الرأي

محلبة السينما المغربية

ارتدى صارم الفاسي الفهري، مدير المركز السينمائي المغربي، قبعة وبزة الطبيب العازم على معالجة أمراض وأورام السينما المغربية، وهيأ الأجواء الملائمة للعلاج حين اختار خلوة في منتجع مدينة إفران الهادئ والبديع، ووجه الدعوة لـ12 سينمائيا مغربيا للمساهمة في جلسات عمل مع سينمائيين أجانب، وذلك لـ «معالجة» طريقتهم في كتابة السيناريو أو في إعادة كتابة سيناريوهات تسلموها من أطراف أخرى.
ولم يأت اختيار الـ «12 سينمائيا مغربيا عبثا أو اعتباطا، لكون الدعوة اقتصرت على السينمائيين الذين حصلوا على مباركة لجنة الدعم لمشاريعهم المقرر البدء فيها خلال دجنبر المقبل. وكانت لجنة الدعم في ختام دورتها الأولى برسم سنة 2015 قد منحت تسبيقات على المداخيل لفترة ما قبل الإنتاج وكذا مساهمات لإعادة كتابة السيناريو لبعض الأفلام، مما يعني أن المركز السينمائي مقتنع تماما بأنه وضع الأصبع على الجرح النازف للسينما المغربية، المتمثل في ضعف السيناريو والهواية المزمنة التي تطبع بعض كتاب السيناريو، إلى أن أصبح هذا الموضوع لازمة، بل وشجرة تغطي غابة الأمراض الأخرى التي يعاني منها قطاع الفن السابع المغربي الذي استهلك 175 مليون درهم كدعم بين2011 و 2014 لفائدة 70 مشروعا سينمائيا بمعدل 60 مليون درهم كل سنة، وذلك بالرغم من أن بعض السينمائيين الذين حصلوا على الدعم والذين لم يتوفقوا في إنجاز الأفلام المدعومة، يملكون من الجرأة و»السنطيحة» لكي يقدموا للجنة الدعم مشاريع جديدة، بعدما اكتشفوا أن الأمر يتعلق ببقرة حلوب، وموعد سنوي لتحصيل مداخيل مادية هامة «يقصدون» صرفها عبر الامتناع عن تشغيل ممثلين وحرفيين مشهود لهم بالكفاءة، وتعويضهم بأشخاص لم يقفوا يوما أمام الكاميرا. وتتمثل موهبتهم الوحيدة في أنهم لا يشترطون أجرا أو أنهم يقبلون بتعويض هزيل مقابل أن ينتزعوا صفة «ممثل» أو «ممثلة» دون وجه حق.
والشيء نفسه بالنسبة لبعض الشركات التي تزعم أنها تشتغل في مجال السينما، بينما أصحابها لا يفقهون شيئا في الميدان ويتعاملون مع السينما بنفس المنطق الذي يسيرون به دكانا أو محلبة.
في عام 2013، أنجزت وزارة الاتصال «كتابا أبيض» حول السينما المغربية بتعاون مع عدد من «الخبراء» خرج بـ128 توصية تم وضعها على الرفوف، لكون تنزيل تلك التوصيات يحتاج إلى أكثر من تجمعات خطابية موسمية أو إعلان نوايا حميدة، مثلما حدث مع توصيات المناظرة الوطنية حول السينما المغربية التي انعقدت خلال سنة 2012، ولم يعد أحد اليوم يتذكر ما خرجت به من رؤى أو مقترحات، خصوصا حين تصطدم تلك التوصيات بفراغات تشريعية أو التلكؤ في إصلاح القوانين المنظمة للصناعة السينمائية بالمغرب أو المؤطرة للمركز السينمائي المغربي نفسه.
لقد تعب السينمائيون المغاربة من حجم الوعود والشعارات التي تظل حبرا على ورق، من قبيل تأسيس حوالي 400 قاعة عرض جديدة، أو النهوض بقطاع الاستثمار، أو الخروج بالأفلام المغربية من منطق الكم والتراكم إلى منطق الجودة والمهنية. ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة هيكلة المهن السينمائية ومستوى التكوين، لذلك فإن المهنيين يتساءلون أين هي رقمنة القاعات والتحفيز على إنشاء المركبات السينمائية ذات الشاشات المتعددة؟ وأين هو إقحام الجماعات الترابية في إنشاء القاعات؟ وأين هي الأساليب الجديدة في ترويج الأفلام وتوزيعها؟ وأين هو تنزيل قانون الفنان لحماية القطاع من الدخلاء المتطفلين؟
يبدو جليا أن التشخيص الذي قام به «الدكتور» صارم الفاسي الفهري لأمراض القطاع قد اقتصر على علة واحدة هي ضعف السيناريو، ولعله محق في ذلك جزئيا بعد أن شهدنا كيف أن «كتاب سيناريو» و«مخرجين» مغاربة سطوا على سيناريوهات أفلام أمريكية واستنسخوها استنساخا كاملا، لكن التشخيص ينبغي أن يذهب أبعد من هذه المعضلة الأخلاقية، ليشمل معضلات هيكلية وقانونية واستثمارية، حتى تتضح الصورة تماما، ويتمكن القطاع من تحقيق نهضته الحقيقية بعيدا عن التستر على المتطفلين وسراق السيناريوهات والمتلاعبين بالدعم والمال العمومي، فلا مجال مع هذه الأمراض كلها أن نكتفي بشعار «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى