شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

الجنرالات تحكموا في التلفزيون وهذا سر نقل المسيرات الحاشدة

يونس جنوحي

ماذا يمكن أن تتوقع من جهاز دبلوماسي يتكون أساسا من مخبرين غير مُكونين أمنيا؟

مخبرون يتقنون رفع التقارير والوشايات ورعاية عمليات غسيل الأموال لرؤسائهم في المخابرات العسكرية، حولوا بسهولة سفارات الجزائر في الخارج منذ 1990، إلى محلات تشكل غطاء للأنشطة القذرة للجنرالات والضباط المحظوظين الذين يدورون في فلكهم.

 

مشهد..

وضع هشام عبود تصورا لخص به الوضع مع نهاية شرحه للوضع الدبلوماسي في الجزائر وسقوطه تحت سيطرة ورحمة المخابرات العسكرية. ويقول: «التحكم لم يتوقف هنا. فمنذ بداية العُشرية السوداء، اتسعت رقعته. لقد شمل الشعب كله وأصبح ضحية لهذا التحكم. لهذا الغرض، كانت القناة التلفزية الوحيدة والواسعة الانتشار، تُستعمل، ويساء استخدامها من طرف الجنرالات. وأفضل مثال على هذا الاستعمال للتلفزيون بث «مسيرات عفوية» نُظمت لدعم رئيس الجمهورية الذي يريده الجنرالات، تماما مثلما نظموا الدعم للرئيس زروال».

يتعلق الأمر هنا بتحكم في جميع مناحي الحياة وليس فقط في الحقل الدبلوماسي وسفارات الجزائر حول العالم. من الصادم فعلا أن يعترف هشام عبود، وهو الذي اشتغل في ديوان الجنرال بتشين، أحد أقطاب هذا التحكم رغم أنه أبعد في الأخير ثم عاد أكثر قوة لاحقا، بأن المسيرات الداعمة لشعبية رئيس الجمهورية بعد 1992، كانت مفتعلة ومفبركة. الشعب الحقيقي كان يعيش، بل يئن تحت وطأة العُشرية السوداء الدامية.

بل إنه من السخرية التساؤل عن سر وصف تلك الفترة بـ«السوداء»، لأنها كانت قانية الحمرة بسبب المجازر والاغتيالات والمذابح التي ارتكبت في حق الجزائريين شرقا وغربا، ونُسبت مسؤوليتها إلى الإسلاميين.

التحكم في التلفزيون نتج عنه ترويج لما يريده الجنرالات، حيث كانت القناة الجزائرية الوحيدة في التسعينيات، البوابة التي يرى منها الجزائريون ما يريد لهم الجنرالات أن يروه. لذلك كان التلفاز يبث يوميا مناظر المجازر والمذابح، دون مراعاة أبدا لحرمة الضحايا، حيث تعرض مقاطع تسجيلية لنساء تعرضن للذبح وجثث من مختلف الفئات والأعمار ملقاة في كل مكان.

كانت تلك طريقة الجنرالات لمساومة الجزائريين على أمنهم. إما أن يخوض الجنرالات حربهم ضد المعارضة باسم محاربة الإرهاب، أو يتركوا الشعب في مواجهة تلك التصفيات التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء.

 

 

عُشرية حمراء

يقول هشام عبود: «خلال الفترة ما بين 1990 و2000، عاصر الجزائريون مرور خمسة رؤساء للجمهورية (الشاذلي بن جديد، محمد بوضياف، علي كافي، الأمين زروال وعبد العزيز بوتفليقة). وتسعة رؤساء للوزراء، وأكثر من مئة وزير. لكن مافيا الجنرالات كانوا دائما في مكانهم وحاضرين مع كل الرؤساء والوزراء.

العربي بلخير عاد بعد اختفاء قصير، ووجد منصبه مديرا لديوان رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، جاهزا ينتظره. أي أن بلخير كان هو رئيس الجمهورية الفعلي».

الجنرال توفيق، وهو اسم شهرته فقط، حيث كان يحمل اسما رسميا هو محمد مدين، كان هو الآخر حاضرا بقوة بعد إزاحة محمد بوضياف بتلك الطريقة التي أثارت ذهول العالم وأدخلت الجزائر للتاريخ. الجنرال توفيق مع إسماعيل العماري شكلا، لأكثر من 11 سنة، قطبي المخابرات العسكرية. أي أنهما كانا يحكمان الجزائر فعليا، بعيدا عن تأثير أو حضور رؤساء الجمهورية الخمسة الذين «حكموا» البلاد خلال تلك الفترة. ملفات ثقيلة وأخرى غير ذات أهمية، بالنسبة للسياسيين، تدخل في صلب الأهداف الشخصية لأعضاء المافيا، الذين كان عددهم كما شرح هشام عبود 11 جنرالا، يعمل تحت إمرتهم عشرات الضباط والموظفين. هؤلاء كانوا يشتغلون كما لو أن البلاد لا تتوفر على مؤسسات دستورية. يخططون وينفذون دون أن يقف في وجوههم أحد.

حتى أن هشام عبود اختار عنوانا مثيرا فعلا لآخر فصول هذا الكتاب. حيث عنونه بـ«نقابة الجريمة». وهو عنوان يحمل قدرا كبيرا من العمق والسخرية في آن. أي أن الجريمة في الجزائر، خلال عهد هؤلاء الجنرالات الذين حكموا البلاد أكثر من رؤساء الجمهورية، صارت منظمة وتأسست لها نقابة، كما لو أنها تيار سياسي منافس على السلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى