شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةملف التاريخ

مشاهد من طقوس سباق المُرشدين إلى باخرة الوفد البريطاني

يونس جنوحي

 

لاح يوم وصول الفريق. توصلتُ برسالة «تلغرام» من جبل طارق، يقولون فيها إن سفينة «أركاديا» وصلت وأنهم سيعبرون في ذلك اليوم، بطريقة ما، جبل طارق، على متن إحدى البواخر التي تُبحر بين جبل طارق وطنجة، والتي تبدأ الإبحار متأخرة، وكانت النتيجة أنهم وصلوا بعد نزول الظلام، وهو أمر خطير جدا في طنجة. تزامن وصولهم مع هطول المطر وانخفاض المد بدون سابق إنذار.

يجدر بي ألا أنسى، ما حييتُ، عملية هبوطهم إلى اليابسة. لقد سبق لي أن اختبرتُ النزول وشهدت عمليات إنزال في بعض أسوأ مناطق التقاء الموج باليابسة، حول العالم، لكن لم يسبق لي أبدا في حياتي أن رأيتُ حادثا مُضحكا مثل ما وقع أثناء وصول فريقنا.

أطلقت الباخرة صفارتها، فنزلتُ أنا و«كارلتون» إلى «المرسى»، مستأجرين قاربا صغيرا وانطلقنا تحت المطر الغزير المنهمر فوق رؤوسنا. هل قلتُ انطلقنا؟ ما وقع أننا انقلبنا وصارت أقدامنا نحو الأعلى، وأعادنا الموج إلى درجات الرصيف الصغير للمرسى، وحملنا المغاربة على ظهورهم لمسافة مئتي ياردة، إلى أقرب مسافة يمكن أن تبلغها البواخر من الشاطئ.

فقد المغاربة، رغم قوتهم، توازنهم، وتدحرجوا فوق الصخور، بينما كنا نتشبث بأكتافهم كما يُلاحق الموت ضحاياه ويلتصق بهم. وأخيرا رُميت على متن القارب، وبعد دقيقة سقط كارلتون بدوره فوقي.

أول ما خطر ببالي، بمجرد ما أن أصبحتُ قادرا على التفكير، هو أن أُبقي على هذا القارب لنا نحن الاثنين معا. لكن، رغم ذلك، فإن الوزن الإضافي لـ«كارلتون» ووزني أيضا (فقد كنتُ أزن تسعة أعشار وثلاثة أجزاء)، جعلا القارب يصبح على مستوى منخفض جدا، بحيث لا يمكن دفعه من حافة الصخور التي بدا ملتصقا بها مثل الأصداف.

في تلك الأثناء، كان بالإمكان سماع المرشدين القادمين من الفنادق وهم يقتربون منا. لا يمكن أن نرى أي شيء في الظلام، غير أني كنت أعرف أن قلة فقط من المراكب بإمكانها الوصول إلى الباخرة.

ثم بدأت لعبة شد الحبل.

بعد لحظات تعرض مركبنا لاعتداء من قبل مُرشد فندقي مغربي مشهور جدا، والذي يُعتبر زيه الرائع من معالم طنجة. بذل المغربيان، اللذان كانا يحملانه، قصارى جهدهما، بتحريض منه، ليضعاه على متن الباخرة.

لم نسمع لا أنا ولا «كارلتون» أي شيء. حجزنا القارب، ولا ينبغي لأحد أن يركب معنا فيه، لأننا كنا نعلم جيدا أننا سنحتاج كل المساحة المتاحة على متنه لأعضاء الفريق القادمين ولجمع أكبر كمية من أمتعتهم.

تلا ذلك كله صراع بيننا وبينهم، حيث هاجم كارلتون اثنين من المغاربة، بينما توجهت أنا نحو أكثر المرشدين هدوءا، والذي كان منظره، وهو يصارع للصعود، مُثيرا للشفقة.

لا يوجد شيء يكرهه المغربي أكثر من الماء البارد، وهنا كان ذلك الرجل المسكين -الذي كان يرتدي هو الآخر أفضل ملابسه- يتمايل مثل المنشار على أكتاف رجلين تعرضا لهجوم شنه عليهما كارلتون.

فجأت بدت لي الفرصة سانحة، أمسكتُ بحذائه الجلدي اللامع، من كلا الكعبين، ودفعته بقوة نحو الأعلى لينقلب. سمعت دوي ارتطام بالبحر، وتلته رشة الماء ثم سمع صوت الفقاعات.

أقدم المكلف بمركبنا على دفعة واحدة وأصبح المركب خاليا. كان بالإمكان رؤية المرشد من خلال ضوء فانوسنا الوحيد، حتى كتفيه في الماء، وهو يلقي علينا اللعنات بنبرة عنيفة -على كل حال لم يكن لديه ما يُلقيه فوق رؤوسنا سوى اللعنات-.

وهكذا أنقذنا القارب!

بعد عشر دقائق من السحب القوي من قبل المغاربة، أصبحنا بجوار الباخرة. كنا على متن القارب الثاني الذي وصل إليها. لذلك اقتربنا منها جدا، من ناحية جبل طارق، لكننا كنا نمثل «بابل».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى