شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

مثقفون في الملاعب جمعوا بين الرياضة والثقافة

لا يختلف اثنان في كون الرياضة والثقافة، بكل مكوناتهما المعرفية المتعددة، تعتبران من أساسيات الإبداع الإنساني والرقي الفكري. ومن هنا أدركت الشعوب أهمية الرياضة كونها ثقافة يجب أن تتوغل داخل نسيج المجتمع خاصة في عصر الاتصالات السريعة، ما حول الرياضة إلى ثقافة مجتمعية.

اعترف الكاتب الروائي نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب، في كتاب: “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ” لصاحبه الناقد رجاء النقاش، بعشقه للكرة وقال: “كان من الممكن أن أكون من كبار لاعبي كرة القدم. قد لا يصدق أحد أنني كنت في يوم من الأيام كابتن في كرة القدم. واستمر عشقي لها حوالي عشر سنوات متصلة، في أثناء دراستي بالمرحلتين الابتدائية والثانوية. ولم يأخذني منها سوى الأدب، ولو كنت داومت على ممارستها لربما أصبحت نجما من نجومها البارزين”. كان نجيب محفوظ لاعبا في صفوف الزمالك المصري بل وعميدا للفريق، لكن في الجامعة بدأت صلته بكرة القدم تنقطع ولم يعد يمارس اللعبة التي عشقها واستهوته.

كثير من الأدباء أبهروا في الملاعب قبل أن يشدوا إليهم اهتمام المثقفين، لهذا طالب الروائي جان دوست بتنظيم مونديال للكتاب، يشد إليه الأنظار وتتسابق لشراء حقوق بثه الفضائيات الثقافية، صحيح أن الفوز بجائزة نوبل للأدب يوازي الظفر بكأس العالم، لكنها تبقى جائزة فردية لا تختلف كثيرا عن الجائزة الماسية لألعاب القوى على اعتبار أن الفوز كان للفرد وليس للفريق.

من الكتاب المغاربة فئة لا تكشف عن انتماءاتها الكروية، عن الفريق الذي تسانده سرا وتصنفه في دائرة “العشق الممنوع”، ومنهم من لا يجد حرجا في الافتخار والاعتزاز بالفريق المحبوب.

في الملف الأسبوعي لـ”الأخبار”، محاولة للكشف عن الوجه الآخر لأدباء شعراء كانوا أو روائيين أومؤرخين، انتشلتهم الثقافة وغيرت وجهتهم من الملاعب إلى المكتبات أو جمعوا بين عرق الكرة ورائحة الورق.

 

 

الخطيبي.. عاشق الدفاع يعتزل الكرة من أجل السوسيولوجيا

ولد عبد الكبير الخطيبي في مدينة الجديدة سنة 1938، وتحديدا في حي الصفا المتاخم لشاطئ البحر، وكان والده فقيها مقربا من أبي شعيب الدكالي، أصر على أن يجعل منه عالما كما كان يردد في تجمعاته الدينية.

كان الوالد شديد التنقل بين المدن، لذا عرف مساره التعليمي محطات عديدة في مدارس الجديدة، والدار البيضاء والصويرة، ومراكش، والرباط. وعرف في شبابه بولعه بالكرة حين كان لاعبا في فريق سبورتينغ الجديدة الذي سيتحول إلى الدفاع الجديدي بعد الاندماج، وحين التحق بجامعة السوربون في باريس انضم مجددا لفريق جامعي وشارك في الألعاب الجامعية الفرنسية، قبل أن يقرر التفرغ لشهادة الدكتوراه التي حصل عليها سنة 1969.

وعند عودته إلى المغرب سنة 1974 تقلد مسؤولية إدارة معهد السوسيولوجيا بالرباط، لتقوم السلطات المغربية بإغلاقه بعدما شككت في كون المعهد يقوم بتأطير الطلبة المعارضين للنظام واحتوائهم، وتولى منصب مدير المركز الجامعي للبحث العلمي، وكان عضوا في اتحاد كتاب المغرب، ورئيسا لتحرير “مجلة المغرب الاقتصادية والاجتماعية”.

عانى الرجل من تربص الجنرال أوفقير ورفيقه أحمد الدليمي، فقد كتبا تقارير مفحمة حول السوسولوجيا وكانا يؤاخذان العلوم الاجتماعية أمام الملك الحسن الثاني ويتهمانها بكونها “تزرع في التلاميذ الروح التخريبية والتمردية”. فصدر قرارا بإغلاق المعهد. لكن الخطيبي ظل حريصا على متابعة مباريات الدفاع الحسني الجديدي خاصة حين يحل بالرباط لمواجهة الفتح أو الجيش أو سطاد المغربي. بل وكان يجد متعة في مناصرة الفريق الدكالي، قبل أن يغيب بسبب وعكة صحية أبعدته عن الكتابة في مجال علم الاجتماع وعن الكرة.

لا تتردد أمينة العلوي زوجة الراحل الخطيبي في توجيه الشكر لملك البلاد محمد السادس، الذي أنقذ أسرة الخطيبي من حيرتها، وقرر التكفل شخصيا بنفقات علاج رجل السوسيولوجيا الأول، في مستشفى الشيخ زايد بالرباط، بل إن الزوجة تثني على الملك الذي أعطى تعليماته الملكية بالاحتفاظ بصفة أستاذ جامعي لزوجها مدى الحياة، مع تمتيعه بكافة الامتيازات ذات الصلة بالمنصب.

بعد خمس سنوات عن رحيله، دعيت أرملته أمينة للبوح، وتقديم مساهمتها في كتاب جماعي يسلط الضوء على جوانب من حياة الراحل عبد الكبير الخطيبي ، يحمل عنوان “ولدت غدا: تحية لعبد الكبير الخطيبي”، إلى جانب أسماء من حقل الثقافة والفن وأخرى من عائلة الراحل، وهو من إعداد الكاتب المغربي مراد الخطيبي (ابن أخ عبد الكبير الخطيبي) في حوالي 170 صفحة، وتضمن مواد متنوعة (شهادات ونصوص وقراءات وحوارات) بالعربية والفرنسية والانجليزية، ووقفة في محطته الكروية.

 

أيت بنصالح.. روائي ومؤرخ من صلب مولودية مراكش

كان عبد العزيز لاعبا سابقا للمولودية المراكشية، وحين اعتزل الركض خلف الكرة، انكب على كتابة روايات ما بعد الاعتزال، من بينها كتاب حول الفريق الذي جمع في صفوفه رجال العلم والمعرفة، واختار له كعنوان: “كرة القدم وحركة المقاومة..مولودية مراكش وأخلاق الوطنية”.

في مقدمة الكتاب يقول الباحث يونس السرحاني: “الحديث عن كرة القدم، أَمر متاح للجميع، يمكن تجاذب الحديث، بشأن هذه اللعبة الساحرة، لساعات عديدة، بآليات تختلف، حسب الثقافة الرياضية، أما الكتابة، في هذا الموضوع بمنهجية علمية، فهو أَمر غير متاح للجميع”.

ولأنه عارف بنادي مولودية مراكش، منذ التأسيس إلى ثمانينيات القرن الماضي، فقد تمكن عبد العزيز من استنهاض همم المراكشيين، مركزا على التزام فعاليات هذا النادي، بأخلاق الوطنية والانضباط، الموروثين عن مؤسسِيه.

للكاتب والمؤرخ والروائي عبد العزيز أيت بنصالح، عدة إصدارات تؤكد نفسه الطويل في الكتابة ولياقته الإبداعية على غرار مهاراته في مداعبة الكرة، يكفي أن نتوقف عند “العميان” و”طيور السعد” و”العارفان” و”الأَفرو أَمرِيكي” و”شيشاوة منذ ما قبل التاريخ إلى الآن” و”أوراق من ساحة المقاومة” وغيرها من الإبداعات التي يتعايش فيها التاريخ والرواية والكرة.

 

لشهب.. من منتخب الشبان إلى الحرم الجامعي

عبد الكريم لشهب أستاذ جامعي وباحث ومؤرخ في الشأن الرياضي، حمل قميص النادي القنيطري، وانتهى مؤرخا من خلال إصداراته أبرزها: “النادي الرياضي القنيطري.. وقائع وأحداث تاريخية”. تدرج لشهب عبر مختلف الفئات العمرية لـ”الكاك” قبل أن يحمل قميص المنتخب الوطني للشبان.

منذ صغره، جمع الفتى عبد الكريم بين التأريخ الرياضي والكرة، وحين اختمرت تجاربه ومعارفه فضل رد الجميل للفريق الذي احتضنه، فقرر إنجاز مؤلف يجمع بين دفتيه تاريخ وأمجاد النادي الذي كان خزانا للفريق الوطني المغربي.

يقول عبد الكريم عن هذا المخاض: “قضيت أزيد من أربع سنوات، تفرقت بين جمع مواد الأرشيف الموجودة لدى رواد وأصدقاء الفريق، وكذا اللقاءات المباشرة مع مجموعة من قدماء النادي. ناهيك عن إرادة شخصية من طرفي ككاتب سعى لرد الجميل لعائلته الرياضية بعاصمة الغرب، والمساهمة في توثيق مسار الفريق في فترات تاريخية سابقة لمرحلة الاحتراف”. يقول لشهب في حفل توقيع الكتاب.

يعتبر الدكتور عبد الكريم لشهب واحدا من أبرز المؤرخين الرياضيين على الصعيد الوطني، لذا لا يركز كتابه على فريق “الكاك” بل يسرد تاريخ كرة القدم بالقنيطرة مند النشأة ويقدم  معطيات غير مسبوقة عن مختلف الفرق المحلية، مع أسبقية للنادي القنيطري الذي يستحوذ على الجزء الكبير من الكتاب، إلا أن المؤلف لم يفته التنويه بباقي مكونات كرة القدم القنيطرية وفي مقدمتها نادي النهضة الرياضية القنيطرية.

الدكتور عبد الكريم لشهب يشتغل اليوم على إحداث المتحف الرياضي القنيطري، كما تعهد مع باقي الفاعلين الرياضيين القنيطريين، بإنجاز مؤلف آخر عن الغريم التقليدي للكاك نادي النهضة الرياضية القنيطرية.

 

المفكر المهدي المنجرة يعلن ولاءه للوداد

في درب التازي، وهو واحد من أشهر الأحياء في المدينة القديمة للدارالبيضاء، قضى الفتى المهدي جزءا من طفولته، وتابع في ملعب “المغرب” قرب المسبح البلدي للدار البيضاء تداريب نجوم الكرة أمثال العربي بن مبارك وعبد الرحمن بلمحجوب والأب جيكو والقدميري.

يفخر أنصار الوداد الرياضي بشهادة المهدي المنجرة، وهو يعلن عشقه لهذا النادي حين قال في تصريح يتقاسمه الوداديون، تحدث فيه عن الدور الذي قام به نادي الوداد الرياضي في محاربة الاستعمار، وترسيخ قيم المواطنة في نفوس المغاربة. هذه الشهادة منحت المهدي صفة المشجع الودادي.

“عندما كان نادي الوداد الرياضي يقوم بمحاربة الإستعمار بكل الطرق، سواء في ملاعب الكرة وهو يواجه فرقا مدعومة من الاستعمار الفرنسي”، هذه القولة كانت كافية لجعله جزءا من تاريخ هذا النادي.

لكن المهدي المنجرة سيتراجع عن ولائه للمجتمع الكروي حين قال في إحدى محاضراته: “أن تفوز على مصر لا يختلف أن تفوز هي، وكذلك مع الجزائر أوتونس. فلا فائدة من كثرة الغليان والتشاحن، نحن جميعا متعادلون في التخلف والأمية والجهل وضعف الصحة وإنتشار البطالة وتبذير الثروة وما خفي أعظم، كرة القدم مجرد لعبة وليست من بنود التطور أو مؤشرات التنمية البشرية المعروفة بتحديد من طرف الأمم المتحدة وهي الصحة والتعليم والدخل الفردي أو مستوى عيش السكان. إن الشعوب المتخلفة ترى في الكرة كل شيء وهي في الأصل لا شيء”. هكذا يدير المهدي ظهره للكرة، ليواجه خصما آخر في ملاعب السياسة اسمه السلطة، حيث تميزت علاقتهما بالتنافر، كما طبعتها لحظات تقارب أيضا، حيث كان يسود الحوار، خاصة مع الملك الحسن الثاني، سيما حين يتعلق الأمر بتعيين المنجرة على رأس مؤسسة من حجم الإذاعة الوطنية، التي تولى إدارتها وعمره لا يتجاوز 25 سنة، وأيضا أثناء تأسيس رابطة لحقوق الإنسان بالمغرب، بعد فترة طويلة من تصلب الحكومة في القبول بمعالجة ملف الحريات وحقوق الإنسان. كان المهدي من مؤسسي ورئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وعضوا نشيطا في حزب الاستقلال ومن بعده الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قبل أن يعلن القطيعة مع السياسة.

ظلت زوجته أمينة تقنعه بضرورة مغادرة المغرب بعد أن أصبح محاصرا، ولأنها سليلة أسرة علم وفكر وشقيقة مؤرخ المملكة عبد الحق المريني، فقد نجحت في مسعى قبول منصب مستشارة ببعثة المغرب في الأمم المتحدة.

 

إدريس الخوري، أحمد صبري وجمكار.. عشق لنجم الشباب

في درب غلف لا يمكن أن تدير ظهرك للكرة، في هذا الحي الشعبي الذي تمتد حدوده إلى الأحياء الراقية المتاخمة لحي المعاريف، نادرا ما تجد فتى لم تطأ قدماه ملعب الحياة أو “ليطوال” قبل أن تسحب رابطة كرة اليد البساط من تحت أقدام أبناء هذا الحي.

جمع الكاتب والقاص والصحافي المغربي، إدريس الخوري، بين عشق نجم الشباب والرجاء الرياضي، فالرجل كان يحول جلساته في مقهى “لابريس” إلى فضاء لتحليل المباريات وتفكيكها.

كان صاحب “حزن في الرأس والقلب قصص”، “ظلال”، “البدايات قصص”، “الأيام والليالي”، “مدينة التراب”، “يوسف في بطن أمه”، “كأس حياتي” وغيرها من الأعمال، شخصية محببة، “نفذ إلى أعماق الحياة ليستخرج لنا ذهبها الأدبي النادر” كما يقول عبد الحق الريحاني.

كانت علاقة صداقة جمعت بين الخوري وصديقه القاص بشير جمكار الذي كان يقطن خلف “الباطيمات”، علاقة بدأت منتصف الستينات في محراب صحيفة “العلم”، وكان حب الكرة يجمعهما أيضا. بينما كان الكاتب والشاعر أحمد صبري أكثر توغلا في عالم الكرة بعد أن تشبع بروح “لفاخري”، بل إن كثيرا من كتاباته استلهمها من هذه العلاقة.

“قبل إعدامه، فقد رافقته في رحلة مع فريق نجم الشباب البيضاوي إلى فاس، وتوقفنا في منتصف الطريق ربما الخميسات، هناك ناولني خوخة ولم أمسكها جيدا فسقطت من يدي، وقبل أن أشرع في أكلها مسحتها من الغبار الذي لحقها، فغضب مني أشد الغضب وقال لي: “لا يمكن أن تزيل تراب الوطن من فاكهة”. فهمت المغزى واعتذرت له. فور ظهوره في شهر ماي 1967 لفت هذا الديوان الانتباه أولا بعنوانه الغريب. يقول صبري.

تحدث الكاتب أحمد المديني عن جمكار والخوري وصبري، فقال: “هذه اللمة التي لا تغيب نقاشات الكرة عنها، صبري كان يخوض في مواضيع الدنيا والآخرة، وجميع الأزمنة”.

 

جويطي.. لاعب رجاء بني ملال المهووس بالحكي

جمع الكاتب والروائي عبد الكريم جويطي، بين عشق الرجاء الملالي لكرة القدم وهوس الكلمة، عاش متيما بحب مدينته بني ملال التي وضفها بـ”المدينة المعذبة عندها سبعة أرواح”.

صاحب رواية “المغاربة” عبدالكريم الجويطي عاشقٌ كبيرٌ لكرة القدم بل شغل لفترة منصب رئيس فريق رجاء بني ملال، ولقد كان للكرة المستديرة حضور قوي وطريف في روايته “كتيبة الخراب”، أول رواية مغربية تبلغ القائمة الطويلة لجائزة البوكر.

من مواليد شهر ماي 1962 ببني ملال. هو كاتب وروائي ومترجم مغربي حاصل على جائزة المغرب للكتاب، اشتغل أستاذا، تم مندوبا ومديرا جهويا لوزارة الثقافة، ومكلفا بالدراسات في وزارة الثقافة. يعتبر عبد الكريم جويطي ظاهرة متفردة في الكتابة الروائية الحديثة في المغرب، فهو لا يحظى فقط بمتابعة النخبة المثقفة، بل باهتمام عموم القراء أيضا، فمنذ صدور عمله الروائي الأول “ليل الشمس” في بداية التسعينيات وفوزه بجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب، وهو يحظى والمتابعة المتفردة.

عبد الكريم جويطي يبدع أيضا في عوالم الكرة فقد كان عاشقا للرجاء الملالي ولاعبا لكرة القدم، وحافظا لمتون إبداعات جيل مضى سحب بساط البطولة من تحت قدمي الرجاء والوداد سنة 1974.

لا تخلو رواياته “كتيبة الخراب” و”المغاربة” و”زغاريد الموت” وإبداعات أخرى من هموم الملاليين، “نعيش معه جغرافية المدينة من خلال أحيائها كغدير الحمراء، وتمكنونت التي كان يشم رائحة نعناعها من ساحة الحرية، وموقع العمالة فوق الهضبة في طريق عين أسردون، هذه العين التي يعشقها وقصرها المطل عليها، ويروي قصصها”.

كان معجبا بلاعبي الزمن الجميل للرجاء الملالي، وكانت أسماء نجوم الفريق تحضر بقوة في كتاباته، بل يحرص على كتابة بورتريهات لأسماء كان حضورها القوي في ذاكرة الرياضة الملالية والمغربية على غرار أحمد نجاح والولد ونسيلة. هذا الأخير الذي وصفه عبد الكريم قائلا: “في زمن كان فيه المدافع كالجدار، وآلة الحصاد، لا يفكر، يضرب ويشتت الكرة، ويغافل الحكم ليلكم الخصم، كان هو استثناء: يلعب بأناقة، بل بترفع، يفتك الكرة بذكاء، وتبدأ الهجمات من رجله، يقرأ اللعب جيدا، ويضبط مسارات الكرة، وحين يدخل لافتكاك الكرة، يفعل ذلك بخفة وحسم جراح.عبد الإله نسيلة فلتة من فلتات كرة تلعب في المغرب العميق بشدة وفدائية، كرة تحكمها القوة البدنية والاندفاع”.

 

السليماني.. حين تفوز ابنة رئيس الجامعة بجائزة “الغونكور”

حين فازت ليلى السليماني بجائزة “الغونكور”، أرقى وأعرق جائزة أدبية تمنح في فرنسا، عن روايتها “أغنية هادئة”، خص الملك محمد السادس الكاتبة المغربية المقيمة بفرنسا، ببرقية تهنئة، أعرب فيها عن أحر تهانيه لها “على هذا التتويج الأدبي الكبير، تقديرا من هذه الأكاديمية العريقة لتميز هذا العمل الروائي المبدع”.

وتعتبر الكاتبة الشابة رابع اسم مغربي يحصل على هذه الجائزة الفرنكفونية الرفيعة، بعد الطاهر بن جلون، وفؤاد العروي، والشاعر عبد اللطيف اللعبي. في لقائها بالملك خلال زيارته لباريس كشفت ليلى عن مضمون الرواية التي منحتها نسخا منها، وقالت إنها تنتمي إلى ما يعرف بـ”الأدب المظلم”.

كشفت ليلى السليماني للملك عن مسارها الدراسي والعائلي، وقالت إنها قد درست بباريس في المدرسة العليا للتجارة، قبل أن تلتحق بمجال الإعلام، حيث اشتغلت بمجلة “جون أفريك”، وأنها نجلة عثمان السليماني الرئيس السابق للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.

في بداية السبعينات، بحث الملك عن رئيس للجامعة من عالم المال، فاهتدى إلى عثمان السليماني وكان حينها خبيرا اقتصاديا، ليعينه رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وفي عهده حقق المنتخب المغربي أول لقب قاري في إثيوبيا سنة 1976.

كان عثمان رئيسا مديرا عاما للقرض العقاري والسياحي، وكاتبا للدولة في المالية. كان يروض الأرقام ويجس نبض اقتصاد البلاد. لكن التاريخ لم ينصف الرئيس الذي منحنا أول كأس إفريقية، فقد مات في صمت وهو يتجرع مرارة الجحود، بعد أن زج به إدريس البصري في السجن في قضية اختلاس، قضى أربعة أشهر خلف القضبان ثم انتزع البراءة وتحول إلى جسد يتربص به المرض قبل أن يحوله إلى جثة هامدة.

يدين له لاعبو المنتخب الوطني في السبعينات بالفضل الكبير، فقد راهن على تشغيل عدد منهم في المصارف، وهو الذي جعل رباط العنق جزءا من مقتنيات لاعبين يستنشقون رائحة الأوراق النقدية كل صباح.

بعد أن مارست المسرح والصحافة على سبيل الإعارة، تحولت ليلى ابنة رئيس الجامعة إلى روائية، فأًصدرت باكورة أعمالها “في حديقة الغول”، ستركب كوالدها صهوة التتويج، وستتلقى التهاني من الملك محمد السادس، وستجمع فوق صدرها وسام العرش المغربي وسام الكفاءة الفكرية الفرنسي.

في حوار أجرته ليلى السليماني مع مجلة “مدام فيغارو”،  قالت: نحن لا نرث فقط ما أنجزه آباؤنا، بل نحمل أيضا إرث ما لم ينجزوه”.

 

الشاعر الجوماري والروائي نرايس.. عشق “الطاس” رغم المعاناة

ولد أحمد الجوماري سنة 1939، بمدينة الدار البيضاء. تابع تعليمه بالمدارس الحرة وبجامع ابن يوسف بمراكش. اشتغل أستاذا بالسلك الإعدادي بالدار البيضاء. له نصوص شعرية بمجموعة من الصحف والمجلات: العلم، المحرر، الاتحاد الاشتراكي، المكافح، الأهداف، أقلام، آفاق، أنفاس، الآداب. التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1968. كانت له ميولات يسارية، وقد ظهرت عنايته بالمضمون السياسي في شعره.

وكان الشاعر أحمد الجوماري من أنصار فريق الاتحاد الرياضي البيضاوي المشهور بـ”الطاس”، بل إن والده الحاج محمد التزنيتي كان من مسيري هذا الفريق الذي كان ملعب الحفرة معبدا لأنصاره. أُطلق اسمه على أحد شوارع الدار البيضاء وتحديدا في حي المعاريف بعيدا عن الحي الذي سكن وجدانه.

يتقاسم الكاتب حسن نرايس مع الشاعر الجوماري حب الطاس والحي المحمدي، يسكن بداخله الحي والشعر وباريس ومحمد شكري ومحمد سكري، وباحسن الصقلي، والعربي اليعقوبي وخير الدين وبرادة وناس الغيوان وسينما السعادة، وأزقة ودروب الحي المحمدي، والحي اللاتيني ومونبارناس ومومارت وجوسيو والطاس ودار الشباب والكاريان.

يصر حسن نرايس على الوقوف في الصفوف الأولى لمناصري الاتحاد البيضاوي، حتى وهو يخوض مبارياته في قسم الهواة إلا أن همه ليس التصنيف، بل الوفاء للفريق الذي أسعد آلاف سكان الحي المحمدي في زمن كان الفن والكرة يخلقان السعادة في حي يعيش الهشاشة.

حسن الكاتب والصحفي والناقد والمسرحي والإنسان لا يمكنه أن يعيش بعيداعن فضاء الحي وصخبه، فهو أسير هذا الحي حد الاعتقال في ملعب الحفرة وفي المقاهي الشعبية وفي مدرجات الملاعب حين تكون “الطاس” طرفا.

صدر للكاتب والإعلامي المغربي حسن نرايس العديد من الأعمال الأدبية منها كتاب بعنوان “أسماء”، تلتها مجموعة من الإصدارات المتنوعة بين الكتابات والأبحاث، مثل “بحال الضحك: السخرية والفكاهة في التعبيرات الفنية المغربية” و”السخرية في زمن كورونا”، كما أصدر كتبا تجمع بين الفكر والصحافة والفن مثل “أسماء مغربية” و”محطات باريسية” و”السينما بعيون أدباء مغاربة” وغيرها من الأعمال، لكن أكثرها قربا للطاس هو “الحي المحمدي: وجوهٌ وأمكنة”.

 

غويتيسولو.. “خوان المراكشي” روائي عشق الكوكب

لم يكن الروائي الإسباني خوان غويتسولو يظن أن هروبه من سلطات كتالونيا بسبب انتقاداته اللاذعة للنظام ستحوله إلى لاجئ أدبي في المغرب. فبعد توقف في باريس نصحه أحد زملائه بزيارة المغرب والبحث في سيرة الروائي جان جيني، والبحث في الحضارة العربية والإسلامية.

بعد أن عاش لفترة في مدينة العرائش، اختار خوان مدينة مراكش مستقرا له، حيث تابع دراساته وكتاباته عن الحضارة العربية والإسلامية، مفضلا الاستقرار في عمق المدينة الحمراء التي سيقضي بها حوالي خمس وثلاثين سنة، في مسكنه بدرب سيدي بولفضايل بالقنارية.

قال الكاتب والسياسي عبد الحق عندليب، في حفل تأبينه إن الفقيد عشق مراكش وأحب أهلها وتعلق بحضارتها وثقافتها العريقة، “كأنه بهذا التعلق يريد العودة بثقافته الأم الإسبانية إلى مهدها وروافدها الضاربة في عمق الحضارة والتراث المغربي”. تجلى اهتمام غويتيسولو بالمغرب والحضارة العربية والإسلامية في كتب أبرزها “مشكلة الصحراء”، و”إسطنبول العثمانية”، ورواية “مقبرة”، وكتاب “من دار السكة إلى مكة”.

نال خوان غويتيسولو العديد من الجوائز الإسبانية والعالمية بينها جائزة “خوان رولفو” لآداب أميركا اللاتينية والكاريبي، والجائزة الوطنية للآداب الإسبانية، أطلق اسمه على مكتبة “معهد سيرفانتس” في طنجة تكريما له، وسط مطالب بوضع تذكار له في جامع لفنا، فضاؤه المفضل.

في الرابع من يونيو 2017، رحل الكاتب العالمي خوان غويتسولو، إلى دار البقاء في صمت، وبناء على وصيته، تقرر دفنه في مدينة مراكش التي وصفها بـ”مسقط قلبه”، حيث قال في أيامه الأخيرة إنه سيموت سعيدا بانتزاع مكانة لجامع لفنا كفضاء للتراث الإنساني، بعد مرافعاته لدى منظمة اليونسكو.

ومن المواقف التي لا يمكن أن ينساها المغاربة والعرب والمسلمين دفاعه المستميت عن الكوكب المراكشي ومغربية الصحراء، من خلال تردده على ملعب الحارتي وما كتبه في هذا المجال، حيث تعد من المراجع المهمة التي يجب الاستدلال بها، وكذلك دفاعه عن المطالب العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني.

ظلت مقاهي ماطيش والستيام وفرنسا بساحة جامع الفنا والكوكب، حاضرة في كتاباته، بل إن خوان أصر على إهداء العديد من أعماله لمكتبة ابن يوسف بالداوديات في الحي المحمدي بمراكش، مما دفع اتحاد كتاب المغرب منح خوان العضوية الشرفية سنة 2003. خاصة وأنه مؤسس جمعية “ساحة جامع الفنا تراث شفوي”، حيث أصر خوان على حضور 11 حلايقيا للجمع التأسيسي.

في علاقته بالكرة يقول: “كانت علاقتي بالكرة في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، عندما اصطحبني شقيقي الأكبر إلى ملعب لاس كورتس ببرشلونة، أما المرة الثانية، فكانت في اسطنبول بشيكطاش وغلاتساراي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى