ورجال ميدانها الذين يصعب تطويق ممارساتهم، إلا باتخاذ إجراءات حزبية وإدارية صارمة تضع حدا لأي شوائب محتملة.
لم يكن منطقيا تجاوز طلبات المعارضة، أي كان سقفها، لأن مبدأ التوافق في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، يفترض عدم إلغاء أي فكرة، مهما كان مصدرها. وكون الحكومة تتوفر على أغلبية مساندة لها لا يعني بالضرورة أن تمرير القوانين التنظيمية ذات العلاقة بالاستحقاقات الانتخابية تخضع لهذه الميكانزمات فقط، بل لابد من الاحتماء بسقف المرجعية الدستورية التي تجعل المعارضة شريكا أساسيا في المشهد السياسي.
لم يفت الوقت بعد، ذلك أن رئيس الحكومة باستطاعته أن يؤكد أن رعايته للاستحقاقات الانتخابية تنطلق من صفته وصلاحياته كرئيس للسلطة التنفيذية، وليس قيادة حزبه «العدالة والتنمية» ما يجعله مطلق اليد والصلاحيات في التصدي لأي تجاوزات أو مؤاخذات، من خلال اللجان المعنية، خصوصا وزارتي العدل والداخلية. وكل توجه إيجابي في نطاق التصدي لمظاهر الانزلاقات كبيرة أو صغيرة سيكون موضع ترحيب. خصوصا وأن الاستحقاقات لازالت في بداية ما قبل انطلاق السرعة القصوى.
وإذا كان تعذر إقرار توافق أكبر في الإعداد للاستحقاقات، فإن ذلك لا يعني استئثار السلطة التنفيذية بالقرار. وفي الإمكان دائما اللجوء إلى سياسة الحوار والإصغاء والرصد الموضوعي لأجواء الانتخابات، كي يكون الحدث عرسا ديمقراطيا حقيقيا، لا مكان فيه لأي حزن أو أسى. فالانتخابات كما دوران الفلك الأرضي: يوم لك ويوم عليك. والأهم أن ينجح المغرب في رهانه الاستراتيجي الكبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى