شوف تشوف

الرأيالرئيسية

العنصرية في «الميديا» الغربية

 

مقالات ذات صلة

ياسر عبد العزيز

 

لطالما ظل الأنموذج الإعلامي الغربي مصدرا للإلهام للكثيرين في بلادنا، سواء في ما يتعلق بقدر الحريات التي يتمتع بها، أو بتطوره المهني الاحترافي، أو بالآليات المتوازنة التي تحكم عمله؛ فتُبقي له قدرا من الحرية والانفتاح كبيرا، وترسي قواعد واضحة لتنظيمه، وتحفظ حقوق الآخرين من تعدياته في آن واحد.

ومع ذلك، فإن المنظومة الإعلامية الغربية كثيرا ما تورطت في مشكلات كبيرة، وارتكبت أخطاء صارخة، وأظهرت ميولا مناوئة تماما لما استقرت عليه الأدبيات الغربية في التنظير للممارسة الإعلامية.

ونحن نذكر على سبيل المثال المشكلة التي وقعت في عام 2019، والتي أدت إلى طرد المذيع داني بيكر من «بي بي سي»، لأنه تهكم على الأصول العرقية للأميرة ماركل ونجلها.

كما نتذكر المصورة الصحافية المجرية، بيترا لازلو، التي كانت تنقل وقائع إلقاء الشرطة القبض على بعض اللاجئين السوريين، الذين حاولوا دخول البلاد بطريقة غير مشروعة عام 2015، وحين لاحظت أن لاجئا سوريا ونجله الطفل استطاعا الفرار من أيدي رجال الشرطة، ما كان منها إلا أن قامت بعرقلته، ليسقط الرجل فوق طفله، ويتم إلقاء القبض عليه.

وفى السياق نفسه، يمكننا الإشارة إلى واقعة الناقد الرياضي الإيطالي، لوشيانو باسيراني، الذي تم طرده من العمل بإحدى القنوات الرياضية في بلاده، عام 2019، بعدما أدلى بتعليقات عنصرية مهينة خلال تعليقه على أداء اللاعب البلجيكي الأسمر روميلو لوكاكو، مهاجم إنتر ميلان.

تلك كلها وقائع تشير إلى وجود الميول العنصرية بالممارسة الإعلامية الغربية، وتوضح أيضا أن النظم الإعلامية والقضائية هناك لا تتسامح عادة معها، وتتخذ بحقها إجراءات متباينة، تعكس في الغالب رفضا لها وحرصا على مواجهتها.

لكن قطاعا من التغطيات الإعلامية الغربية للحرب الروسية- الأوكرانية التي تجري وقائعها الدامية راهنا، يُظهر ميلا عنصريا واضحا ومطردا، وهو أمر يتضح في تغطيات لوسائل إعلام كبرى ومرموقة، من أستراليا شرقا إلى الولايات المتحدة غربا.

وقد بات المواطن العادي في منطقتنا على سبيل المثال يعرف الكثير من الزلات والأخطاء الكبيرة، التي وقع فيها إعلاميون غربيون، وحملت إساءات عنصرية لبلداننا ومواطنينا، بل يتداولها مع آخرين عبر وسائط «التواصل الاجتماعي»، كدليل على تلك النزعة العنصرية المتجذرة لدى بعض الغربيين، والتي تظهر في وسائل إعلام لطالما تباهت بأدائها الاحترافي وخضوعها للمعايير واحتفائها بالقيم.

ترتكز معظم هذه المقاربات الإعلامية الغربية العنصرية على فكرة متكررة؛ مفادها: «إن هؤلاء الأوكرانيين يشبهوننا تماما.. وهم ليسوا من الشرق الأوسط، ولم يأتوا إلينا من أفغانستان أو سوريا أو العراق، فكيف يحدث لهم ذلك؟».

لقد تم تسليط الضوء على هذه النزعة العنصرية البغيضة المتزايدة من قبل وسائل إعلام أخرى أو نُقاد أو منظمات مجتمع مدني، كما اعتذرت عدد من وسائل الإعلام التي تورط بعض العاملين فيها بهذا الخطأ، لكن تلك الانتقادات والاعتذارات لم تكن كافية لمسح الإهانة، أو التغاضي عن هذه المخالفات التي ترقى إلى حد الجرائم.

والشاهد أن مختلف وسائل الإعلام في العالم يمكن أن تقع في الأخطاء، وأننا لسنا في وضع يمكننا من إعطاء النصح والدروس للآخرين، حين نتحدث عن معايير الإعلام وقيمه، لكن مع ذلك لا يبدو من المستساغ أن تكون في موضع الإلهام، ثم تتورط إلى هذا الحد في تلك المخالفات العنصرية البغيضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى