الرئيسيةالملف السياسي

التصريح بالممتلكات.. من أين لك هذا؟

وزراء وبرلمانيون يتحايلون على جطو

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

رغم أن المغرب اعتمد قانون التصريح الإجباري بالممتلكات منذ سنة 2010، فإن هذا القانون تشوبه العديد من النواقص والثغرات التي تجعل مهمة تتبع ثروات الملزمين بالتصاريح غير ذات جدوى، وذلك أمام استغلال المعنيين لهذه النواقص في التحايل على القانون، بتسجيل ممتلكاتهم في أسماء زوجاتهم وأبنائهم، في حين يتملص البعض الآخر من التصريح بالممتلكات، أمام الصعوبات التي تواجه المجلس الأعلى للحسابات في دراسة كل الملفات المعروضة عليه. ناهيك عن أن نسبة الأشخاص الملزمين الذين لم يدلوا بتصريحاتهم لدى المحاكم المالية، حسب التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، تقدر بحوالي 20 في المائة، بينهم 10 وزراء من الحكومة السابقة، بالإضافة إلى عشرات النواب والمستشارين البرلمانيين، ما يطرح أسئلة مقلقة حول فعالية هذا القانون في محاربة الإثراء غير المشروع، وتفعيل مبدأ «من أين لك هذا؟».

شرع المجلس الأعلى للحسابات، خلال شهر فبراير الجاري، في تلقي التصريح بالممتلكات، حيث طالب رئيس المجلس، إدريس جطو، الوزراء ومديري دواوينهم والبرلمانيين وكبار الموظفين بمختلف الإدارات العمومية، بتجديد التصريح بممتلكاتهم لدى المجلس. وتشمل لائحة الممتلكات التي يطالب المجلس الأعلى للحسابات الملزمين بضرورة التصريح الإجباري بها، العقارات والأموال المنقولة، منها الأصول التجارية والودائع في حسابات بنكية والسندات والحصص والأسهم في الشركات والممتلكات المتحصلة عن طريق الإرث أو الاقتراضات والعربات ذات محرك والتحف الفنية والأثرية والحلي والمجوهرات، بالإضافة إلى الممتلكات المشتركة مع الأغيار، وتلك التي يدبرونها لحسابهم وممتلكات القاصرين. وتم إقرار الحد الأدنى لقيمة الأموال المنقولة الواجب التصريح بها، في 30 مليون سنتيم لكل صنف من أصناف الأموال المنقولة، عند تاريخ اقتنائها أو عن طريق الشراء أو تملكها.

مراقبة ممتلكات كبار المسؤولين
يشكل تحديد مصادر ثراء الوزراء والبرلمانيين والمنتخبين وكبار المسؤولين أحد أعمدة الحكامة الجيدة والشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، خاصة أن المغرب صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة بنيويورك في 31 أكتوبر 2003، والتي تنص على أنه من أجل مكافحة الفساد، تعمل كل دولة طرف، ضمن جملة أمور، على تعزيز النزاهة والأمانة والمسؤولية بين موظفيها العموميين، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني. كما تحث الاتفاقية الدول المصادقة عليها، على وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء منها ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين.
وأناط المشرع بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة تسلم التصريحات واستثناء بعض الهيآت اعتبارا للحساسية التي تكتسيها بعض التصريحات، إذ إن التصريحات بممتلكات أعضاء الحكومة والشخصيات المماثلة ورؤساء دواوينهم وأعضاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وكذلك فئات معينة من الموظفين أو الأعوان العموميين كما هو محدد بموجب القانون رقم 06 – 54، تودع لدى كاتب الضبط المركزي بالمجلس الأعلى للحسابات، فضلا عن أن الأشخاص الملزمين الآخرين، كأعضاء مجلسي النواب والمستشارين وأعضاء المجلس الدستوري، يقدمون تصريحاتهم لدى الهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للحسابات ومحكمة النقض، والتي يرأسها الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات. وفي ما يخص قضاة المحاكم المالية، فإنهم يودعون تصريحاتهم لدى مجلس قضاء هذه المحاكم.
وحسب القوانين المنظمة للتصريح الإجباري بالممتلكات، تتمثل الفئات الملزمة بالتصريح في الملزمين المزاولين لوظائف حكومية والشخصيات المماثلة. ويتعلق الأمر برئيس الحكومة، الوزراء، الوزراء المنتدبين والكتاب العامين إذا لزم الأمر، الشخصيات المماثلة لأعضاء الحكومة من حيث الوضعية الإدارية ورؤساء دواوين أعضاء الحكومة، وأعضاء المحكمة الدستورية، ونواب ومستشاري البرلمان، وقضاة محاكم المملكة، وقضاة المحاكم المالية، وأعضاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وبعض منتخبي المجالس المحلية والغرف المهنية، وبعض فئات الموظفين والأعوان العموميين.
وتنقسم التصريحات الإجبارية بالممتلكات التي جاء بها القانون إلى أربعة أنواع، تتجلى في التصريح الأولي عند التعيين أو الانتخاب في أحد مناصب المسؤولية المستوجبة لإلزامية التصريح، والتصريح التكميلي عندما تطرأ تغييرات على وضعية ممتلكات بعض الملزمين (قضاة محاكم المملكة، قضاة المحاكم المالية، بعض المنتخبين وبعض الموظفين والأعوان العموميين)، وتجديد التصريح الذي يتم في شهر فبراير كل سنتين أو ثلاث سنوات حسب الحالة، والتصريح الذي يلي انتهاء المهام أو الانتداب لأي سبب باستثناء الوفاة. وفي حالة عدم احترام إلزامية إيداع التصريح الإجباري بالممتلكات، وكذا الآجال المحددة وما نص عليه الإطار القانوني المنظم للتصريح الإجباري بالممتلكات في هذا الصدد، يعرض صاحبه إلى العقوبات المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل.

تهاون الحكومة
كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن تهاون الحكومة في إشعار الملزمين التابعين لها بضرورة التصريح بالممتلكات وإثارة انتباههم إلى الآجال المحددة للإيداع، باستثناء بعض الإدارات والمؤسسات العمومية التي وضعت بعض التدابير الداخلية، من قبيل مطالبة الملزمين بالتصريح، بموافاتها بنسخة من وصل إيداع التصريح بالممتلكات. وسجل التقرير أن نسب التصريحات الأولية بالممتلكات تعرف تباينا مهما بين الملزمين بمختلف القطاعات الحكومية مع نسبة متوسطة للتصريح الأولي تناهز 15,65 في المائة، وتعتبر هذه النسبة ضعيفة. وقام المجلس، أيضا، خلال سنة 2015، بتلقي ما يناهز 39 تصريحا بمناسبة انتهاء المهام من أصل 337 تصريحا يتعين تقديمه بموجب القوائم بأسماء الملزمين المتوصل بها خلال السنة المذكورة. ويتضح، من خلال هذه المعطيات، أن نسب التصريح بمناسبة انتهاء المهام تبقى ضعيفة، حيث لا تتعدى النسبة المتوسطة للتصريح 11,6 في المائة خلال سنة 2015. ومما يزيد من صعوبة تتبع هذا النوع من التصريحات كونها تتضمن تصريحات الأشخاص المحالين على التقاعد، ما يستدعي متابعة المتخلفين منهم عن التصريح، خارج العنوان الإداري، أي على مستوى العنوان الشخصي، علما أن هذا الأخير غير متوفر عادة ضمن قوائم الملزمين بصفة موثوقة ومحينة.
وحسب تقرير المجلس، برسم سنتي 2016 و2017، فإن 10 وزراء من الحكومة السابقة التي ترأسها عبد الإله بنكيران، لم يقدموا تصريحات بممتلكاتهم بعد مغادرتهم لمناصبهم الحكومية، بالإضافة إلى 93 نائبا برلمانيا بمجلس النواب من الولاية السابقة، و13 مستشارا برلمانيا بمجلس المستشارين. أما في ما يخص الشخصيات المماثلة لأعضاء الحكومة من حيث الوضعية الإدارية، فإن المجلس لا يتوفر لحد الآن على القائمة المتعلقة بهم لتتبع التصريحات الواجب إيداعها من طرف هذه الفئة، وذلك طبقا لأحكام الظهير الشريف بشأن حالة أعضاء الحكومة وتأليف دواوينهم، بالرغم من أن الأمين العام للحكومة سبق وأن راسل وزارة المالية والاقتصاد مرتين لمده بقائمة هذه الشخصيات، وبغض النظر عن ذلك، فإن بعض أعضاء هذه الفئة يقومون تلقائيا بالتصريح بممتلكاتهم.
وسجل المجلس الأعلى للحسابات مجموعة من الملاحظات بخصوص تدبير ملف التصاريح بالممتلكات، وأشار إلى أن بعض السلطات الحكومية توجه قوائم الملزمين إلى المجلس الأعلى للحسابات، بمن في ذلك الملزمون بالتصريح لدى المجالس الجهوية للحسابات، وذلك دون الإشارة إلى مجلس الحسابات المختص. وأشار تقرير المجلس إلى أن يتم توجيه بعض قوائم الملزمين إلى المجلس الأعلى للحسابات من قبل أشخاص لا يتوفرون على تفويض اختصاص أو إمضاء من طرف رؤساء السلطات الحكومية المعنية. كما سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات العديد من المشاكل المرتبطة بالتصريح بالممتلكات، من قبيل إعداد وتوجيه بعض اللوائح إلى المجلس من لدن أشخاص غير مؤهلين قانونيا للقيام بذلك. وتوصل المجلس بقوائم الملزمين غير موحدة وغير مطابقة لنماذج التصريح ووصل التسليم المقرر بمرسوم، وإرسال بعض المؤسسات العمومية للوائح الملزمين غير كافية إلى المجلس الأعلى للحسابات، وكذا إرسال بعض السلطات الحكومية لقوائم الملزمين بعد انقضاء الآجال القانونية.

ثغرات ونواقص نظام غير فعال
أبان نظام التصريح بالممتلكات الذي يخضع له بعض الموظفين العموميين سواء كانوا معينين أو منتخبين، والذي يراقبه المجلس الأعلى للحسابات، أنه نظام غير فعال من الناحية العملية، كما جاء على لسان إدريس جطو نفسه أمام البرلمان، عندما أكد أن تفعيل مقتضيات المنظومة القانونية المنظمة للتصريح بالممتلكات على أرض الواقع أبان عن بعض النقائص والعوائق القانونية والمادية التي تحد من فعاليتها، ومنها تشتت النصوص القانونية وعدم وضوحها، وتعدد المساطر والإجراءات لكل فئة من الفئات الملزمة بالتصريح، وتقاطع الهيئات المكلفة بالمراقبة والتتبع، إضافة إلى العدد الكبير للتصريحات المودعة، والتي تقدر بحوالي 100 ألف تصريح، الأمر الذي يجعل مراقبتها جميعها، شكلا ومضمونا، في ظل الوسائل المتاحة، هدفا صعب المنال، فضلا عن النواقص والثغرات التي تشوبه، ما يجعل مهمة تتبع ثروات الملزمين بالتصاريح غير ذات جدوى، أمام استغلال المعنيين لهذه النواقص في التحايل على القانون، بتسجيل ممتلكاتهم في أسماء زوجاتهم وأبنائهم، في حين يتملص البعض الآخر من التصريح بالممتلكات، أمام الصعوبات التي تواجه المجلس الأعلى للحسابات في دراسة كل الملفات المعروضة عليه.
ويرى عتيق السعيد، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن المذكرة الصادرة عن رئيس المجلس الأعلى للحسابات بخصوص إعفاء بعض المسؤولين، يدخل في إطار «التدقيق في ممتلكات المسؤولين والمنتخبين، وهو الذي يندرج في إطار اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات، سيما الفصول الواردة في مدونة المحاكم المالية التي تشير إلى أن المسؤول مطالب بالتصريح بممتلكاته في أجل محدد، وهذا الإجراء الذي ليس فقط تفعيلا لمدونة المحاكم المالية، بل أيضا في إطار التفعيل السليم لمقتضيات الدستور في ما يخص ربط المسؤولية بالمحاسبة وتفعيل مقتضيات تخليق الحياة العامة وآليات التتبع والشفافية لدى جميع المسؤولين سواء كانوا منتخبين أو معينين»، مضيفا أن «هذا الإجراء يأتي أيضا في سياق التوصيات التي تصدر عن المنظمات الدولية المانحة، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهي التي تصب في تجويد التدبير العمومي والحكامة المالية في المؤسسات العمومية»، حسب السعيد الذي أضاف أن «هذا الإجراء يعتبر إجراء إداريا استباقيا من أجل تجويد الحياة العامة، والقطع مع كل الممارسات التي تضع المال العام في خانة الاستغلال أو الصرف غير المشروع».
وفي السياق ذاته، أوضح السعيد أن «الإجراء الذي أقدم عليه رئيس المجلس الأعلى للحسابات، والمتمثل في إحالة أسماء المنتخبين غير المنضبطين لإجراء التصريح بالممتلكات على رئيس الحكومة قصد اتخاذ إجراء العزل في حقهم، هو امتحان للحكومة يتجلى في التساؤل إلى أي مدى يمكنها تفعيل ما كانت تعد به وتخاطب به المواطن في الوعود بمحاربة الفساد، كما يدخل في إطار الامتحان لميثاق الأغلبية والبرنامج الحكومي الذي يسطر محاربة الفساد من الأهداف الكبرى، وهو امتحان للإرادة الحكومية في هذا الباب»، مبينا أن «الإجراء التأديبي الذي حدده القانون في حق المخالفين للتصريح بالممتلكات، سيضع الأحزاب السياسية في موقف الإحراق السياسي والارتباك على اعتبار أن هذه الأحزاب باتت مطالبة بتفعيل مقتضيات الدستور في حق منتخبيها المعنيين، وبالتالي فتفعيل مذكرة جطو إلى العثماني هو امتحان عسير أيضا للأحزاب السياسية»، مشيرا إلى أن «التصريح بالممتلكات هو إجراء تشير له مدونة المحاكم المالية، وقرار المجلس الأعلى للحسابات في حق المخالفين، هو تكملة للزلزال السياسي الذي دشنه الملك محمد السادس، والذي تم إثره إعفاء بعض المسؤولين الكبار».
من جانب آخر، شدد السعيد على أن «محاسبة المسؤولين تعتبر واحدة من آليات تقييم إرادة هؤلاء المسؤولين في العمل بجدية ومسؤولية»، معتبرا أن «عدم احترام الأجل القانوني للتصريح بالممتلكات لا يعني بالضرورة تهرب المسؤولين من التصريح بهذه الممتلكات، ولكن أيضا غياب إرادة لدى المسؤولين في تفعيل المقتضيات القانونية للمحاكم المالية»، وأن «التصريح بالممتلكات يدخل في دائرة تتبع وتقييم التدبير العمومي الذي أصبح يشهد تغيرا ونمطا جديدا على مستوى الترسانة القانونية التي أصبحت متجددة ومسايرة لروح الدستور، وهذا الاجراء وهو ليس فقط على مستوى الحكومة والأحزاب السياسية، سيعزز ثقة المواطن في آليات الحكامة وإكساب القوة للرأي العام الذي بات مسايرا للعولمة والتقنيات الحديثة، بل إن الرأي العام بات يشكل ورقة ضاغطة وقوة تقييمية لبعض المسؤولين والأحزاب السياسية»، مبينا أن «توجه المجلس الأعلى للحسابات في طلب معاقبة بعض المسؤولين المخلين هو تناغم مع التوجه العام في ربط المسؤولية بالمحاسبة، والزلزال السياسي الذي بدأه الملك محمد السادس»، مضيفا أن «إجراء التصريح بالممتلكات في الدول الديمقراطية، والتي تراعي الشفافية في مؤسساتها العامة، بات إجراء روتينيا وأخلاقيا بالنسبة لمسؤول سيتولى تدبير الشأن العام».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى