شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

مومو فحجر مو

شهد المغرب، نهاية القرن التاسع عشر، موجة هوجاء من جرائم السرقة والنهب التي روعت ساكنة البوادي والجبال، فيما عرف لاحقا  بـ «عام السيبة». انقسمت المملكة حينها إلى قسمين، بلاد المخزن حيث يسود الأمن والأمان، وبلاد السيبة حيث تصول وتجول عصابات مسلحة من قطاع الطرق وسارقي المواشي. لم تقتصر النشاطات الإجرامية «للسايبين» على نهب حولي هنا أو سرقة معزة هناك، بل تعدت ذلك إلى اختطاف مراسل صحافي بريطاني يدعى «والتر هاريس»، على يد «محمد الدواس»، الذي كان بمثابة «بابلو إسكوبار» عهد السيبة.

عادت السيبة بعد قرن ونصف من الزمن، لا على هيئة مأساة أو مهزلة، بل «شوهة» يندى لها الجبين. تفجرت، بداية الأسبوع الماضي، «مضاربة» بين الممثل المغربي العالمي «سعيد التغماوي»، وأحد منشطي البرامج الإذاعية البهلوانية، بعد أن قام هذا الأخير، في إحدى حلقات برنامجه الحامض، بعملية «كَريساج» راحت ضحيتها «سمطة» باهظة الثمن كان يرتديها ضيفه «التغماوي». انقلبت الآية في عهد السيبة الجديد، إذ لم يعد الصحافيون ضحايا عمليات الاختطاف، بل أصبحوا أبطالا في السرقة والسطو المسلح تحت تهديد الكاميرا والميكروفون. اضطر «سعيد التغماوي»، الفنان المخضرم، الذي طالما «جاب العز» للمغرب عبر تألقه في عشرات الأعمال الهوليودية الناجحة، للجوء إلى «محكمة انستغرام» لبث شكواه والحصول على العدالة والمواساة، بعد «الشمتة» التي سببها له زعيم عصابة المهرجين.

يحتج «التغماوي» على التجاهل الذي تعرض له من طرف «مول السمطة» بعد أن رفض هذا الأخير استقباله للحديث عن دار لرعاية الأيتام. «الله يهديك يا سي سعيد»، هل يعود المجرم إلى مسرح الجريمة؟ لقد حقق المهرج هدفه من استضافتك قبل سنوات، واستولى على حزام جلد التمساح الثمين، «وعلق جبد».

أعادت «فضيحة السمطة» طرح تساؤلات مؤلمة حول مهنة المتاعب التي أصبحت، في السنوات الأخيرة، مهنة من لا مهنة له. ساهم «الربيع العربي» في انتعاش صحافة «التويتر» و«الفيسبوك»، جنس صحافي حديث جاء ردا على التعتيم الإعلامي الذي رافق الطوفان السياسي الذي ضرب المنطقة. كان الحق في الحصول على المعلومة المصورة، مثلا، ضرورة حقوقية حيوية في زمن «السيبة». ذبلت أزهار الربيع لتنبت محلها «زريعة البصلة»، إذ تحولت الصحافة الإلكترونية الجادة والهادفة إلى «كوري» يؤوي أجناسا حيوانية.. عفوا صحفية، ما أنزل الله بها من سلطان، بدءا بـ«مولات الوردة»، مرورا بـ«مولات الصاك» وانتهاء بـ«مول البطانية». تحظى هذه الظواهر «الإكشوانية» بدعم المستشهرين والجمهور. في مقابل تراجع مخيف للصحافة الجادة، ورقية كانت أو إلكترونية، يجوز لنا القول إن «مول السمطة» يعتبر بمثابة الأب الروحي «لروتيني اليومي». لقد ساهم «خونا فالله» بشكل فاضح، وعلى مدار سنوات طويلة، في التطبيع مع استعمال اللغة السوقية في الإعلام والترويج للابتذال والانحطاط الأخلاقي عبر موجات الأثير. أتذكر، بكثير من الامتعاض والقرف، حديثه بأسلوب ميزوجيني ساقط عن «ليلة الدخلة»، في إحدى حلقات برنامجه التافه. الأمر الذي جعلني أتساءل، آنذاك، بحرقة عن واقع الإعلام في بلادنا. لقد ظلت الصحافة الإذاعية صامدة في وجه التطبيقات الرقمية. نجت الإذاعة من «أبوكاليبس» التلفزة و«اليوتيوب»، و«السبوتيفاي» و«التيكتوك»، لكنها انهزمت شر هزيمة أمام الشعبوية والارتزاق. ففي الوقت الذي تصارع فيه الأقلام والأصوات الجادة الأنفاس من أجل الوصول بالخبر اليقين إلى بر الأمان، تنتعش تجارة التفاهة والتجهيل. من المسؤول عن الانتكاسة الصحفية في المغرب؟ من السهل جدا توجيه أصابع الاتهام إلى شرذمة الكراكيز الإعلامية في سعيها الحثيث إلى جر المجتمع المغربي إلى قعر الجهل والانحطاط، لكن الشجاعة الأدبية تحتم على الصحافة الجادة تفعيل زر النقد الذاتي، والبحث عن حلول عملية لمواجهة المد الشعبوي الجارف، إضافة إلى مساءلة الهيئات المعنية بتنظيم وهيكلة القطاع الإعلامي ببلادنا. تتصدر العديد من «وجوه الشرع»، التي تفتقر لأبسط أبجديات الصحافة، المشهد الإعلامي في المغرب، حيث يصول ويجول بعضهم في منصات المهرجانات الوطنية والدولية، أو «يهرنط» البعض الآخر على أمواج الراديو. إن الحرية المريبة التي يتجول بها هؤلاء المهرجون على الساحة الإعلامية تذكرنا بسيناريوهات الدراما المصرية الهابطة، حيث يقع السياسيون و«أصحاب الشكارة» ضحية ابتزاز من طرف بعض الإعلاميين. فلا يملك صاحب السلطة أو المال سوى الانصياع لتهديدات هؤلاء عن طريق الدفع مقابل «السترة». إن المعاملة المهينة التي تعرض لها النجم المغربي من طرف القائمين على «راديو روتيني اليومي» ترغمنا على المقارنة بين حقارة وابتذال «مافيا السماطي» وبين الرقي والحفاوة التي استقبل بها المفكر الفرنسي «ادريس أبركان» الفنان «سعيد التغماوي» في «بودكاست» غني بالنقاش الرصين والهادف. «أبركان» الجزائري الأصل، والمعروف بدعمه للوحدة الترابية للمغرب، «كبر بولد بلادنا، ماشي كَريساه». يقول المثل إن لكل امرئ من اسمه نصيب، بينما نحن منشغلون بالدفاع عن تراثنا وحضارتنا وحماية تقاليدنا ومعمارنا ضد السرقة الثقافية الموصوفة من طرف شعب «مومو فحجر مو». تنبت في أرضنا، وفي غفلة منا، «موموات» أخرى تمارس السطو على ممتلكات العباد. نصيحة أخوية لكل المشاهير، الذين قد تسول لهم أنفسهم مستقبلا الجلوس في «حجر مو»، أن يكتفوا بارتداء «قشابة مرقعة وبلغة مقطعة».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى