شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

هل تكفي إدانة الفساد

 

 

مصطفى خُلال

 

تكاد تمتد خريطة الفساد إلى ما لا نهاية: نواجه أشكالا كثيرة من الفساد كما هو ممارَس في بلادنا، ومن ضمن هذه الأشكال: اختلاس المال العام، الصفقات المشبوهة، نهب الثروات الوطنية، التدليس والتزوير، استغلال النفوذ، المحسوبية، التستر على الاختلالات الإدارية، الخروقات من كل صنف وعلى رأسها خروقات التوظيف والانتصار للمحسوبية البغيضة، تحريف الميزانيات والالتفاف على القوانين، الغش في تنفيذ الأعمال العمومية وأشغال التعمير من أجل الربح الشخصي، الترامي على الملك العام وغيره من عقارات الأجانب بممارسة التدليس وتزوير الوثائق، النصب بكل أنواعه وما أكثرها، الفساد الإداري، سرقة المال العمومي وممارسة الاحتيال، سوء استخدام السلطة التقديرية ومعها رشوة الموظفين بممارسة الإرشاء وقبول الارتشاء، الزبونية…إلخ، إلخ…

وإذا كانت هناك عوامل عديدة تقف في وجه التقدم وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، فإن هناك إجماعا على أن الفساد واحد من أبرز هذه العوامل. وإذا كان الفساد يوجد بمستويات متفاوتة في معظم دول العالم، فإنه في بعضها يكاد يكون شبه قاعدة مسلم بها. وعلى سبيل المثال فإن شكله المرتبط بالإرشاء والارتشاء أضحى يشكل سلوكا اجتماعيا لا-أخلاقيا عاديا بل إن عديدا من أفراد المجتمع لا يسلمون به فقط بل يعتبرونه مسلكا منقذا من مظلمة أو طريقا لاسترجاع حق من الحقوق الفردية أو الجماعية.

والحق أن الفساد في كل عصر وفي كل مكان هو آفة اجتماعية ذات آثار خطيرة على تقدم المجتمعات. وهو ما يفسر قيام منظمات مدنية وطنية ودولية لمناهضة الفساد أشهرها (منظمة الشفافية الدولية) التي تصدر تقريرها السنوي تقف فيه على مراتب التقدم أو التأخر في مناهضة الفساد بالنسبة لكافة دول العالم. ويعرف الأمنيون جيدا بحكم عملهم أن للفساد علاقة قوية بمستويات الأمن في المجتمعات، كما له رباط صلب مع انتشار العنف بكل أنماطه وانتشار السخط العام وسيادة «التفكير» الجرمي في المجتمع الذي تعوق حياته أشكال الفساد على النحو الذي عددناها به. لذا فإننا بدورنا لم نستغرب أن يصدر عن السيدة (ديليا فيريرا روبيو)، رئيسة (منظمة الشفافية الدولية)، تصريحها بأن الفساد «جعل عالمنا مكانا أكثر خطورة» معتبرة أن «الحكومات فشلت في إحراز تقدم ضده».

ينبغي الاعتراف بأن هذا ينطبق تماما على حكوماتنا المغربية. فحين قرر الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني أن يغير وجهة الحكم التنفيذي في المغرب مد يده إلى المعارضة اليسارية، فعين قائدها المرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ليشكل حكومة يسارية، كان شعارها الأكثر حضورا والأقوى استقطابا يتلخص في برنامجين اثنين أساسيين وهما «إصلاح الإدارة» و«مقاومة الفساد». ونعرف ماذا كانت نتيجة عمل الحكومات اليسارية سواء في آخر عهد الحسن الثاني أو في عهد جلالة الملك محمد السادس. تلك النتيجة التي لخصتها قولة لعبد الرحمان اليوسفي تفيد بعجز اليسار وهو في الحكم عن مقاومة الفساد إلى الحد الذي أصبح متداولا أن الذي نجح ليس «مقاومة الفساد» بل «مقاومة مقاومة الفساد» إذ لم يتم «إصلاح الإدارة»، بل واستقوى الفساد أكثر. فبدا هكذا أن «قوى الإصلاح والمصلحين» أضعف من «جبروت الفساد والمفسدين». واستمرت الحال ذاتها في كل الحكومات التالية (اليمينية) في حكومة ادريس جطو أو (الوسطية) في حكومة عباس الفاسي الاستقلالية أو في عهد الحكومة «الإسلامية» في عهد بنكيران، الذي أقام كل دعواه على شعار «مقاومة الفساد» وملأ الدنيا صراخا مقدما نفسه على أنه الفارس المغوار في «مقاومة الفساد»، كي ينتهي به الأمر في النهاية ليس بالنجاح في «مقاومة الفساد» بل بالدفاع الضمني عنه وإيجاد صيغ صادمة لتبريره ولحماية المفسدين.

وقد انضاف إلى تلك الأشكال من الفساد التي أتينا على ذكرها الفساد السياسي وعلى رأسه الفساد الحزبي.

ومما يزيد الطين بلة، في ما يخص بلدنا، أننا نلاحظ باندهاش وألم شديدين أن عددا من الأشخاص حين يكونون على رأس تنظيمات معارضة للسياسات الحكومية بل وللدولة نفسها، ما أن يتم تعيينهم في مناصب عليا قمينة بمقاومة الفساد، سرعان ما يتحولون وهم في المسؤولية إلى «عمي بكم» فينسون شعاراتهم القديمة المنددة بالفساد ويصيرون من عتاة المبررين لـ«فلسفة الفساد».

وإذا كانت حكومة أخنوش بعيدة عن أمرين اثنين لهما شأن كبير: أولهما عجزها عن تحويل شعارات أخنوش الانتخابية إلى واقع ملموس، وثانيهما عجزها عن مسايرة القفزات الاقتصادية الكبرى التي يعود الفضل فيها إلى مبادرات وعمل جلالة الملك محمد السادس فإنها محظوظة، لكون الدولة وليس حكومة أخنوش وعت خطورة الفساد والمفسدين على قَدَر المغرب كدولة وكمجتمع، فشرعت في الشهور الأخيرة في إيقاف بعض عتاته، كأنما تمرر رسالة إلى المفسدين مفادها أن عهد غض الطرف عنهم وعن تجبرهم قد انتهى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى