شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةملف التاريخ

هذا هو الفرق بين وجود فرنسا في الجزائر ووجودها في المغرب

يونس جنوحي

تونس تبقى متقدمة أكثر بالنظر لخبرتها الأطول بكثير، مقارنة مع دول أخرى توجد تحت السيطرة الفرنسية. والميزة الأكبر، التي راكمتها تونس، كانت في جانب الفرص التعليمية. فقد صار لديها المزيد من الرجال والتقنيين المحترفين الجاهزين للعمل. في الواقع إن اضطرار ليبيا المستقلة حديثا إلى استعارة الأطباء وغيرهم من المتخصصين من تونس يبقى مصدر فخر يشوبه نوع من المرارة. ويشكل الضعف المغربي في هذا الباب، المتعلق بالأطر، عائقا خطيرا أمام طموح المغاربة في الاستقلال التام. الوضع الجزائري مُختلف تماما عن المغرب. هناك، لا وجود لاتفاق حماية. احتل الفرنسيون الأرض وانتزعوها من الأتراك سنة 1830، وحكموها في البداية على أساس أنها مُستعمرة، ثم شرعوا في سن سياسة أكثر اختلافا. صارت الجزائر جُزءا من فرنسا، ومع احتفاظها بالسيطرة على الشؤون المحلية، كانت تُرسل أعضاء من الجزائر إلى البرلمان الفرنسي، وأصبحت فئات عديدة من الجزائريين مؤهلة للحصول على الجنسية الفرنسية، بكل الامتيازات التي تمنحها.

أما في ما يخص الشؤون المحلية، فإن الإدارة في الجزائر كانت أكثر تقدما مقارنة مع نظيرتها في المغرب، وكان الجزائريون يصوتون لانتخاب المجالس المحلية.

ومع ذلك، كان يعم البلاد استياء واسع النطاق. كان هناك ما يقارب مليون مستوطن فرنسي، وفي الأيام الأولى للاستعمار، استُخدمت أساليب غير عادلة لحيازة الأراضي المحلية. اليوم، بما أن المزارعين الفرنسيين عادة ما يكونون أكثر تعاطيا للاستثمار والمقاولة من الجزائريين، فإن محاصيلهم الزراعية أفضل، وهذا ما يثير نوعا من الحسد والغيرة في قلوب الجزائريين. هذا علاوة على أن أولئك الجزائريين غير المؤهلين للحصول على الجنسية الفرنسية، غالبا ما يعارضون ويُعادون أولئك الذين يُعتبرون مؤهلين للحصول عليها. أضف إلى ذلك الصعوبات التي عرفتها فرنسا خلال فترة الحرب، والمشاكل الاقتصادية التي جاءت بعد الحرب، وسيُلاحَظ أن احتمال حدوث اضطرابات في البلاد ليس أمرا مُستبعدا نهائيا.

لم يكن الفلاحون، كالعادة، مُهتمين بشدة بالنزاع السياسي، وبداية انطلاق الحركة الوطنية كانت في صفوف المحافظين من سكان المدن. وللحصول على الجنسية الفرنسية كان عليهم أن يتنازلوا عن «الأحول الشخصية» ويقبلوا القانون الذي وضعه نابليون واستبدل به الشريعة القرآنية. بالنسبة للمسلمين المُتدينين، فإن هذه الخطوة كانت دعوة للتخلي عن المبادئ الدينية. واليوم صارت مؤهلات الاحتواء أكثر ليبرالية ولا تنطوي على التخلي عن «الأحوال الشخصية».

كان هناك حادث مؤسف للغاية، وقع يوم «الفالانتاين» سنة 1945. تشّكل موكب النصر، من ضمن طقوس الاحتفال، في بلدة صغيرة، وكان ثمة رجل يحمل راية قومية، حاول رجل شرطة أن يُصادرها منه، وهكذا تحول النزاع إلى انتفاضة انتشرت لتعم المدن المجاورة. قُتل على خلفية هذا الحادث 102 من الفرنسيين وألف وخمسمئة جزائري.

انتهز الوطنيون فرصة الاستياء العام بعد الحادث، وأقدم أحد القادة على خطوة ذكية: الموافقة على أن الجزائر جزء من فرنسا، في مقابل أن يصبح جميع الجزائريين مواطنين فرنسيين، يتمتعون بالحقوق المدنية الكاملة. وبالتناسب مع العدد الجديد، سيكون للجزائر 100 عضو في الغرفة الفرنسية المكونة أساسا من 600 عضو.

انزعج الفرنسيون وانتبهوا لعواقب الأمر، وبدا أنه كان من المقرر أن تستوعبهم الإمبراطورية جميعا، لكن تم رفض الفكرة.

كانت ثمة فكرة أخرى أكثر تطرفا. أعلن قائد جزائري آخر، اسمه فرحات عباس، أن سياسة الاستيعاب مع فرنسا أصبحت الآن مُفلسة وغير ذات جدوى، ودعا إلى إنشاء جمهورية مُستقلة! زعيم ثالث، اسمه مصالي، تحدث بصراحة تقريبا.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى