شوف تشوف

الرأيالرئيسية

نظام الحس والاتصالات في البدن

 

 

بقلم: خالص جلبي

يهيمن الدماغ على الجسم بواسطة 86 عصبا، منها 24 فقط للرأس، وهي مزدوجة في الجانبين، بالإضافة إلى الأعصاب الودية ونظير الودية والتي لها علاقة بالحياة النباتية في الجسم، والأعصاب التي تخرج من جانبي النخاع هي 31 عصبا في كل جانب، وميزة هذه الأعصاب أنها مختلطة، أي للحس والحركة، وذكرنا أن الحركة تأتي من الإرادة الكائنة في قشر الدماغ، وأما الحس فقد وجد أن أنماطا متعددة له، فهناك حس الألم، وحس الحرور وهو ما يتعلق بالحرارة والبرودة، وهناك حس اللمس والحس المبهم العميق، وأخيرا الحس المعقد في معرفة الأشياء، فكيف تنتقل كل هذه الأنماط من الحس وفي مكان واحد وهو النخاع؟ إن هذا يحتاج إلى كتاب وحده، ولكن حتى نأخذ فكرة مبسطة نقول إن الدماغ هو المركز النهائي الذي يتلقى الأخبار، والنخاع هو المركز الأول؛ فإذا قطعنا النخاع بشكل معترض ونظرنا فيه، لوجدنا أنه يشبه الخارطة الجغرافية التي تتوزع فيها البلاد والأنهار والجبال والوديان والعواصم وطرق المواصلات، وكذلك النخاع فهو طريق مواصلات لأعقد شبكة مواصلات عرفت حتى الآن؛ حيث إن الألياف الصغيرة التي لا تتجاوز 20 ميكرونا (واحد من الألف من المليمتر) في أبعد الحدود تجتمع معا لتؤلف حزما تتخذ جسيمات معينة مثل كول وبورداخ وديجرين وغورس وغيرها، وكلها لها أمكنتها الخاصة التي تعرفها في كل نخاعات البشر وهي تختص بحس معين فهي تقوم على مبدأ الاختصاص، وهذا العدد الجبار من الألياف الذي يجتمع لينقل الأخبار القادمة من كل الجسم، منها ما يصعد إلى أعلى بشكل مستقيم، ومنها ما يتصالب فور وصوله إلى النخاع، حيث يصل إلى الطرف المقابل أو يتصالب بعد وصوله إلى بعض النقاط المعينة، وكلها لها حكمة في هذا التصالب وفي مكانه. وكلما ارتقينا صعودا في النخاع تزداد الألياف القادمة من الجسم، والتي تخبرنا عن أوضاع الجسم كله. وتصعد أنماط الحس أخيرا، بعد أن تجتمع في شريط غليظ ينقل الإحساسات ويسمى بشريط رايل الحسي، ومن الإحساسات التي تنقل الأخبار عن أوضاعها فهو من النوع الحس ويمشي ضمن حزمتين من الألياف وينتهي في المخيخ، لأن عمل المخيخ الأساسي هو التوازن، ولذا فإن هذه الحزم بمجرد وصولها إلى المخيخ تنزل إلى النخاع لكي تنسق عمل العضلات ووضعها حتى يبقى وضع الإنسان بشكل متزن متناسق، وأما أنماط الحس العام، وهي اللمس والألم والحرارة، فإنها تصل إلى مكان أمين ترتاح فيه، بل تنام فيه قليلا من طول وعناء هذا السفر الطويل والعمل المتواصل الدؤوب، إن هذا المكان الذي تجتمع فيه اسمه السرير البصري، ومن هذا السرير العجيب يصدر ما يشبه الإكليل المشع الذي ينقل الأخبار العامة إلى مركز محدد في الدماغ هو المركز العام للحس، وهو الفص الجداري في المخ.

 

قوس الانعكاس والمنعكس الشرطي:

إن النهايات الحسية في الجسم ليست نهايات الأعصاب، وإنما تشكيلات وأجسام خاصة مخصصة لتلقي نوع واحد من الحس كما في جسيمات باسيني ومايسنر وكرواس وهوفيني، وهذه الأجسام معقدة من جهة وعديدة، فهي تمثل أجهزة استقبال أنماط الحس وتقدر في الجسم بحوالي 3- 4 ملايين جهاز للألم و500.000 جهاز حساس للمس أو الضغط، وأكثر ممن 200.000 جهاز حساس للحرارة، وهكذا تجتمع أخبار الإحساسات بشكل هائل وتصعد عبر النخاع، وهنا تحدث مشكلة طريفة وهي في حال تعرض الجسم لخطر ما، كما في تعرض اليد للنار فإن اليد تنسحب فورا، والسبب في هذا يعود إلى آلية خاصة في النخاع هي ما تعرف بقوس الانعكاس، فعندما تصل الأخبار الحسية عبر الألياف إلى الجذور الخلفية في النخاع وهي مراكز الحس، فإن هذا الخطر لا ينقل إلى المخ حتى تأتي الأوامر منه، بل إن النخاع يتصرف تلقائيا وفق المصلحة العامة، حيث تصل الأخبار عبر خلايا الوصل في النخاع من خلايا الحس في الخلف إلى خلايا الحركة في الأمام، وهذه ترسل بدورها أخبارا إلى عضلات المنطقة كي تتقلص بكيفية معينة تقي البدن من الخطر الذي تعرض له، وهكذا يتكون قوس الانعكاس العظيم، ثم تصعد الأخبار إلى الدماغ كي يقرها أو يعدلها، ولقد قدر أن عدد الإشارات التي تصب في الجهاز العصبي في كل ثانية يبلغ مائة مليون إشارة قادمة من الأعضاء الحسية، ولكن ما يصدر إلى قشر الدماغ هو 100 إشارة فقط، أي إشارة واحدة من مليون إشارة حتى لا يشتغل المخ بكل هذه التوافه، بل بخلاصة الأمور وأخطرها، حتى يتفرغ للعمليات الأشد رقيا، والحق يقال إن الدماغ عالم محير يجعل الإنسان وهو يبحث فيه وكأنه يدور في متاهة.

لا ننس أن نشير إلى تمفصل العمود الفقري، ويوجد بين الفقرة والأخرى قرص غضروفي حتى يتسنى للإنسان الحركة والتنقل، ولولا هذه الخاصية لبقي الإنسان جامدا لا يستطيع أن ينحني أو أن يلتقط الأشياء ولا أن يميل إلى الجانبين، ومن نتائج هذه القدرة البديعة أن نعرف خطورة الخلل الذي يحدث مثل تكلس الأربطة بين الفقرات الذي يؤدي إلى مرض خطير هو (ماري سترومبل)، حيث يصاب العمود الفقري بأجمعه بالصمل فيصبح كله ملتصقا قطعة واحدة لا يتحرك لأية جهة، فلو أراد أن يستدير لما أمكنه إلا أن يلتفت جميعا. ومن جملة الخلل انفتاق القرص الغضروفي الذي يسكن ما بين الفقرات، فإنه يؤدي إلى آلام مبرحة ويعرف بفتق النواة اللبية، أو ما يعرف ما بين العوام بـ(الديسك).

 

نافذة:

أنماط الحس العام وهي اللمس والألم والحرارة فإنها تصل إلى مكان أمين ترتاح فيه بل تنام فيه قليلا من طول وعناء هذا السفر الطويل والعمل المتواصل الدؤوب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى